حالة الهلع التي تعتري البعض في مواجهة الأزمات تفقدهم القرار الحكيم المطلوب . وقد شهد المرابطون الكويتيون أثناء الإحتلال البعثي حالات هلع عديدة وتعاملوا معها ونجحوا في علاجها و تفادي آثارها المدمرة.
إن حالة الهلع في كل الظروف تعمي الأبصار و تقود إلى ضلال وفساد في الأرض وبين الناس. وفي أحوال الهلع العام تظهر رؤوس الكراهية والحقد والحسد والغضب والأنانية وهي كثيرة وفي المقابل تبرز قلة من رؤوس الخير والعدل والحق.
وإذا أحسن المجتمع إدارة شؤونه وقضاياه بعيدا عن حالة الهلع فقد ينجح بحول الله في تحقيق المكاسب والمنافع وفي تطوير وتحسين واقعه ومستقبله.
ومن أهم ما تكشفه الأزمات أيا كانت درجتها و مستواها, معادن الرجال كما أنها تفضح أهواءهم.
يطرح البعض في خضم ما يوصف الآن بالأزمة السياسية توجهات خطرة و مدمرة دون أن يملكوا رؤية واقعية تعكس معايشة ومخالطة للواقع الحقيقي العملي، ولا تفكير إيجابي ينبع من معرفة متجردة للأسباب والمسببات، ولا نظرة مستقبلية تحكمها شروط التطور و القدرات الممكنة. ومن هذه التوجهات الخطرة المدمرة الدعوة إلى وقف ما يصفونه بزحف سلطة مجلس الأمة على سلطة الحكومة وكذلك المناداة بتقوية وتوسعة سلطات الحكومة وهي توجهات تحمل في طياتها خطورة أشد على الحياة السياسية من منحى حل مجلس الأمة. وغني عن الذكر في هذا السياق أن الفروق شاسعة بين قوة السلطة و قوة أداء السلطة، وهذه الرؤية معنية بالأولى.
ومن دواعي الأسف أن تنطلق مثل هذه التوجهات من قبل من يحسبهم البعض حملة الفكر المتحرر والتقدمي.
والملاحظات المختصرة التالية تبين جوانب الخطر والتدمير الذي تقود إليه مثل هذه التوجهات:
أولا- إن الميزان العادل الذي يحكم إتجاه الإستقرار والتقدم في المجتمعات هو تطور ونمو السلطات الشعبية تطورا و نموا سلميا متدرجا ومستمرا مقابل تقليص السلطات الحاكمة.
وكلما توقف أو تباطأ هذا التطور والنمو كلما نشأت الأزمات والقلاقل ومسببات تهديد الأمن و الإستقرار والتقدم.
ثانيا- يقود الضعف الذي يعتري العلاقات والروابط بين الأفراد والكتل و الجماعات الشعبية إلى نزعة زيادة الإرتباط مع الحكومة والحكام. وقد علم الحكماء هذه الحقيقة فحذروا منها ، و تنبه لها مستشاروا السوء فسعوا في تفكيك المجتمع وتقسيمه و تجزيئه، وتلقفها الإنتهازيون فروجوا لها أملا في المكاسب والمغانم.
ثالثا- تسعى كافة الحكومات المتسلطة إلى إضعاف الحياة الديمقراطية وتشويهها ومحاربة كافة أركانها كما أنها تسعى تلقائيا للحد من الحريات، أما الحكومات الصالحة فهي التي تقوم على تنمية و تطوير الحياة والممارسة الديمقراطية والحريات.
رابعا- يظهر في جميع النماذج التاريخية والمعاصرة مصاحبة زيادة قوة سلطات الحكومة زيادة إستشراء فسادها. فتضخم سلطات الحكومة يسير بها نحو تضخم إداراتها و تعدد أذرعها و بالتالي تعقد إدارتها وصعوبة تحقيق الكفاءة المطلوبة منها فتزداد المظالم والمفاسد وتتصاعد مشاعر التذمر والتمرد.
وهنا تجدر الإشارة إلى ما كشفه إستطلاع حديث للرأي أجرته الجمعية الاقتصادية الكويتية من أن 57% من المواطنين يرون أن الفساد مستشر في الكويت . كما يوجب التذكير بما تؤكده المقاييس العالمية من زيادة تخلف الكويت في مكافحة الفساد.
خامسا- تجد مافيا المصالح المالية الخاصة ضالتها في الحكومة التسلطية حيث القرار بيد القلة لا في نصوص القوانين والقرارات التي تنشأها الأغلبية . وما ينجبه تزاوج السلطة السياسية مع رأس المال ذرية أركانها أربعة:
نهب المال العام و تسخير مقدرات الأمة للقلة ، وتحويل الأغلبية إلى أجراء و مستهلكين ، وإعلام وتربية وثقافة مسيرة لسياسات التزاوج الشيطاني ، و مشرعين منتخبين وغيرهم لا هم لهم إلا إقرار القوانين المحصنة والحامية لهذا التزاوج.
سادسا- تعمل الحكومات المتمددة في سلطاتها على وأد العمل الشعبي السياسي والإجتماعي و غيره من أشكال المشاركة الشعبية الجادة وتسعى إلى خنق العمل التطوعي وتقليص دور المؤسسات المدنية أو تحويلها إلى أدوات خادمة للسلطة وسياساتها.
هذه بعض مخاطر وتهديدات الحكومة المتسلطة أضعها بين يدي مدعي التحرر والتقدمية.