كنت ولفترة طويلة أنطق اختصار الحركة الدستورية الإسلامية "حَدْس" بتسكين الدال بدلا من فتحها، وكنت أظنه الأصوب، بل وكنت ألح على من حولي ممن يصرون على نطقه "حَدَس" بفتح الدال بضرورة تسكين الدال وكانت حجتي في ذلك أن "حدْس" بتسكين الدال أجمل جَرْسا، وأوفر معنى.
وفي يوم من أيام انتخابات عام 2006 حدث أن سمعت "حدس" تُنطق بدال مفتوحة في إعلانات الحركة التلفزيونية، وتكدرت كثيرا إذ صارت مهمتي اللغوية أصعب، وصار من كنت أصحح لهم يصححون لي ويفندون وجهة نظري والإعلان الرسمي التلفزيوني في صفهم. فما كان أمامي إلاّ صف أدلتي اللغوية في انتظار حكم قريب بنصرة السكون على الفتح.
الحدْس هو "سرعة الانتقال في الفهم والاستنتاج" وفقا لقاموس المنجد، والكلمة لا تعني فقط التوهم والظن كما يظن البعض بل أن للحدْس معان أخرى جميلة مثل "السرعة والمُضِيُّ على استقامة، ويوصف به فيقال: سَيْرٌ حَدْسٌ" كما ورد في لسان العرب. وورد في العباب الزاخر " أصْل الحَدْسِ في اللغة: القصد بأيِّ شيء كان؛ ظناً أو رَمُياً أو ضَرْباً، يقال حَدَسْتُ به الأرض: أي ضَرَبْتُ به الأرض". أما حَدَس بفتح الدال فهي فعل ماض ولا أرى أن له ووَقْعا يناسب أن يكون اسما لحركة، والمصدر من الأفعال هو الأقوى تأثيرا لصياغة أسماء الجهات والحركات.
وفي الحقيقة مسألة بناء الاختصارات من أوائل الحروف أو ما يسمى بالأوائليات acronyms أمر حديث نسبيا في اللغة العربية ومأخوذ عن اللغات الأجنبية وليس له قواعد ثابتة وملزمة حتى الآن، ولذلك تقدم الجماليات على غيرها عند صياغة الكلمة خاصة إذا كانت اسما متداولا في الإعلام، ولنا في "فتح" مثال، إذا أن الأوائلية الفعلية لـ"حركة التحرير الفلسطينية" هو "حتف" لكن عُكست الأحرف مراعاةً لجمال المعنى، وشتان ما بين الحتف والفتح.
وفي صياغة أوائلية حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أُخذ آخر حرفين من الكلمة الأخيرة بدلا من الحرف الأول فقط، كما حُولت الهمزة إلى ألف ممدودة. وفي "حدس" أُخذ ثاني حرف من الكلمة الأخيرة بعد إزالة أل التعريف بدلا من أول حرف. لذا، وبما أن التجاوزات مسموحة في سبيل جمال الجرس الموسيقي للاسم في ظل غياب قواعد لغوية ملزمة، فلا أظن أن تحويل فتحة الدال إلى سكون أمر عسير. وأظن أن الإخوة والأخوات في "حدْس" عندهم من الحصافة والحدْس ما هو كفيل بتوحيد نطق الكلمة على الوجه الأفضل والأجمل.