بدأ تاريخ القمم العربية في 28 مايو من عام 46 19بإنعقاد قمة (أنشاص) الطارئة لمناصرة القضية الفلسطينية، وإن كانت ملفات الجامعة العربية تعتبر مؤتمر القمة العربي الأول هو مؤتمر (القاهرة) الذي عقد في 13 يناير 1964.
وما يعنينا في هذا الأمر أنه بين (أنشاص) أو (القاهرة) و (الرياض) قمم وغمم.
ممالا شك فيه أن مؤتمر الحكام العرب في (الرياض) قد أفرز بضعة إيجابيات والتي يراها ويقيمها المراقبون من زوايا مختلفة. و إن أطنب و أفاض وبالغ الإعلام العربي في هذه الإيجابيات فإن الشعوب العربية مازالت في إنتظار النتائج العملية لهذا المؤتمر كما انتظرت لعقود مضت لتشهد ثمار مؤتمرات عدة سابقة. إن الغمة الكبرى التي نزلت على الأمة من مؤتمرات القمة هي نزع الإرتباط الحقيقي والوصفي
بين القضية الفلسطينية والأمة العربية بعد أن أطيح بالإرتباط الإسلامي . هذه الغمة جاءت
بها قمة القاهرة عام 1964، وقمة الرباط عام 1974 فلقد كان قرار جعل (منظمة التحرير
الفلسطينية) الممثل الوحيد لفلسطين وللفلسطينيين هو بداية التنازلات لتجريد القضية
الفلسطينية من أسسها وقواعدها وأبعادها ومقوماتها الإسلامية والعربية.
وقد أدى ذلك إلى تفرد أعداء الأمة بالقضية يقذفون بها من ملعب إلى آخر ومع كل تحرك يقضم
منها ما يريدون فتوالت التنازلات تلو التنازلات من قبل عملاء أعداء الأمة ولم ينته
الأمر في مأساة (أوسلو ) التي حققت للصهيونية أحد أكبر أحلامها بتنازل فلسطيني عن
فلسطين المحتلة عام 1948 و ببدء مسيرة التفاوض المذل حول أقل من خمس مساحة فلسطين
الأصلية.
إن الإشارتين الرمزيتين الجديرتين بالذكر حول مؤتمر الرياض هما:
الأولى- مقارنة الإستقبال الفاتر الذي أستقبل به رئيس المجلس العسكري الحاكم في
موريتانيا (حسب التصريحات الموريتانية الرسمية) والذي أوفى بوعده بإجراء إنتخابات
رئاسية حرة ونزيهة و تخلي العسكر عن الحكم للمدنيين المنتخبين بالإستقبال الحار الذي
أحتضن به الرئيس المصري أثر إجراء العملية التخريبية للدستور المصري، تعطي حقيقة واقع
الحكام العرب وبالتالي نتاج أعمالهم.
الثانية- إشارة رئيس المؤتمر العاهل السعودي إلى مسؤولية الحكام في التدهور المستمر في
الحال العربي عندما قال في كلمة الإفتتاح: (إن اللوم يقع علينا نحن قادة الأمة العربية
, وهذا (ما) جعل الأمة تفقد الأمل في مصداقيتنا والأمل في يومها وغدها).
لقد أفجعت قمة الرياض الأمتين العربية والإسلامية ثلاثة مرات:
الأولى- كان الأمل أن تستمر مسيرة النضج العربي التي بدأت في إنجاح مؤتمر مكة الخاص
بالوحدة الفلسطينية ولكنها توقفت عن العمل الجاد في رفع الحصار عن الشعب الفلسطيني
والحكومة الفلسطينية وتحولت القمة إلى بدايات خطرة لتعديل المبادرة العربية الذي يعني
المزيد من التنازلات و إلى إشارات عربية موجعة تلبي الإغراء الأمريكية والتضليل
الصهيوني . فلقد إنخدعت القمة بسراب السلام الصهيوني وما دفاعهم عن المبادرة العربية
إلا برهان على هذا الإنخداع . وتأمل شعوب الأمتين العربية و الإسلامية أن لا ينجر
الحكام إلى التفاوض المباشر مع العدو الصهيوني حول هذه المبادرة كما إنجرت القيادات
الفلسطينية إلى (أوسلو).
إن خارطة الطريق الأمريكية الصهيونية تلبي قدر أعظم من المطالب الظالمة للكيان الصهيوني
وتلغي قدر أكبر من الحقوق الفلسطينية ومع كل ذلك عمل الكيان الصهيوني جاهدا على إفشالها
و إستغلالها في التوسع العدواني والقتل والإضطهاد والتشريد. فهل يرد في فكر رشيد أن
يقبل الصهاينة بالمبادرة العربية التي يدافع عنها حكامنا هذا اليوم؟
الثانية- إن قمة الرياض ربطت بين المبادرة العربية وبين القرارات الشرعية الدولية
ومرجعية مدريد الرهينتين لمرجعية أوسلو والتي تدعو كلها إلى الإعتراف الكامل المسبق
وبدون شروط بالكيان الصهيوني وبمطالبه الجائرة . كما أن إن غموض المبادرة العربية و
كذلك قرارت قمة الرياض حول حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وعودة القدس إلى
السيادة الفلسطينية و حدود الدولة الفلسطينية يفتح الأبواب مشرعة لكافة أشكال
التنازلات للكيان الصهيوني و يؤكد إحتمالاتها.
الثالثة- تحول الموقف العربي من الدعم المفترض والمطلوب لحكومة الوحدة الفلسطينية إلى
دعم مساند للسياسة الأمريكية في فرض الإملاءات على هذه الحكومة خاصة فيما يتعلق
بالإعتراف بالكيان الصهيوني العدواني دون تحقيق أي مكسب للقضية أو للشعب الفلسطيني.
إن ما يزيد من عمق الفاجعة الثلاثية الأركان هو ثلاثية الغواية الصهيونية:
أولها إعلان الكيان الصهيوني أن المبادرة العربية تحوي عناصرا إيجابية تمهد للتسوية
ويأتي هذا الإعلان بعد خمس سنوات من الرفض الصهيوني والأمريكي و الأممي للمبادرة
العربية ويهدف هذا الإعلان لجر الحكام العرب إلى المزيد من التنازلات.
و ثانيها السعي الأمريكي الصهيوني الدبلوماسي والإعلامي المتصاعد من أجل تحويل و زحزحة
مركز الصراع في المنطقة من الساحة الفلسطينية إلى ساحة الخليج العربي. ويتشعب هذا السعي
الأمريكي الصهيوني لتقسيم الأمة إلى معتدلين ومتطرفين، ومتسامحين ومتشددين، وسنة وشيعة،
و عرب وفرس و تضخيم الخطر الإيراني على الأنظمة العربية. وقد أفصح سفير الكيان الصهيوني
لدى الأمم المتحدة المدعو ( داني غيلرمان ) عن هذه الغواية بقوله: أن الهدف من اجتماع
القمة العربية في الرياض هو الوقوف في وجه الخطر الإيراني وحل مشاكل العرب الداخلية وإن
الصراع مع (إسرائيل) أصبح ثانويا بالنسبة للعرب قياسا مع الصراعات العربية الداخلية.
وثالثها محاولة تحقيق الإحتضان العربي الرسمي لحركة المقاومة الإسلامية حماس تمهيدا
لتطويعها للسياسات الأمريكية والصهيوني من خلال ترغيبها بأحلام سرابية وآمال واهية.
ملخص الرؤية أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في فلسطين المحتلة قادرة على إستيعاب
نهاية حركة تحرير فلسطين (فتح) ومآل إنجرارها خلف الإغراءات والوعود . وهي أدرى بأخطار
دفء الحضن الرسمي العربي.
و يكفي (حماس ) أن نهجها القرآني يذكرها بقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي
الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (سورة يوسف
109) وبقوله عز وجل: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا
يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (سورة محمد 38)
ومن عبر تقدير الله عز وجل أن تفوز قائمة (المعلم الفلسطيني) التي تشكل الكتلة
الإسلامية، المحسوبة على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، العمود الفقري فيها، مع عدد
من المستقلين، بمعظم مقاعد الجمعية العمومية في أول انتخابات لنقابة المعلمين، وذلك في
محافظات قطاع غزة والضفة الغربية.
فقد أظهرت نتائج الانتخابات، التي جرت الخميس الموافق 29 – 3- 2007 أثناء إنعقاد مؤتمر
القمة في الرياض، فوز قائمة (المعلم الفلسطيني) بنسبة 75 في المائة، من نسبة المقترعين
في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث فازت في قطاع غزة بنسبة 90 في المائة وفي الضفة
الغربية بنسبة 65 في المائة. ليدلل هذا الفوز على من يجب أن تتكل حماس بعد الله سبحانه
وتعالى.