أحسنت دول مجلس التعاون الخليجي صنعا في اتخاذها الخطوة العملية الأولى نحو استخدام حقها بامتلاك الطاقة النووية وبإعلان رغبتها بالانضمام إلى 31 دولة في العالم تمتلك 435 مفاعلا نوويا.

      إن توصيات الاجتماع الأخير لممثلي المجلس ووكالة الطاقة الذرية حول إمكانية امتلاك التقنية النووية لاستخدامات سلمية ووفقا للاتفاقيات العالمية ستفتح آفاقا واسعة لتقليل الاعتماد على النفط في المنطقة كمصدر وحيد للدخل وتوفير بدائل آخرى للطاقة، فالطاقة الذرية يمكن أن تستخدم بتوليد الكهرباء وتحلية المياه والصناعة والزراعة والصحة وغير ذلك، فالولايات المتحدة – أكبر دولة منتجة للطاقة النووية – تستخدم هذه التقنية لتوليد 20% من الكهرباء، بينما أنتجت فرنسا 80% من الطاقة الكهربائية باستخدام هذه التقنية في عام 2006.

     فالسعي لامتلاك الطاقة النووية – ولو كان لأغراض سلمية – يعد تحركا استراتيجيا هاما سيتيح لدول المنطقة إثبات وجودها أمام العالم خصوصا في هذا الوقت الذي تتسابق فيه الدول للتسلح ولامتلاك القدرات النووية ابتداء بالكيان الصهيوني ومرورا بالهند وباكستان والصين واليابان وانتهاء بإيران، وسيضمن عدم تخلف دول مجلس التعاون عن دول عربية أخرى أبدت نيتها بالحصول على الطاقة النووية مثل الأردن التي ستبدأ بتشغيل مفاعلاتها لإنتاج الطاقة في عام 2015، ومصر التي أعلنت عزمها على معاودة العمل بمشروعها النووي الذي وقفت العمل به منذ عقدين.

     لم تفكر الدول الخليجية بامتلاك الطاقة الذرية قبل عام 2006 إلا عندما قررت إنشاء برنامج للدراسات النووية، والخطوة الأخيرة التي خطتها مؤخرا تدل على تغير إيجابي في سياستها وردود أفعالها حيال الأجواء السياسية والصناعية والأمنية في المنطقة.        

     لا يمكن أن نخفي قلقنا من قلة الإمكانيات والكوادر المدربة في دول الخليج والتي سيتطلبها إنشاء وتشغيل وإدارة معامل نووية بطريقة آمنة تحمي سكان المنطقة ودول الجوار والبيئة من أخطار التقنية الجديدة ومن أي تلوث إشعاعي يمكن أن ينتج عنها جراء أي إهمال أو خلل.         

     ولكن الخطوة التي اتخذتها هذه الدول بإعلانها عزمها على امتلاك هذه الطاقة وتعاملها مع المجتمع الدولي بوضوح وشفافية، والاتفاق على إجراء دراسة حول جدوى الاستخدامات النووية بالتعاون مع خبراء ومتخصصين ومع هيئات ومنظمات عالمية وأوروبية ذات خبرة، والتباحث في الموضوع على مستوى رفيع في القمة الخليجية الماضية في الرياض، جميعها مؤشرات تبشّر بالخير وتدل على الجدية ووجود رؤية واضحة وحسن تخطيط للمستقبل.        

     ورغم أن تنفيذ المشروع النووي الخليجي سيستغرق حوالي 15 سنة إلا أن دول الخليج مطالبة بعدم التباطؤ بإنشاء المؤسسات التعليمية المختصة بالتقنية النووية والقيام بخطوة استباقية لتجهيز وتدريب الكوادر الوطنية التي ستقلل من الاعتماد على العمالة الوافدة مستقبلا، لضمان عدم تكرار ما نعانيه في الوقت الحاضر من قلة الاهتمام بالتعليم في مجال النفط ومشتقاته مقارنة مع الاعتماد شبه الكامل على البترول، كما نطالب دول المنطقة بإنشاء هيئات رقابية وطنية أو خليجية مستقلة لمتابعة استخدام هذه الطاقة وتطبيق المعايير التي تكفل السلامة لسكان المنطقة.

     الطاقة الذرية كثيرة الفوائد لمن يستخدمها بحكمة وتعقل، وتساهم بتقليل الاعتماد على وحدات إنتاج الكهرباء التي تعمل بالفحم الحجري أو الوقود أو الغاز الطبيعي والتي تنبعث منها الغازات الضارة فتؤدي إلى الاحتباس الحراري، ولذلك قال جيمس لوفلوك أحد قيادي التوجه البيئي الإنجليز: "إن أكبر أخطاء حماة البيئة، أنهم لم يناصروا الطاقة النووية".

 

 

______________________________________________________

تم نشر هذا المقال بالعدد 70 من صحيفة الحركة الصادر في 28/5/2007

http://www.al-haraka.com/node/6432

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية