عبد الكريم الخطيب رجل أمة، الطبيب الجراح رئيس مجلس النواب ورئيس جيش التحرير المغربي، المقاوم الشجاع ابن العطاء والنبل، رحل عن دنيانا ليلة القدر وقد قالها قبل وفاته بدقائق :أسأل الله أن يقبضني إليه اليوم، وكانت له الاستجابة!
سبعة وثمانون عاما من الجهاد أثقلت سنين عمره ولكنه لم يتوان عن حمل قضايا أمته بصبر وعزيمة ...الرجل لمن لا يعرفه لا يختصر بلقاء، وحياته تحتاج لتأريخ، هو ابن المواقف والشدائد عظيم في حياته ووفاته رحمه الله وأسكنه الفردوس.
هكذا كنت أقول لنفسي وهي تغالبني لزيارته..أنا مشفق عليه من كثرة زواره فلن أكون ممن يثقلوا عليه في ذلك...مع أني في شوق دائم له...كنت أنظر في عينيه أستشف منها ماضياً وحاضراً ومستقبلاً...
آه عمّاه...لم يبق لي معك اليوم عيد..يا وجداني ودمعتي..وخفقة من قلبي...
ياوحشة أيامي بعدك..خمسة وثلاثون عاما هي رحلتي مع هذا القلب الطيب وهذه الابتسامة العذبة..وهذه الروح العالية...تجاوزت همتك هامتك فتعب هذا القلب وتغير خفقه فهل يفيده جهاز ينظمه أو حبة دواء تعدله??لقد غلب إيمانك فكان دواء لخفقك ونوراً في قسماتك يشع سكينة ورضى..
ماذا أقول وماذا أترك..?وكيف لي أن أحدث عنك..?وكل من عرفك له معك ذكرى خير وعز وسؤدد ..وأنت سفر غزير من العطاء...
يابن الأكرمين..حدثني والدي رحمه الله عمر بهاء الدين الأميري مرة أن عمكم الدكتور الخطيب رجل تفرّد في صفاته فكان أهزوجة إنسان..للرجولة وللمكارم ينتسب..مشى في دروب العطاء فمنحته شرف الريادة ولأمته كان النصيب الأكبر..بتواضع كبير كان جنديها الذي يهب لنصرتها ابن الحق الذي لا يساوم على قضاياها ..فشعّ اسمه في أرجاء بلاد الإسلام وكان له في كل دولة موقف خير وجهاد ومنبر...
عمّاه بل أبتاه..أناديك اليوم أيها الراحل العزيز..فلا أجد لندائي إلا رجع صدى حزين..هذا بيتك أزوره اليوم وكلي شوق أن أسمع صوتك يرنّ في أرجائه أو ألمح خيالك وأنت تقبل على زوارك..
يا ضوء المكان وشعلته ..يا بسمته وضحكته ..يا أنسه وجليسه..أين أنت اليوم..?
حزين أنا اليوم لبعدك..الغياب يدمع القلب والفراق لظى يحرق الوقت..
وعزيمتي تناديك يا رجل العزائم والمكارم..اذهب لرحمة ربك فرحمته خير مما يجمعون..أقبل عليه بجهادك، لقد أحببت دينه ورسوله..فلك الجنة والفردوس الأعلى مع النبيين والشهداء والصالحين...دعائي لربّ العزة أن يهبك هذا المقام..إنه نعم المولى ونعم المجيب..
وكأني أو يخال لي أني أسمع من خلال الغيم النجم يردد بعدك:
قد كنتَ لي جبلا ألوذ بظله ... فتركتني أضحى بأجرد ضاحي
قد كنت ذات حمّية ما عشت لي ... أمشي البِرَاز وكنتَ أنتَ جناحي
فاليوم أخضع للذليل وأتقي ... منه وأدفع ظالمي بالراح
وإذا دعت قمرية شجنا لها ... يوماً على فنن دعوت صباحي
وأغضّ من بصري وأعلم أنه ... قد بان حدّ فوارسي ورماحي
اللهم أكرم وفادته عليك، ووسع مدخله، وآنس وحشته، وارزق المغرب وأهله بعده الصبر والسلوان....
قد لامني عند القبور على البكا ... رفيقي لتغراف الدموع السوافك
فقلت إن الشجى يبعث الشجى ... فدعني فهذا كله قبر مالك