الأعياد تأتي وتمرُّ، ومثلها بقية الأيامِ تمرُّ، والناسُ تقولُ فيها، وتتمنى عليها، بأن تعود بخير، ولكنها على قانونها، لا تحفل بالمنى ، ولا تلقي بالاً إلى التمنيات، وتخرج في وداع الأعوام، وفي استقبال القوادم منها، بعض أصوات صواحبات الفلك، وكأنَّ الفلك والأجرام، موضع الوحي والإلهام، فتشرع في التنبؤ، وتتمحكُ في التلكؤ، وتأخذ طريقها إلى المهرجان، والدنيا هيَ هيَ ...!
الدنيا تدوربحسب قانونها، وتخرج لهؤلاء النَّفر لسانها، عندها ما عندها، وعندهم ما عندهم، فإن وافق بعض الذي عند الحالين، قيلَ هاكم اقرؤوا كتابيَ، وإن خالف ما عندَ الحالين، قيلَ كانت قابَ قوسينِ أو أدنى، فحرفَ المثلثُ، وانزعجَ المربعُ، فخارت القوائمُ ، والدنيا على حالها، نفرٌ مصدِّقٌ وثّابَ قدمينْ، مشنِّفَ أذنين، ونفرٌ مكذبٌ لا يلقي بالاً، ولا يعنت حالاُ، والدنيا هيَ هيَ، على حالها، ورائق بالها....!
والناسُ في الأعياد، درجت على النظرٍ إلى الأحياء، واستقامت على اللقاء معهم، تستفسرُ عن الأحوال، وتسألُ عن الصحة والعيال، فإن ذكرت وبصرت، إلى قوافلٍ عبرت، ألقت بسلام وتحية وفاتحة من الكتاب، وترحّمت على الأموات، وعادت لإلى دنياها، وهي تقولُ إنما الأحياءُ أبقى، وإنما ألأمواتُ فرقةْ، وما هيَ إلا بضع ساعات، فإذا هيَ تعودُ إلى إلقاء الأحاديثِ، وتسعى إلى ما هو متوقع أن تسعى إليه، وتغذَّ الخطى، وتعود إلى ما كانت عليه، والدنيا هيَ هيَ على حالها، والناسُ هيَ هيَ على منوالها...!
يكتبُ الأحياءُ إلى الأحياء، ويسمع الأحياء الأحياء، ويلقون بين أيدي بعضهم، المواعيد والمحاذير والتدابير، ويتعاهد بعضهم بعضاً، وتبقى الدائرةُ تدور، على حالها تدور، والدنيا هيَ هيَ، والناس هيَ هيَ....!
وأنا في هذا العيد، نظرت فرأيت الأموات أحق أن يخاطبوا، وهم أحق أن يعهد إليهم، وأحق أن يتعهد لهم، فهم على كل حال في دار الحق، الحق الذي لا ينتظر عيداً ليذكر، ولا ينتظر دورة ليتفكّر، وإن كان لكل موتاه، ولكل عهده ومناه، فإني ناظرٌ إلى ثلاثة منهم، مختارأ بينهم لعهدي، ولما أريده قصدي، فأقول لوالدتي رحمها الله، أنا على ما رضعناه في اللبان، من حب الأوطان وفداء الأقداس، وجزاء الإحسان، والعيش أحراراً ، والرضى بها أقداراً، والموت مؤمنين ،على عهد ربنا وعهد رسالاته أغياراً، والنصح لأمتنا وعشيرتنا أخياراً....
أما الثاني ، فإني وإن كنت على الخيار، فكيف لي أن لا أقف أمام الختيار، ياسرالفلسطيني الجبار، الشهيد الذي ملأ الليل والنهار، وقد لوّث تركته الأشرار والفجّار، فأقول له لا تحزن أبا عمار، فإن الصولة هي الصولة، وإن العهد هو العهد، وإن القسم هو القسم، تركت من بنيك وأخوتك، أسود الشرى الأطهار، لا يزيغون عن الطريق، ولا تغريهم وساوس الغريق، الشعلة هي الشعلة، سيثأرون يوماً لدمائك العلية، ولن ينسوا مهما طال الزمن واستطال، قاتلوك إلى يوم قصاص، وبائعوا دمك إلى يوم رصاص، وخائنوا حلمك لا مفرَّ لهم، ولا منفذ خلاص، ورفاتك وعظامك إلى باحة الأقصى، كما أحببت وأوصيت، لترى الراية فوق الأسوار، وتسمع الأذان والأجراس مع الأحرار، يا والد الأحرار...
أما الثالث ، فإلى حمامة فلسطين، جليلنا الشهيد أحمد ياسين، إنا على عهد الوقف باقين، فلسطين هيَ فلسطين، يا شيخ وأميرالمجاهدين، برملها وبحرها، بسهلها وجبلها، بزيتونها وحمائمها، بحجرها وبشرها، لا تفريط ولا توريط، آية المخلَصين المخلِصين، على عهد الأمة أجمعين، لا تنفكًّ منها عروة، ولا هي خافتة عن الذروة، مناط السعي والاجتهاد، في طريقة الوصول بين العباد، أما في الأصل والمعاد، فلا اختلاف ولا تسويف،لكنّهم لا بدَّ ذاكرين، وعن الحالقة معرضين، ولا نزاع في التوصيف والتعريف،تسقط على هوامش الجسر بعض الأكباد، إما ينزغن بينهم في ساعة سهاد، دولة الباطل إلى زوال، ودولة الحق إلى منال، فاشرح صدراً ولا تحزن، ما دامت البيضة في سالم وأسلم، والله الله في الدعوة والشفاعة، وعسى الله أن يفرحكم بأمر ترقبون سماعه، يا عمود الدار، ويا بركة الأطهار والأخيار.....
وكل عام وفلسطين حقّ.