مرت أكثر من سبع سنوات على هجمات 11 سبتمبر، لم يعد العالم فيها كما كان ... تغيرت العديد من المفاهيم والتوازنات وتبدلت مصالح ونشأت علاقات جديدة، ومن بين الأمور التي تغيرت أوضاع المسلمين في الغرب، التي يكشف إلقاء الضوء عليها ليس فقط العديد من الأسباب الكامنة وراء احتمالات الصدام ولكنه ينبه أيضًا إلى أن السياسات التي تتبناها الحكومات الغربية لمكافحة التطرف قد تكون هي السبب الرئيسي لتفاقمه في كثيرٍ من الأحيان.

الحرب على الإرهاب

أصبح واضحًا للعيان أن التسامح الذي تميزت به العديد من الدول الغربية إزاء من يقيمون على أرضها وإزاء احترام حقوق الإنسان قد تعرض لهزة كبيرة يصعب تجاهلها بعد هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة وكذلك اعتداءات مدريد في 11 مارس 2004 والاعتداءات التي استهدفت العاصمة البريطانية في السابع من يوليو عام 2005.

ففي اللحظة التي تم فيها تدمير مركز التجارة العالمي في الحادي عشر من سبتمبر، أعلن الأوروبيون تضامنهم مع واشنطن في محنتها، وكان ذلك بمثابة إعلان من الأوروبيين بانضمامهم إلى الحرب على الإرهاب وبداية لاتخاذهم حزمة من إجراءات مكافحة الإرهاب.وعلى الرغم من التأكيدات المتكررة بأن الإجراءات الجديدة وقوانين مكافحة الإرهاب التي تم سنها أو تعديلها لن تقيد من الحريات الفردية ولن تؤدي إلى تشكل "دول بوليسية"، وأن "هاجس الموازنة بين احترام الحريات وحماية أمن المواطنين الأبرياء" كان حاضرًا على الدوام في شتى المناقشات حول الإجراءات الجديدة لمكافحة الإرهاب، على الرغم من كل ذلك فإن المتأمل فيما حدث سيلاحظ مدى التراجع الخطير في الحريات التي طالما افتخرت بها الدول الغربية وحلمت بها الشعوب المضطهدة. إن المدقق فيما حدث بعد 11 سبتمبر يدرك أن التفجيرات التي تحدث في بقاع مختلفة من العالم، وما يحدث منها في أوروبا وأمريكا تحديدًا يزيد من الاحتقان والحواجز بين العالم الإسلامي والغرب، وقد تجلى ذلك عقب التفجيرات التي تعرضت لها لندن، فبعد تلك التفجيرات سجلت وثائق الشرطة البريطانية خلال الأسابيع الثلاثة التالية للتفجيرات أكثر من 1200 حادثة اعتداء ضد المسلمين، تتراوح ما بين السب بالألفاظ، والاعتداء بالضرب والشتائم ووضع ملصقات على بيوت أسر مسلمة تهددهم بالقتل، وحالة قتل واحدة، كما أُلقيت قنبلة بنزين على مسجد واستُهدفت أفراد ومبان أخرى.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد بدأت حكومات الدول الغربية في اتخاذ تدابير أمنية تمثل تضييقًا على المسلمين، حيث وافق وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي على حزمة من الإجراءات الأمنية تهدف في الأساس لتضييق الخناق على المشتبه في علاقتهم بالتفجيرات.

ولكن كان واضحًا أن تلك الإجراءات ستتجاوز ذلك لتنال من مسلمين أبرياء.وشهدت بريطانيا بالفعل حزمة هائلة من الإجراءات الصارمة، أكد البعض أنها ضرورية لحماية الأمن القومي, واعتبرها آخرون تنتهك أبسط حقوق الإنسان، وشملت تلك الإجراءات ترحيل أي أجنبي فور معرفة أن له صلة بمراكز أو مواقع إنترنت أو متاجر كتب أو منظمات إرهابية، وتجريم تبرير أو تمجيد الإرهاب في أي مكان، وأخيرًا تعديل قوانين حقوق الإنسان إذا دعت الحاجة؛ لإزالة العوائق القانونية أمام تنفيذ الإجراءات الجديدة.أما في الولايات المتحدة، فقد خول الرئيس الأمريكي جورج بوش وكالة الأمن القومي إجراء مراقبة الكترونية من دون أذن قضائي لـ "مئات المواطنين الأمريكيين والمقيمين المشتبه بأن لهم صلة مع شخصيات في تنظيم القاعدة".

وتطورت الأمور على نحو لم يتوقعه أحد، فكشفت صحيفة نيويورك تايمز أن وكالة الأمن القومي قامت بموجب أمر وقعه الرئيس الأمريكي عام 2002 بمراقبة الخطوط الهاتفية والالكترونية الدولية لـ "مئات وربما آلاف الأشخاص في الولايات المتحدة من دون الحصول على إذن قضائي". ولم يقتصر الأمر على الداخل الأمريكي الذي زادت فيه إجراءات مكافحة الإرهاب على نحو لم يكن باستطاعة أحد تصوره، ولكن يظل معتقل جوانتانامو ورحلات التعذيب السرية شاهدًا آخر على مافعله هاجس مكافحة الإرهاب بحقوق الإنسان.

وهكذا باتت قوانين مكافحة الإرهاب التي ظهرت بشكل ملفت بعد تفجيرات الحادى عشر من سبتمبر والتفجيرات التي تعرضت لها عدة دول أوروبية ظاهرة دولية، وأصبحت العديد من الدول تسن قوانين لمكافحة الإرهاب على الرغم مما تخلقه تلك القوانين من جدل لا ينتهي، فالمعارضون لتلك القوانين يعتبرونها انقلاب دستوري على أبسط الحقوق والحريات يعيدنا إلى عصور مقيتة، والمؤيدون اعتبروها ضرورية لحفظ أمن المواطن في ظل انتشار إرهاب عابر للقارات لا يهدد الحكومات والأنظمة فقط، ولكن يدمر كل ما يقابله من أخضر ويابس.

جذور التطرف

خلال الشهور الأخيرة لرئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير في منصبه، أدلى بلير بتصريحات لافتة أكد فيها أن "القضية الفلسطينية، هي القضية التي إذا لم تُحل فإنها ستسمح للمتطرفين بتحقيق تقدم على العناصر المعتدلة في العالمين الإسلامي والعربي".

ويبدو أن بلير الذي شهدت بلاده تفجيرات مدوية عام 2005 أدرك أن للإرهاب أسبابًا وجذورًا تتعلق ببنية المجتمعات ومستوى معيشتها ومدى الظلم والغبن الواقع عليها، وأن القضاء على التطرف يقتضي أولاً تحقيق العدل والمساواة داخل كل دولة على حدة وعلى مستوى المجتمع الدولي ككل.ومن المحتمل أيضًا أن بلير الذي شارك حليفه الرئيس الأمريكي جورج بوش في غزو العراق، أدرك في نهاية المطاف أن التطرف لا يرتبط بعقيدة دينية لكنه يرتبط بحالة القهر والظلم التي يعيشها الكثيرون نتيجة السياسات الدولية التي لا تعرف إلا لغة المصالح، ونتيجة للممارسات العنصرية ضد العرب والمسلمين حتى لو كان بعضهم يحمل جنسية غربية ويعيش في الغرب أو حتى ولد في أرضٍ غربية.

ومع أن هذا الإدراك حتى لو جاء متأخرًا يستحق منا التثمين، إلا أنه لو اقتصر على الأقوال دون الأفعال ولو اقتصر على التصريحات دون سياسات تترجم ذلك على أرض الواقع، فإن خطر الصدام سيظل قائمًا.

المبادرات الذاتية

من الصعب إنكار ما تواجهه الإنسانية من تهديد في ظل خطر الإرهاب، وفي الوقت ذاته فإنه لا يمكن إنكار أن الإحباط والاستعلاء والظلم وسلب الحقوق، كلها عوامل تؤدي بصاحبها إلى العنف خاصًة إذا فقد الأمل في أن تعود إليه حقوقه بالطرق السلمية.ومن الملاحظ أن العديد من القيادات الإسلامية في الغرب أخذت المبادرة بعد 11 سبتمبر، فضاعفت المجالس الإسلامية في البلدان الغربية من حملاتها المنددة بالإرهاب والمبينة لصورة الإسلام الصحيحة بمبادئه السمحة وتعليماته السامية القائمة على التسامح، إلا أنه يجب على جميع المسؤولين الغربيين والمشاركين في صنع القرار أن يدركوا أيضًا أن عليهم هم الآخرين عبء كبير، وأن الأمر لا يتعلق بمحاربة الإرهاب أو التطرف فقط، ولكنه بات يتعلق بمستقبل ملايين المسلمين في البلدان الغربية وبالتالي بمستقبل البلدان التي يعيشون في جنباتها، ومن هنا فإنه ينبغي علينا ونحن نناقش تلك القضية أن نؤكد على ما يلي:

1 ـ ضرورة تخلي الدول الغربية بصفة عامة عن حالة التوجس التي تنتابها إزاء المسلمين، وعلى الغرب أن يراجع سياساته تجاه الإسلام كدين، لأن لذلك أثره في إيجاد حالة من التوتر في أوساط الجالية الإسلامية، إذ تؤكد الاستطلاعات بالفعل أن ما يقرب من ثلثي المسلمين يعتبرون أن السلوك العنصري والخوف المرضي غير المبرر من المسلمين من جانب البريطانيين هو أحد أسباب الهجمات التي استهدفت لندن، بينما أرجع 57% من المسلمين الهجمات إلى إخفاق العلماء المسلمين في اقتلاع جذور التطرف من المجتمع.

ولا يقتصر "الخوف المرضي غير المبرر من المسلمين" على الحكومات إذ أن بعض وسائل الإعلام هي الأخرى باتت تناهض الوجود الإسلامي في الغرب، فبعد هجمات 11 سبتمبر 2001 تم تبني نبرة إعلامية حادة ضد المسلمين، ثم علت هذه النبرة وازدادت حدة مع توالي الهجمات وخصوصًا مع حدوث تفجيرات مدريد ولندن، واتهام المسلمين بتدبيرها، وترتب على هذه النبرة تنامي المشاعر المعادية للإسلام والمسلمين لدى العديد من الشعوب الغربية، وصار يُنظر للمساجد على أنها أوكار للإرهاب، وتشكل خطرًا على الأمن، مع أن كافة الخبراء والمحللين يدركون أن التطرف ليس حكرًا على دين بعينه، بل ظهر بين أبناء كل الديانات، ويمكن أن ينمو في أي مجتمع بغض النظر عن الدين أو الجنسية، فالأوربيين أنفسهم الذين يدافعون عن حقوق الحيوان يمارسون إرهاب نبش المقابر، وحرق المنازل ونسف معامل التجارب الطبية، ووصل الأمر بهؤلاء في هولندا على سبيل المثال إلى ارتكاب جرائم قتل.

2 ـ ضرورة وضع تعريف محدد للإرهاب، وعدم ربط "الحرب على الإرهاب" بالإسلام أو حتى بالحركات الإسلامية دون تفرقة بين من يتبني العنف ومن ينبذه من بين تلك الحركات، وأخيرًا إقناع الجميع وعلى رأسهم الإرهابيين بأن العنف يضر ويشوه الكثير من القضايا التي يرون أن استخدام العنف كفيل بحلها.

3ـ ضرورة فك الالتباس الحادث بين الغرب والمسلمين فيما يتعلق بالهوية والخصوصية الثقافية ومدى علاقاتهما بالانتماء والولاء للمجتمع الجديد، إذ ترى بعض الدول الغربية أن التعليم الإسلامي والزى يمكن أن يتسبب في أزمات سياسية، وقد يدفع المسلمين لعدم التوافق مع إيقاع الحياة الغربية؛ ناهيك عن دفعهن للتطرف والإرهاب، وفي المقابل فإن قضية الحفاظ على الهوية الإسلامية أحد أهم الأشياء التي يسعى المسلمون في الغرب لعدم طمسها، فقد اشتدت الرغبة في التعليم الإسلامي، وارتداء الحجاب، وارتياد المراكز والمساجد الإسلامية، وأظهر استطلاع للرأي عام 2005 أن مسلمي ألمانيا يزدادون تمسكًا بدينهم مقارنة بالأعوام السابقة؛ الأمر الذي عزاه أحد المسؤولين المسلمين إلى شعورهم بالتمييز ضدهم، وبأن دينهم هو ملاذهم الوحيد في مواجهة الهجمات الإعلامية التي تحاول نزع هويتهم الإسلامية.

وربما ذلك هو ما دفع المفكر الفرنسي "ايف لو كوك" للتأكيد على أن تراكم الإحساس بالتهميش والاحتقار وعدم احترام خصوصية المسلمين هو الذي تسبب في أحداث الشغب التي وقعت في عدة مدن فرنسية في الأعوام الأخيرة, مشددًا على "ضرورة تجاوز الغرب الآن وأكثر من أي وقت مضى لعقدة الإسلام والمسلمين وإظهار احترام أكبر لمعتنقي هذا الدين في أوروبا لضمان التعايش السلمي بين الجميع"، وقائلا "إنه لم يعد مقبولاً أن يتم وطء كرامة الآخرين وعدم احترام ديانتهم وخصوصًا الديانة الإسلامية التي أضحت هدفًا لهجوم من الغرب بلا هوادة".

4ـ تدشين حوار إستراتيجي بين البلدان المعنية بمكافحة الإرهاب يقوم على مبدأ التخلي عن البعد العسكري والتركيز على إقامة علاقات قوية مع المؤسسات والجماعات الإسلامية المعتدلة لعزل التنظيمات المتطرفة.

5ـ التوازن في الإجراءات الجديدة لمكافحة الإرهاب بين حفظ الأمن ومراعاة حقوق الإنسان حتى لا تؤدي تلك الإجراءات إلى حدوث نتائج عكسية قد تؤدي إلى الصدام وتتسبب في "تنفير المسلمين" وزيادة "وتيرة التشدد"، كما أن تلك الإجراءات بمثابة تهديد للديمقراطية ذاتها، وقد تحفظت الكثير من الشخصيات والمنظمات الإسلامية بالفعل بل ونددت بإجراءات تم اتخاذها، معتبرة أن ذلك بمثابة مقدمة لإسكات كافة الأصوات الإسلامية في الغرب، وليس فقط الأصوات المتطرفة.وينبغي على كافة الدول الغربية أن تقيم وتدعم قنوات الحوار بين الطرفين، خصوصًا في ظل ما بات يؤكده العديد من المحللين السياسيين من أنه "إذا كان المسلمون"يزدادون تشددًا، فإن ذلك لا يرجع إلى الخطب الملتهبة التي يسمعونها ولكن بسبب ما يرونه في وسائل الإعلام من مآسٍ تحدث للكثير من بلدان العالم الإسلامي".

وأخيرًا، فإن هناك ضرورة لأن يقبل الإعلام الغربي وجود مواطنين مسلمين يعيشون بأوروبا قبل أن يطالبهم بالتعايش في مجتمع ديمقراطي والاندماج فيه، وعلى الجميع أن يدركوا أن المسلمين جزءً من المجتمع له إيجابياته التي يجب إبرازها، وله سلبياته التي يمكن تناولها بموضوعية ومعالجتها، خصوصًا أن كل البلدان الغربية صار لديها مسلمين يتفهمون أنهم مسلمون يحملون الجنسيات الغربية في الوقت ذاته، ويدينون بالولاء لدينهم ولوطنهم الجديد في نفس الوقت.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية