هل انتصرت حماس؟ نعم.
لم يكن من الممكن لحماس أن تحتل تل أبيب ولا يمكن لعاقل أن يطلب ذلك منها. كما أنه لم يكن ممكناً لحماس أن تسقط طائرات إسرائيل الحربية ولا أن تغرق زوارقها. فإن الأسلحة الفردية المتوفرة لدى الشعب الفلسطيني في غزة تستطيع في حدها الأقصى يمكن أن تمنع الاحتلال. وهذا ما فعلته حماس. فليس في غزة اليوم شرطي إسرائيلي واحد وليس فيها جندي إسرائيل واحد، وليس لإسرائيل داخل غزة حاجز عسكري واحد.
وقد فشلت إسرائيل عسكرياً في حربها على غزة إسرائيل فشلاً تاماً تمثل في:
(1) العجز على القضاء على حماس وإثارة الجماهير ضدها أثناء العدوان أو بعده.
(2) العجز عن وقف إطلاق الصواريخ على القرى والمدن الإسرائيلية.
(3) العجز عن إحداث أي تغير على الأرض.
(4) عجزت أن تحصل من حماس أي تنازل.
(5) ولم تستطع أن تحتل حدود غزة مع مصر لمنع تهريب السلاح بنفسها.
(6) كما عجزت عن إحداث أي تأثير سلبي على إرادة والصمود والتحدي عند الفلسطينيين وهذا ما رأيناه في المنظر المذهل من عبور بعض الأسر الفلسطينية من مصر إلى غزة رغم نيران القصف وصوته المرعب.
ولتعويض هذا الفشل ولتبرير وقف هذه المجزرة الدموية التي استنكرتها معظم شعوب العالم استعانت إسرائيل بالغرب لضمان منع تهريب السلاح لغزة. فقد باءت الآلة العسكرية الإسرائيلية بالفشل التام إلا من تدمير المدن على رأس سكانها وقتل المدنيين بلا حساب ولا وازع، لكن الأدوات السياسية لإسرائيل جاءتها بشبه جائزة من هذه الحرب فعقدت إسرائيل معاهدة (ليفني – رايس) مع أمريكا لحماية حدودها، كما احتشد قادة الدول الغربية لتأكيد المعنى نفسه. وبهذه الطريقة ادّعت إسرائيل أنها حققت أغراض الحرب وأعلنت وقفها.
القيم الديموقراطية:
حين زار إسرائيل قادة ألمانيا وبريطانيا وفرنسا واسبانيا وايطاليا بعد هذه المجزرة المهولة وتناولوا العشاء مع كبار مجرميها طمأنوا إسرائيل أن الغرب ما يزال يعطيها تفويضاً على بياض لقتل الفلسطينيين بكل طريقة ممكنة مع ضمان عدم التعرض للمساءلة.
أما حقوق الإنسان ومعاهدات جنيف وميثاق الأمم المتحدة فهذه كلها يمكن لمن وضعها أن يغض الطرف عنها أحياناً.
لماذا يمنع السلاح عن غزة؟
غزة إن كانت محتلة فلها الحق في المقاومة والتسلح حسب شرعة الأمم المتحدة والمواثيق الدولية. وإن كانت حرة كما هو واقع الحال فلحقها الحق في امتلاك الأسلحة التي تمكنها من الدفاع عن نفسها كأي دولة أخرى في العالم. فلماذا يمنع السلاح عن غزة؟
باختصار يريد الغرب منذ عام 1923 وحتى اليوم إبادة الشعب الفلسطيني وإحلال اليهود مكانه.
فصك الانتداب البريطاني على فلسطين الصادر عن عصبة الأمم في 24/7/1922 يقول في المادة الثانية منه: " تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في أحوال سياسية وإدارية واقتصادية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي".
وتنص المادة السابعة من صك الانتداب على ما يلي: " تتولى إدارة فلسطين مسؤولية سن قانون للجنسية ويجب أن يشتمل ذّلك القانون على نصوص تسهّل اكتساب الجنسية الفلسطينية لليهود الذين يتخذون فلسطين مقاماً دائماً لهم".
ويجب أن نذكر أن الولايات المتحدة وكندا واستراليا وسنغافورة كلها مشاريع استيطانية غربية. كما أحب أن أنوه أن هناك مشاريع استيطانية غربية في بعض الدول العربية قائمة على قدم وساق وإنما بصمت وهدوء تهدف إلى جعل "السكان الأصليين" المتمسكين بالثقافة العربية أقلية ضعيفة مهمشة وتهدف لتغيير معالم البلد سكانياً وثقافياً تغييراً كلياً كما تم في المشاريع المذكورة السابقة. والمصيبة أن هذه المشاريع لا تلقى أية مقاومة.
وأخيراً من انتصر اليهود أم الفلسطينيون؟
لا يمكن إلا أن يكون هناك منتصر واحد، وحيث أن اليهود قد عجزوا عن القضاء على الفلسطينيين وإبادتهم عن بكرة أبيهم، وعجزوا عن قتل روح المقاومة لديهم، فإن مصير المشروع الاستيطاني الصهيوني سيكون بإذن الله هو الزوال مثله مثل المشروع الاستيطاني الغربي في الجزائر وجنوب إفريقيا.
الحرب القادمة:
1- اليهود لا يرتوون من الدم وهم على الأغلب سيكررون محاولتهم لكسر حماس بعد حين والله أعلم. فقد لقيت هذه الحرب شعبية واسعة في إسرائيل. وبخاصة أنها لم تتكبد فيها أية خسائر تقريباًُ.
2- على حماس دراسة مجريات هذه الحرب بكل صراحة ونزاهة وفي جو ديموقراطي مطلق لتعزيز نقاط القوة ومعالجة نقاط الضعف. كما أن عليها متابعة كل ما كتبه اليهود عنها للغرض ذاته. فألمانيا كانت ممسحة لأرجل الجيوش الأوروبية حتى تبنت النهج العلمي في أعداد جيشها والاستفادة من تقييم كل تحركاته ومعاركه بكل نزاهة وكان فون مولتكه يكتشف نقاط ضعف جيشه ويلقي باللوم على نفسه باعتباره رئيس الأركان ثم يدعو المختصين لمعالجة أوجه القصور.
3- جرأة إسرائيل في ضرب قلب بيروت وقلب غزة والتجمعات السكانية فيهما بكل قسوة أمر يدعو للتفكير وتبادل الآراء. فهل يتم الصبر على هذا الوضع، أو يتم التخلص منه بنبذ الحل العسكري والسير في الحل السلمي للنهاية، أو بمقابلته بتزويد صواريخ المقاومة بقدرات كيماوية لتحمل خطر الإبادة الجماعية للقرى والمدن الإسرائيلية وتحقيق توازن رعب متبادل.
4- لن يكون هناك أي دعم عربي أو خارجي لغزة في أي حرب قادمة إلا أن يشاء الله، وعلى حماس أن تقوم بصناعة أسلحتها بنفسها، وتخزين ما تستطيع من طعام وسلاح لمعركة قادمة قد تستغرق وقتاً أطول من هذه الحرب.
5- ليست غزة أول من قاوم قوة عسكرية طاغية وقهرها، فعلى أرض فلسطين هزم خالدٌ روما، وقاومت عكا نابليون حتى أعجزته. وعلى أرضها قال المؤمنون: "كم من فئة صغيرة غلبت فئة كبيرة بإذن الله" كما أخبرنا الله عز وجل. ومن توكل على الله كان أقوى الناس كما أخبرنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.