تصريحات الدكتور عباسي مدني زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى الآن لا تزال في ذات السياق الذي تحبذه السلطة الفعلية.ولو أن أحاديثه الصحفية جلها منصبة فقط على تفعيل المصالحة الوطنية من دون فتح المجال للنبش في الماضي على رغم إلحاح الصحفيين الذين يطالبونه دائما بالرجوع إلى الماضي . وهذا يعد محببا لدى أطياف صناع القرار داخل أروقة الحكم في الجزائر.. .. ما دامت المصالحة الوطنية نفسها مطاطة ولا أحد تمكن من صياغة مفهومها بشكل واف.إن المصالحة الوطنية على أكثرية المرددين لها لم ترق إلى مستوى الشرح والتعريف الدقيق .. فالأغلبية الغالبة لا تزال لم تعرف حقيقة كنه المصالحة الوطنية.. والجنرال تواتي مستشار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يجهل ما تعنيه المصالحة الوطنية .. ولهذا كانت إجابته التساؤلية للصحافيين أنه يشدد على مطالبته بوتفليقة بتحديد مفهوم دقيق للمصالحة الوطنية.وحتى المتتبعون السياسيون أنفسهم لم يفهموا ما كان يقصده عبد العزيز بوتفليقة عندما أفصح في باتنة أنه يريد أن يرقى بالوئام المدني إلى الوئام الوطني.. وهل كان يعني المصالحة الوطنية الشاملة التي تحق الحق وتبطل الباطل.. ومن هم هؤلاء الذين في صفهم الحق.. وما هو الحق بالذات؟
ولو أن هناك ازدواجية في الخطاب الإسلامي في الجزائر داخل نفس التيار ومدى المفهومية خصوصا في جانب المصاهرة السياسية للسلطة الفعلية وفي كل خياراتها .. بيد أن لا ازدواجية البتة عندما يتعلق الأمر بالمصالحة الوطنية الشاملة.. وما تعنيه من مفردات معنى واصطلاحا.فالتيار الإسلامي الممثل في البوتقة الحزبية يعرف أن المصالحة الوطنية الشاملة تعني فتح المجال السياسي بكل شفافية و السماح للديمقراطية وحدها تحدد البرامج .فلا أحد وصي على الديمقراطية ولا أحد ديمقراطي فوق العادة أكثر من الآخر ..والجميع أبناء الوطن الواحد ولهذا فالجميع سواسية أمام القانون ولا شرعية سوى شرعية الصندوق الشفاف الذي يمنحها الشعب السيد.ولو تمعنا في الخارطة السياسية نجد أن أكبر متضرر من العملية الديمقراطية هو التيار الإسلامي الذي ربما وجد نفسه كبيرا من دون أن يريد.. ومهما كان ذلك فالتيار الإسلامي بما يحمله من أفكار وتوجهات عقدية إسلامية استطاع أن يلقى الحضوة من الشعب الجزائري على علمه المسبق أن هذا التيار لا يزال غضا غريرا في مجال تسيير دواليب الدولة لكن مصمم على أن أخطاء الإسلاميين مهما كبرت لن تصل إلى مستوى الخطيئة على ما عليه أخطاء النظام الحاكم.والحديث عن المصالحة الوطنية ولو بضبابية الرؤية حولها..وغياب مفهوم مدقق فلها مكانة كبيرة عند التيار الإسلامي الذي يعرف نفسية الشعب الجزائري أنه لو ترك له الأمر وكانت الديمقراطية الحقة فسوف لن يتأخر في إعلان الولاء.. وقد يكون عبد العزيز بوتفليقة قد فهم التركيبة النفسية لهذا الشعب عندما غازل الجبهة الإسلامية للإنقاذ بداية عهدته الرئاسية في 1999 بحيث أظهر امتعاضه من الإنقلاب على الشرعية الشعبية.. كما عبر على أنه غير راض على المسلكية السياسية التي قامت بها السلطة الفعلية من إلغاء للمسار الديمقراطي والدفع بالبلاد نحو أتون حرب أهلية جاءت على الأخضر واليابس.وكما يعيب عليه الإسلاميون على أنه ارتمى في حضن الإستئصاليين بتبنيه قرارات ابن زاغو في ما تعلق بالإصلاح التربوي .. وإسناده ورشات إصلاح الدولة لشلة من العلمانيين .. يعيب عليه العلمانيون دعاة الحل الأمني أنه انحاز إلى الإسلاميين بتبنيه مصطلح المصالحة الوطنية التي يراها الإستئصاليون مهما كانت أنها لا تخدمهم بل تخدم فقط التيار الإسلامي .. وحجتهم أن إنقلاب 1992 وضع حاجزا أمام امتداد هذا التيار فلماذا يريد عبد العزيز بوتفليقة أن يعود هذا التيار.. وذكر المصالحة الوطنية يجب بداهة أن يكون مقرونا بالتيار الإسلامي.إن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة اليوم مطالب بتفعيل المصالحة كما هي ولو اختلف الشراح حولها .. لأن المصالحة الوطنية هي مبتغى التيار الإسلامي المالك لأكثر من 60 بالمائة من الشارع الجزائري .. ولو أراد عبد العزيز بوتفليقة أن يكسب الشارع ليسنده في الاستحقاقات القادمة فليراهن على التيار الإسلامي .. فوحده القادر على تجنيد الشارع .. وما قصة علي بن حاج داخل صالون الدولي عنا ببعيد.. والفاهم يفهم.