تندرج قصة "آيان حرسي علي"، هذه المرأة الصومالية الاصل المرتدة عن الإسلام في إطار حملات العداء للاسلام، واستهدافه عقيدة وقرآنا ورموزا وثقافة ومنهج حياة. وهي في ذات الوقت تشكل فصلا من فصول تبني الغرب كل فكر او رأي او انتقاد معاد للاسلام والمسلمين والأمثلة على ذلك كثيرة، تكاد لا تحصى. ومثالا لا حصرا قصة المرتد من اصل هندي "سلمان رشدي وآياته الشيطانية"، والمرتدة عن الاسلام البنغالية "تسنيم". وقد وجد كلاهما ملجأ ورعاية فائقة واحتضانا لدى جهات غربية شدت على أيديهما، ووفرت لهما كل الوسائل للاستمرار في نهجهما المعادي للإسلام .
" آيان حرسي علي" إمرأة من اصل صومالي، لجأت اسرتها الى كينيا المجاورة، هربا من ويلات الحرب الأهلية في الصومال، وحصلت على حق اللجوء السياسي هناك . ولغاية في نفسها قدمت معلومات وبيانات، اتضح فيما بعد انها كاذبة، للحكومة الهولاندية بغية الحصول على اللجوء السياسي، وكان لها ما أرادت .
وقد اعتمدت معلوماتها وبياناتها على تغيير اسمها وعمرها في شهادة ميلاد مزورة، مدعية أنها هاربة مباشرة من جحيم الحرب الأهلية في الصومال، وانها واقعة تحت الاكراه للزواج من رجل مسلم لا تريده، وأنها مضطهدة، وحياتها مهددة بالأخطار.
في ضوء هذه المعلومات والبيانات، حصلت على اللجوء السياسي في هولاندا عام 1992 . ومن خلال كتاباتها التي انتقدت بها الإسلام انتقادا مريرا، تسلقت سلم الشهرة، لافتة أنظار جهات معادية للإسلام، تمكنت من الحصول على الجنسية الهولاندية، والانضمام الى الحزب الليبرالي الهولاندي الحاكم، ومن ثم فوزها بمقعد في البرلمان الهولاندي، حيث اصبحت عضوا فيه .
ما يعنينا هنا ليس قصة " كفاح " هذه المرأة لتحقيق أحلامها الشخصية، وإانما تكريسها لما وصلت إليه من شهرة وعلو مركز، وتهيئة منابر إعلامية لها، في شن هجمة شرسة على الإسلام، بقصد تشويه مفاهيمه ورؤاه، وتصويره على أنه دين متخلف قائم على القسوة والإكراه، مضطهد للمرأة، وغير متسامح وبخاصة مع الشواذ. وهي بذلك لم تكتف، فوجهت سهام حقدها وكراهيتها العمياء إلى شخص الرسول الكريم محمد عليه السلام، واصفة إياه – حاشاه – بالطاغية .
حتى الآن لم تصبح هذه المرأة " مادة دسمة " لوسائل الاعلام الغربية، وبخاصة تلك ألتي تناصب الإسلام والمسلين العداء . لقد كان للقصة التي كتبتها بنفسها للفلم الذي حمل عنوان "الخضوع"، والذي أخرجه المخرج الهولاندي "فان كوخ" النصيب الاكبر في تأجيج نيران الكراهية العمياء ضد الإسلام في هولندا، وبطبيعة الحال في أوروبا كونها عضوا رئيسا في اتحادها .
لقد تضمنت قصة هذا الفلم أكاذيب وادعاءات باطلة ضد الإسلام، وفي سياق احداثه، ركزت على اوضاع المرأة المسلمة في العالم الإسلامي، مصورة الإسلام على انه دين رجعي من العصور الوسطى، يضطهد النساء ويسيء معاملتهن، ومنصبة نفسها داعية للحقوق التي بحسب ادعائها تفتقدها المرأة المسلمة. وقد تضمن فلم "الخضوع" هذا مناظر تسيء للاسلام والقرآن الكريم، منها مثالا لا حصرا كتابة آيات قرآنية على الجزء السفلي من جسد امرأة عارية، علاوة على الاوصاف النابية بحق الرسول الكريم حاشاه.
وكمحصلة اولية لعرض هذا الفلم في هولاندا واوروبا، التهبت مشاعر المسلمين الذين اغضبهم هذا التجني والافتراء اللامبررين على الاسلام ورسوله الكريم، الامر الذي دفع باحدهم وهو من اصل مغربي الى قتل مخرج هذا الفلم الهولاندي "فان كوخ". وجراء مقتله قام المتعصبون العنصريون في هولاندا بحرق أكثر من عشرين مسجدا ومدرسة ومؤسسة تابعة للجالية الإسلامية في أنحاء عدة من هولاندا.
وهنا اشتعلت نيران العداء لأتباع الجالية الاسلامية الذين وجهت اليهم تهم عدم احترامهم مبدأ الحريات العامة، ولجوئهم الى العنف والقسوة والارهاب، فعاشوا اياما عصيبة من الاضطهاد والملاحقة والتحريض ضدهم، وضد الاسلام، ليس في هولاندا فحسب، وانما في بلدان عدة من قارة اوروبا . ومرة اخرى ظل التمادي والاصرار على الاساءة للاسلام الصفة الملازمة لهذه المرأة ومن يقف وراءها، لتخرج بقصة جديدة معادية لفلم جديد يحمل مرة اخرى عنوان "الخضوع 2".
في الشكوى التي قدمتها الجالية الاسلامية ضد فلمها الثاني الى القضاء الهولاندي بغية منع عرضه لانه يسيء الى الاسلام، ويتعمد تشويه صورته، رفض القاضي الهولاندي الشكوى، وبرأ كاتبة قصة الفلم آيان حرسي علي من التهم الموجهة لها من قبل الجالية الاسلامية، بحجة انها تعبر عن حرية رأيها التي كفلها لها الدستور الهولاندي، وان كل التهم خاصة الشكوى تندرج في اطار حرية الرأي.
واستكمالا لقصة هذه المرأة المرتدة التي اسقطت عنها الجنسية الهولانية، – وهناك محاولات ضاغطة من حزبها وجهات يهمها امرها لاستعادة هذه الجنسية -، تلقت هذه المرتدة دعوة من معهد " إنتربرايز " الاميركي للبحوث والدراسات المقرب من المحافظين الجدد الحاكمين في الولايات المتحدة الاميركية للعمل فيه . وهذا ان دل فانما يدل على ان هذه الشريحة من المثقفين المرتدين لا تفرط بها الجهات المعادية للاسلام، كونها وسيلة سهلة ومطواعة ورأس حربة توجهها للعالم الاسلامي لتنفيذ مآربها وغاياتها المعادية.
وسواء قبلت العرض الاميركي، او اعيدت لها الجنسية الهولاندية، او سواء بقيت في هولاندا او ارتحلت الى اميركا، فالامر سيان. انها لن تغير نهجها، ما دام هناك من يشد على يدها ويدعمها ويحميها هي وامثالها من المثقفين العرب والمسلمين الذين يسوقون لفكر معاد باسم منظومة الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان التي يفتقر اليها الاسلام حسب ادعائهم .
وكلمة اخيرة، لقد ابتلي العالمان العربي والاسلامي بشرائح مثقفة انزلت نفسها منزلة التنظير، وهي التي بالفعل قد خرجت من جلودها، ومن مائها الانتمائي، وتطاولت على تاريخ مجيد من الموروثين الثقافي والحضاري، ناعتة اياه بالمتحجر والمتخلف . وبتشجع من جهات خارجية معادية، ارتمت في احضانها، تطاولت على الاسلام عقيدة وقرآنا ورموزا ونهجا حياتيا . وهي تمارس ما تمارسه تحت مظلة مسميات خادعة من الحداثة والتجديد والتطوير والعصرنة.
وفي الحقيقة التي لا يرقى لها ادنى شك، ما هي الا رؤوس جسور هجمات ثقافية معادية للاسلام والمسلمين. واما هذه المرأة المرتدة التي اساءت لابناء جلدتها ومنتماها، وكل امثالها فما هم الا وسائل مأجورة رخيصة لتحقيق غايات عنصرية، ليس لها الا مسمى واحد هو معاداة الاسلام واستهدافه.