جاء هذا العدوان الصهيوني المتجدد في سياق الضغط الصهيو-أمريكي والإقليمي من أجل إسقاط وإفشال الحكومة الفلسطينية المنتخبة ديموقراطيا ومعاقبة الشعب الفلسطيني على خياره الديموقراطي. لقد تجلى هذا الضغط في الحصار الاقتصادي والسياسي الذي مورس من قبل جهات دولية وإقليمية ومحلية على أمل دفع الشعب الفلسطيني إلى اليأس وتركيعه ودفعه إلى التخلي عن حكومته المنتخبة بسبب التجويع والبطالة والضائقة الاقتصادية.
ولما فشلت كل هذه المحاولات على جميع الأصعدة بفضل صمود الشعب الفلسطيني والتفافه حول قيادته وحكومته المنتخبة، بدأ الكيان الصهيوني بالضغط المباشر الذي لم يتوقف يوما باستهداف القيادات السياسية والميدانية وأمعن في استهداف المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ. فما مجزرة شاطئ غزة وما حصل لعائلة هدى غالية ومذبحة الأطفال في حي رضوان في غزة واختطاف الآمنين من بيوتهم في خان يونس واالاجتياحات المتكررة في الضفة الغربية إلا وسائل متكررة للوصول إلى الهدف الرئيس وهو إسقاط الحكومة الفلسطينية وبالتالي إجبار الشعب الفلسطيني التخلي عن حقوقة الوطنية المشروعة وثوابته. فليس صحيحا ما أعلنه العدو الصهيوني بأن كل هذه القوة الغاشمة هي من أجل إخلاء سبيل الجندي الأسير. وذلك بإعلان وتصريح قياداتهم بأن هذه الهجمة الشرسة تم الإعداد لها قبل أسابيع.
وجاءت عملية كرم أبوسالم وتوافق الفصائل الفلسطينية على وثيقة الوفاق الوطني لتسرع من تنفيذ هذه الهجمة الشرسة الهمجية. فماذا يعني أن تحشد كل هذه القوة الغاشمة على قطاع غزة شماله وجنوبه واستهداف البنية التحتية من محطات توليد الكهرباء وتدمير الجسور والمباني الحكومية والجامعات وخطف الوزراء وأعضاء المجلس التشريعي؟ وبلا شك نحن أمام دولة عصابات ودولة إرهاب بكل المقاييس.
بعد أن فشل الحصار وكل أنواع الضغوطات في إسقاط الحكومة وبعد أن توصل الفلسطينيون إلى الاتفاق على الثوابت الفلسطينية عبر وثيقة الوفاق الوطني، طار صواب الكيان الصهيوني ممثلا بالإرهابي أولمرت فجرد أكثر من 3آلاف جندي ومائتي دبابة مدعومة بتغطية جوية بإف 16 والأباتشي وبكل ما في حوزتهم من الترسانة العسكرية للهجوم على غزة وتمهيدا لاجتياحها ولإرهاب أطفالها ونسائها.
فهل يعقل أن تكون كل هذه القوة الغاشمة من أجل تخليص جندي أسر في ميدان المعركة وهو يطلق النار على الآمنين من المدنيين؟ وهذا سؤال برسم الشعب العربي وبرسم كل الشعوب المحبة للسلام. لقد قامت الدنيا ولم تقعد عندما تم أسر هذا الجندي بينما لم ينبس أحد ببنت شفة لعشرة آلاف أسير ومعتقل في سجون الإحتلال النازي وعلى خطف شقيقين من بيتهما في خان يونس قبل يومين من عملية كرم أبوسالم. ما هذه "العدالة" المقلوبة؟ ما هذا الظلم الفادح بحق شعب يرزح تحت الاحتلال؟
ألم يأن الأوان للبعض في الداخل الفلسطيني أن يستنتج العبر من كل هذا؟ فمهما عانقوا وقبلوا وأساءوا للمقاومة الشريفة بالكلام الجارح فلن يغير ذلك من السياسة الصهيونية. لقد جاءت الحملة الصهيونية الغاشمة بعد ساعات من تقبيل وعناق الرئيس الفلسطيني للإرهابي إيهود أولمرت. يجب ألا يغيب عن بالنا أن الفلسطيني الجيد في الثقافة الصهيونية هو الفلسطيني الميت. ألا يعلم هؤلاء "العقلانيون" والعابثون بمصير الشعب أنهم سواء تم الاتفاق على وثائق أو لم يتم أن الأمور لن تتغير عند العدو الصهيوني؟ ستظل غزة في في مكانها محاصرة جوا وبحرا وبرا. وستظل عمليات الاغتيال والاجتياح والغارات الوهمية والحقيقية حدثا يوميا يعاني منه أهلنا في القطاع.
حذار حذار أن يتنازل المقاومون عن شروطهم في شأن الجندي الأسير. فالتنازل يعني فشل عملية كرم أبو سالم برمتها وستكون سابقة خطيرة يستغلها العدو الصهيوني في شأن الأسرى. وستكون له اليد الأعلى والطولى وأن يصول ويجول شرقا وغربا وشمالا وجنوبا بلا رادع. ولن تجدي أي عملية مشابهة في المستقبل نفعا لأن العدو سيكون على يقين أن التهديد والوعيد والوساطات ستخرجه من الورطة في كل مرة.
ونجاح العملية يعني الكثير للشعب الفلسطيني. فأول ما يعني هو ثبات الحكومة ومصداقيتها والتفاف الشعب أكثر فأكثر حول الحكومة الصادقة الصدوقة.
وكذلك سيساهم نجاح العملية في حماية الفلسطيني أينما كان.
وكذلك سيقوي من شكيمة المقاومين وعزيمتهم ويلتف الجميع حول المقاومة في كل زمان ومكان.