يفترض أن تمثل الأنظمة المختلفة شعوبها، فالنظام قبل كل شيء خادم للشعب وقائم على راحته، والشعب يمثل الهدف الذي وجدت الأنظمة لحمايته ورعايته وسعادته. ولكن للأسف فإن الأنظمة العربية، تزداد يومًا بعد يوم ابتعادًا عن الشعوب، حتى ليصدق فينا وفيها قول الشاعر العربي:
سارت مشرقة وسرت مغربا ،،، شتان بين مشرقٍ ومغربِ!
وكانت المشاركة في مؤتمر "أنابوليس" الاستسلامي، هي أحدث خطوات الانفصال والابتعاد بين الشعوب والأنظمة في المنطقة العربية، فبينما انحازت الشعوب لخط المقاومة انقادت أنظمة لمسيرة الاستسلام، وبينما طالبت الشعوب بالاستمرار بسياسة المقاطعة سارت أنظمة في درب التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب. وقد كان مهرجان طلبة الكويت الحاشد، في ساحة الإرادة يوم المؤتمر، مظهرًا من مظاهر الاختلاف بل الخلاف، بين استسلام الأنظمة وصمود الشعوب، رغم أنها – أي الشعوب - من يدفع الضريبة في كل الأحوال، فهي التي تقدم دماءها في الحروب، وتسلب مقدراتها في حال الاستسلام.
والانفصال بين الشعوب العربية وأنظمتها الحاكمة مؤلم حقيقة، فهو يزيد من الضعف العربي، لأن المذهب الاستعماري يقوم على قاعدة (فرق تسد)، وهو ما حذرنا منه الخالق سبحانه وتعالى في قوله: {ولا تنازعوا، فتفشلوا، وتذهب ريحكم}. ويزيدنا ألمًا حصول الاستسلام، بشكل فاضح ومهين، خلافًا للهدي النبوي الكريم في أنه (إذا بليتم فاستتروا)، وبدون أي محاولة ولو مكشوفة لتلطيف الأمر أو ترقيع الفتق الذي يبدو أنه قد اتسع على الراقع، ولا حول ولا قوة إلا بالله. نرقع دنيانا بتمزيق ديننا.
فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع! إن الشعوب العربية قد أستوعبت دروسها منذ زمن، فأدركت أن ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة، وأن الكيان الصهيوني خطر على الإنسانية جمعاء، وأن العمليات الفدائية تحرز أضعاف ما تحرزه المفاوضات الدبلوماسية، وأن العملاء والأعداء سواءٌ في الضرر، وأن أمريكا حليف للصهاينة منذ نشأة النكبة في 1948م.
ولكن بقي أن تعي بعض الأنظمة العربية مثل هذه الدروس، لأن للطالب الراسب محاولات إعادة محدودة، وأظنها قد شارفت على استنفاذ رصيدها منها! ولا يفوتنا بهذا المقام الإشادة بثبات موقف الكويت الرسمي ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني، ونطالب المسؤولين بالمزيد من الخطوات في دعم الرباط والمقاومة، والله أكبر ولله الحمد.