العملية السلمية التي وعد الفلسطينيون بها كاحدى افرازات أوسلو بانها ستضع حدا لمعاناتهم ، وتجد حلا جذريا ونهائيا لقضيتهم ، هذه العملية اجهضت مرارا وتكرارا . تارات لا حصر لها على ايدي الإسرائيليين ، وتارات على ايدي الأميركيين ، واخرى على ايديهم معا ، وهم ما كانوا يوما ما الا معا ، يحكمهم منظور واحد فيما يخص مجمل تداعيات القضية الفلسطينية ، وهو منظور قائم اساسا على انحياز مطلق اعمى لإسرائيل .  لقد تعثرت العملية السلمية ، والتي يمكن الحكم عليها بانها كانت مفرغة من كل محتوى يمت الى اسمها ، ما ينوف عن عشر سنوات وما زالت متعثرة ، او بصحيح العبارة غير مكترث بها . وهذا ما ارادته الولايات المتحدة ، وفرضته على الرباعية ، والاتحاد الاوروبي ، والأمم المتحدة . والولايات المتحدة ليست بحاجة الى مبررات ، فهي موجودة على الدوام وجاهزة .  وهي في ذات الوقت قادرة على التملص من كل الوعود التي كالها الرئيس الأميركي جورج بوش الابن لغاية في نفسه للفلسطينيين . وها هي فترة ولايته الثانية والأخيرة قد قاربت على الانتهاء ، وما زالت رؤيته بخصوص الدولة الفلسطينية نطفة في رحم الغيب السياسي .وليس حبا بالفلسطينيين ، ولا رحمة بهم ، او اعترافا بانهم واقعون تحت احتلال الغى ابسط بسائط مقومات انسانيتهم ، او تفكيرا جادا بايجاد حل لمأساتهم ، قد عاد العزف هذه الأيام على اوتار العملية السلمية . وهذه حقيقة لا ريب فيها .ان الأمر لا يحتاج الى عناء كبير . ان الموضوع من اساسه يمت الى تقرير لجنة بيكر هاملتون الذي ربط ربطا مباشرا بين المستنقع العراقي الذي غرقت به الولايات المتحدة وبين النزاع الفلسطيني الاسرائيلي ، والذي ظلت الادارة الأميركية ترفض الربط بينهما ، عامدة متعمدة ، وباصرار وتوجيه اسرائيليين ، وهي بذلك كما يقول المثل تريد ان تغطي ضوء الشمس بغربال .لقد صدر التقرير ، ووضع بعض النقاط على الحروف ، وجراء ذلك كان على الرئيس الأميركي ان يتحرك باتجاه ما . ولكنه هذه المرة مثقل بهزائمه في كل من أفغانستان والعراق ونتائج الانتخابات الأميركية الأخيرة . والأهم من ذلك كله انه ما زال آخذا بعين الاعتبار الرفض الإسرائيلي للطروحات التي وردت في تقرير لجنة بيكر هاملتون بخصوص الربط بين مستنقع العراق والصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، وما يترتب على ذلك من رفض السير قدما في العملية السلمية مع الفلسطينيين .وبرغم هذه الأجواء القاتمة ، وبالتشاور مع الرئيس الأميركي ، زار طوني بلير رئيس الحكومة البريطانية المنطقة ، تحت ظلال شعبيته التي وصلت الى ادنى حد غير مسبوق ، لتحريك العملية السلمية . وليست هذه المرة الأولى له . وفي مطلع العام القادم سوف تزور المنطقة لذات الغرض كوندوليزا رايس وزيرة خارجية الولايات المتحدة للمرة الثامنة منذ ان تولت منصب وزارة الخارجية .والأسئلة المتعددة التي تطرح نفسها بالحاح : لماذا حقا يجيئان ؟ . وما هي نسبة جدية تحركهما هذه المرة ؟ . وهل حقا ما زالا  لا يعرفان اسرار عقدة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ، والى أي حد وصلت الأمور في المنطقة جراء سياسات بلديهما وانحيازهما المطلق الى الطرف الاسرائيلي ؟ . وهل سيعترفان هذه المرة ان هناك احتلالا اسرائيليا للأراضي الفلسطينية ينبغي أن يزول كشرط مسبق لأية تسوية ؟ .وأخيرا لا آخرا هل سيعترفان بقرارات الشرعية الدولية التي صدرت عن الأمم المتحدة منذ العام 1948 ؟ .ان المواطن الفلسطيني طالما سأل هذه الأسئلة وغيرها الكثير ، وأجيب عنها في حينه اجابات تحمل نكرانا لأبسط حقوقه ، وتجاهلا لأمانيه في التحرر والحرية والسيادة . وبرغم كل ذلك ، فان هذا المواطن يسأل هذه المرة سؤالا مغايرا مفاده : هل هي رياح التغيير قد هبت على السياسة الأميركية تحمل معها بذور الأمل في غد آخر يبشر بتسوية عادلة يرضى عنها .وكثيرة هي الأسئلة الفلسطينية في هذا السياق . وهي أسئلة ذكية سبق أن سألها الفلسطينيون ، وقد أجيبوا عنها في حينها هذه اللامبالاة وعدم الجدية وازدواجية المعايير والإفتقار الى المصداقية في كل التحركات السابقة . وهذه المرة يعود الفلسطينيون ويسألونها بمرارة وعدم اكتراث وبشيء من السخرية ، كونهم يعرفون يقينا ما هي الردود عليها وهم يرددون ما أشبه الليلة بالبارحة ، والمكتوب يقرأ من عنوانه .ان اسرائيل لم تغير نهج سياستها المتبعة في الأراضي الفلسطينية ، ولا حتى تحت ظلال التهدئة الأخيرة التي يفترض انها وافقت عليها . فهاهي الاجتياحات والحصارات والاغتيالات والاعتقالات ومصادرة الأراضي واتلحواجز ، والى آخر ما يتضمنه هذا المسلسل الإحتلالي البغيض . إنها ما زالت قائمة ، وتشهد تصعيدا لا يقف عند حدود .إلا أن الأخطر من هذا كله ان منظور التسوية الإسرائيلي ما زال هو هو . إنه يستثني حق العودة ، ويرفض العودة الى حدود العام 1967 ، ويصر على عدم تطهير الأراضي الفلسطينية من درن الإستيطان القائم عليها دون أدنى حق او شرعية دولية . وهذا المنظور الإسرائيلي ما زال يتمسك بالسيطرة على المعابر والحدود ومصادر المياه والطاقو والهواء والمقدرات الأخرى . فأين هي العملية السلمية التي يتحدثون عنها ؟ ، وماذا يتبقى للفلسطينيين منها  ؟ .وكلمة أخيرة ، لقد جاء طوني بلير الى المنطقة عدة مرات ، وكذلك السيدة رايس ، ومندوبون عديدون من الإتحاد الأوروبي . ولم تكن زياراتهم الا ذرا للرماد في العيون ، ذلك أن حصاد زياراتهم هذه كان العدم ، لأنهم ليسوا جادين وغير معنيين لإيجاد تسوية عادلة للقضية الفلسطينية ، ووضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني ، وهم يرون بأمهات أعينهم هذا الغياب العربي عن ساحة القضية ، أو بمعنى آخر خروج القضية من أجندة الإهتمامات العربية . وبرغم هذا وذاك تظل القضية ، ويظل أصحابها أمناء على ثوابتها ، لا يفرطون بمثقال ذرة واحدة منها .
شاعر وكاتب فلسطيني

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية