يقال في الأدبيات المتعارف عليها إن التجربة خير برهان، غير إن منطق العقلاء دائما هو المنطق الأسبق والأعمق والأبعد نظرا ً وفقها، وهذا لايعني أبدا إنهم لايسترشدون بالتجارب ولا يستفيدون منها، ولكن حتى التعامل مع التجارب خاضع لذات المنطق الذي لايُسُطح  التجربة ويبحث في مقدماتها وأسبابها ونتائجها وتداعياتها الآنية والمستقبلية.  

ومع تطور مفهوم الدولة المعاصرة بفعل التغيير في الأوضاع والظروف العالمية وعلى كافة الصعد وتشابك العلاقات الدولية والمصالح المشتركة التي تتحكم  بها الكثير من العوامل المتداخلة والمعقدة، والطفرة العظيمة في مجال التكنولوجيا والتصنيع والمخترعات وتعدد وتنوع وسائل الاتصال  والبث ونقل المعلومات، وشيوع مفاهيم  العولمة وحرية التعبير وحقوق الإنسان والديمقراطية وغيرها من المفاهيم التي غزت الساحة اليوم.

 

كل تلك العوامل وغيرها أسهمت وبشكل كبير في خلق مناخات جديدة لم يعد للخصوصية فيها مكان إلا في حدود معينة وهذه الخصوصية المخترقة تبدأ بالفرد وتنتهي بالدولة نفسها.

 

لم يعد العالم مكانا حرا للفكر الشمولي ودكتاتورية الفرد ولم تعد القناعات الفردية نفسها ذات قيمة ما لم تلتزم معايير معينة تتسق مع التوجه العام وهي في مأمن طالما بقيت حبيسة الصدور أو الأزقة الضيقة؟

 

الدين  نفسه على ما له من قيمة في حياتنا فرضت عليه  شيء من القيود  بعضها فيها شكل من أشكال التجني الذي يسببه الجهل به والتمرد عليه أو التنكر لدوره ووظيفته العظيمة في الحياة وحتى استجابة لرغبة طرف خارجي ضاغط وبعض القيود كان بعض الأتباع سببا في ترسيخها وتعميقها في العقول والقلوب من خلال ممارسات طائشة هوجاء وأعمال لاتمت له بصلة تستند إلى منطق شمولي واهٍ وفكر منحرف أعوج وعقلية  صلفة هي أقرب إلى روح البداوة وأخلاق الغابات منها إلى سلوك ادني الناس التزاما بالدين.

 

وهذه القيود ومع الأسف استنفرت لها إمكانات الدول وأصبحت قضية عالمية ومثار حديث القاصي والداني في عالمنا المعاصر الذي  تنقل فيه الأخبار والأحداث أسرع من الصوت

والمؤسف حقا إن النص المقدس  هو الوسيلة في الكثير من الأحيان فهو يلوى لياً ويعصرُ عصرا ً كي يكون لذاك  المنحرف مبررا لاختزال الحياة كلها في  عقله المريض ومن هذا العقل المهترء تكون بناة الافكارالسيئة القبيحة المدمرة التي لاتعرف حرمة لوطن أو لإنسان أعطاه الله تعالى حق الحياة وهو وحده من يسلبها منه بمشيئته.

 

أما تجار الموت ومصاصو الدماء وعشا ق الدم فهم  يستلذون بعملهم ويتشرفون به ويتفاخرون ويتنافسون عليه، وشر البلية مايضحك ؟ إنهم  حفنة من شياطين الإنس الذين يتعلم منهم إبليس  نفسه! لاعنوان لهم و لاطعم ولا ينتمون إلى طائفة بعينها ولكنهم مندسون بين الصفوف

يحرضون ويصرخون وحين تحين ساعتهم ترى منهم العجب!

 

إنهم خطر على كل شعب ومجتمع ومدينة وقرية، إنهم كالسرطان الذي لاعلاج له الابستأصاله مبكرا وإلا فالموت آت لا محالة.

 

ليس عيبا أن يتمسك المرء بدينه أو طائفته أو مذهبه أو معتقده وتعاليم الدين فيها من أوجه السماحة ما يشير إلى ذلك تعزيزا لقيمة الحياة ولإعطاء الإنسان الفرصة للتفكير والتأمل والاختيار.

 

وليس عيبا أن تكون للإنسان قناعاته  الخاصة أنى كان مصدرها ووجهتها ومرجعيتها، ولن يستطيع احد مهما كان أن يقنعه بالتخلي عنها طالما هومتمسك بها وعاض عليها بالنواجذ.

 

ولكن العيب كل العيب والجرم كل الجرم أن تهان الآدمية وتمسخ القيم ويعبث بالأرواح تحت شعار تغيير المنكر! وتستباح الحرمات والمحرمات وتجاس الديار بعذر أقبح من فعل؟

 

والمحصلة بعد هذا ماذا ستكون؟ وماذا نتوقع إذا كانت مصائر الأوطان وساكنيها بيد حفنة من الخونة المأجورين ومجهولي الهوية والنسب والانتماء والوجهة؟

 

ونحن في العراق الجريح قد ابتلينا كما ابتلي غيرنا من قبل بهذه النماذج وأشباهها و التي لاتشرف أحدا بصلة ولا تشعر أحدا بفخرنفر ضا ل مضل انقضّوا كالمجانين كي يشبعوا نهمهم الكبير للموت وضمئهم اللاعج للدم والوطن الجريح مازال يلملم جراحه مما أصابه فكانوا كمن يضع الملح فوقها أو كمن يريد تعقيمها بماء النار وتضميدها بخرق بالية.

 

إنهم بحق فرسان العهد الجديد بامتياز، عهد تفرج العالم به  بشغف ودهشة واسى على مشاهد وصورتقطع نياط القلوب وتذهب بالعقول لولا فسحة الإيمان ونعمة النسيان؟

 

إنهم من أعانوا وبجد في غرس الطائفية المقيتة على أرضنا وهم يطمعون مع غيرهم

بأن يجنوا مازرعوا عاجلا أم أجلا! وربما فرحو ببشائر الحصاد الأولى ورقصوا طربا وانتشوا كالسكارى، ولكن منطق الحق دائما هو الغالب وللباطل دولة تزول مهما  علا شأنها.

 

ولقد تعلمنا إن عقوبة البغي أسرع من غيرها وانين الثكالى و دموع اليتامى ونواح الأمهات ادعى لاستجابة الدعاء وتعجيل الانتقام.

 

كما إن تاريخ الأوطان وعمق حضارتها عامل مهم  لن يختزله حفنة من الرعاع والسوقة وشذاذ الآفاق، أو حتى أولئك العابرون من خلف المحيطات؟

 

وربما انحت الرؤوس قليلا ومالت بفعل تتابع الضربات وهول المصائب ولكنها سرعا ن ما عادت شامخة كما كانت وهي اليوم أكثر بصرا وبصيرة ولم تعد حيل الدجالين ورغبات المرضى تجد إذانا صاغية كما كانت أو هكذا يصور لها.

 

إن منطق العقلاء هو الذي ساد في النهاية وان ظن البعض انه لم بعد موجودا وهكذا الفتن العاتية يغيب فيها صوت العقل والمنطق لكن إلى حين ؟

 

إن إرادة الحياة والخير والمحبة والتسامح واحترام الآخرين هي من انتصرت وستنتصر في  نهاية المطاف .

أما قناعات وأفكار ومعتقدات أولئك الشرذمة فهي هلوسات رجل شارف على الموت وهو يعرف جيدا ماذا ينتظره وان ادعى غير ذلك، وصوت الوطن الواحد هو الذي علا على كل صوت ينعق صاحبه بالويل والثبور والتشتت والضياع والفرقة، ورغبة الناس وشغفهم في العيش سوية كما كانوا متحابين متآلفين هوا لمنطق الذي ساد على  أزيز الرصاص و أبواق الطائفية المقيتة

ولا اظنهم في رغبة للعودة مرة أخرى إلى الوراء خطوة واحدة تعطي أولئك الطائفيين جرعة أمل كي يعودوا بالوطن وأهله وتاريخه وحضارته وقيمه ومبادئه إلى ذلك العهد الذي غدونا فيه أمثولة لغيرنا يتمثلون بنا ويتفكهون بمجالسهم  شامتين أو ناقمين وحتى حزانى علينا ويجعلونا محاضر للتاريخ وقصصا للاعتبار.

 

 ونحن إذ نجهر بهذه الكلمات على مضض لا يدفعنا إلا الحرص على كل نفس صانتها شرائع السماء والأرض وكذلك الحرص على وحدة الأوطان والشعوب وخاصة المسلمة منها .

لاسيما وإن تجربتنا في العراق قد أثبتت بما لايدع مجالا  للشك أمورا عدة منها:

 

 خطورة الدعاوى الطائفية وأشباهها على مصائر البلاد والعباد ، إنها كالإعصار المدمر الذي لايبقي لايذر ومن هنا وجب الحذر منها وممن يروجون لها وخاصة أولئك المتخفين كما تتخفى العجوز الشمطاء وراء حجب الأصباغ وطلاء الزينة!

 

ومنها خطورة استخدام الرموز والتعاليم الدينية المقدسة كمدخل لتبرير تلك التوجهات الشاذة لإضفاء نوع من الشرعية المهلهلة عليها ولعل العالم اجمع عاش ويعيش اليوم على  وقع تداعيات بعض تلك التوجهات التي ولدت رد ود أفعال مدمرة كانت اكبر من تصور تلك الأطراف التي سعت وراءها وحتى تلك التي اتخذتها ذريعة لتصفية الحسابات القديمة والجديدة وبطبيعة الحال كانت الأراضي الإسلامية والعربية ساحة طبيعية لعمليات التصفية تلك.

 

ومنها ضرورة أن تقوم الهيئات الدينية ومراكز الدعوة ومراجع الفتوى بمحاربة كل الأفكار والشبه القديمة والحديثة المرتبطة ببعض النصوص أو الأحداث والتي تشوش عقول العامة لاسيما الشباب منهم وبالشكل الذي يحجم هذه التوجهات التي تتجاوز في بعض أطروحاتها اللاواقعية  حدود العقل والمنطق علاوة على مخالفتها الصريحة لثوابت الدين القطعية أضف إلى ذلك ما تثيره من شكوك تحوم حول أولئك المروجين لها و الذين يفتقد أكثرهم للنفس العلمي والأمانة والاتزان النفسي علاوة على صدق النية والتوجه.

 

ومنها خطورة كل مظاهر الاستبداد والظلم أنى كان نوعه وشكله ومصدره و التي أثبتت حقائق التاريخ والمنطق إنها سبب رئيسي وبيئة طبيعية لنمو كل الأفكار والتوجهات الخطرة التي لا يتوقف  أثرها على محيطها التي نشأت  وترعرعت فيه بل يتعداه إلى ماهو ابعد من ذلك لذا وجب أن تأخذ الدول والأنظمة على عاتقها إحباط وتجفيف كل منابعها وبشكل لا يسمح  أبدا بعودتها بأشكال أخرى متعددة لكن مضمونها واحد.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية