حينما كان الواحد منا يتلظى ألماً وهو يشاهد العدوان الوحشي الإسرائيلي على أهالي غزة، دون أن تمتد يد لمساعدتهم، تذكرت الماضي القريب وأيام النخوة العربية.
1- المصريون في نجدة المسلمين في رومانيا وأوكرانيا:
استنجد السلطان عبد المجيد خليفة المسلمين بعباس خديوي مصر في حربه مع الروس منتصف القرن التاسع عشر، فأرسل إليه أسطولاً بقيادة فتحي باشا حارب في الدانوب وأنشأ بها قلعة "طابية العرب" عام 1853م التي تحطمت على جدرانها جيوش مسيحية كثيرة وقتل تحتها قادة مشهورون كبار.
ثم سار الأسطول المصري واحتل قاعدة سيباستوبول على البحر الأسود عام 1855م وهي القاعدة الرئيسية للأسطول الروسي في البحر الأسود من قديم الزمان وحتى يومنا هذا. وكان يدافع عنها ثلاثمئة ألف جندي روسي. وقد استشهد من المصريين قادة كبار في هذه المعركة وبنيت لهم أضرحة لا تزال تزار حتى اليوم. وقد أثار قتال المصريين في رومانيا وأوكرانيا إعجاب الغربيين فكتب الأميرال البريطاني "سليد" يصف الجنود المصريين فقال: "أولئك الجنود الذين انتزعوا من وطنهم، وانتقلوا من ضفاف النيل المضيئة بأشعة الشمس إلى غدران الدانوب الغائمة، ظلوا إلى آخر الحرب محتفظين ببسالتهم وروحهم المعنوية العالية وقدراتهم القتالية، وأظهروا في كل وقت جلداً وصبراً عند المشقة والحرمان".(1) و(2)
2- عمر علي يحرر جنين في حرب فلسطين عام 1948:
تساقطت مدن فلسطين وقراها وجيوش العرب تتهادى بانتظار أوامر قياداتها، فصاح الشاعر بقائد القوات العراقية اللواء صالح زكي: "شلون ماكو أوامر يا صالح زكي ..... وبنات العرب عند الهاجانا تشتكي ؟ "
وفي الثاني من حزيران 1948 ، استطاعت القوات الإسرائيلية السيطرة على معظم التلال المحيطة بمدينة جنين بل واقتحمت معظم الأحياء السكانية بحيث لم يبق بيد القوات المدافعة سوى بعض الجيوب ومبنى القيادة في القلعة. وقد ابرق القائد نوح الحلبي إلى كافة القطاعات العراقية في فلسطين طالباً النجدة، وذلك بعد أن أوشكت ذخيرة جنوده على النفاذ.
بدأت طلائع القوة العراقية تصل مشارف جنين في الساعات المبكرة من فجر الثالث من حزيران، وقد سارت هذه القوات، التي ساندتها قوات من المتطوعين الفلسطينيين، في مسارين: الأول على الطريق العام نابلس - جنين وقد كانت هذه القوات برئاسة المقدم ميخائيل شلمون ( آشوري)، والثاني كان بقيادة عمر علي (من كركوك) وقد سلك طريقاً فرعياً غربي الطريق العام ليتسنى له مفاجأة القوات اليهودية من الخلف في منطقة برقين - اليامون.
حاولت القوات اليهودية وقف تقدم النجدات العراقية من خلال قصفها من الجو من دير شرف وحتى جنين لكن هذه الهجمات لم تفلح بوقف التقدم لاسيما وأن تقدم القوات العراقية كان قد تم في الليل. بدأ الالتحام بين القوات في الثامنة صباحاً من يوم الثالث من حزيران. في البداية احتلت القوات العربية سفوح برقين وبعد ذلك استطاعت هذه القوات من السيطرة على تل الخروبة الاستراتيجي بعد معركة في السلاح الأبيض خاضتها سرية عراقية بقيادة الضابط إدريس عبد اللطيف. ثم اشتد القتال في منطقة محطة السكة الحديدية التي جعلتها القيادة اليهودية مقراً لها. في عصر ذلك اليوم حاولت القوات اليهودية القيام بهجوم مضاد من خلال وحدة مدرعات ووحدتي مشاة ولكن نيران المدفعية العراقية منعت هذا الهجوم من تحقيق أي انجاز على الأرض بل قامت القوات العراقية وقوات المتطوعين الفلسطينيين بهجوم آخر تكلل في صباح الرابع من حزيران بطرد القوات اليهودية من كافة الأحياء السكنية للمدينة بل طاردت فلول القوات المنسحبة إلى ظاهر جنين الشمالي، حيث انتهت الأعمال القتالية حوالي الساعة الحادية عشرة قبل الظهر.
وقد غنم الجيش العراقي في هذه المعركة حوالي 300 بندقية من طرازات مختلفة وعشرة مدافع هاون وعشرين رشاشاً وأربعة أجهزة لاسلكية. قدرت خسائر القوات الإسرائيلية ب-300 بين قتيل وجريح، في حين قدرت الخسائر العربية بنحو 100 من العسكريين (65 منهم عراقيين). ويخلد الفلسطينيون ذكرى الشهداء العراقيين دائما، حيث تقع مقبرة شهداء الجيش العراقي في أحد قرى جنين وهي قباطيا. (3)
صورة رائعة لجنين عند الغروب: http://www.palestineremembered.com/GeoPoints/Jinin_524/Jinin-11329.jpg
3- الجيش السوري في نجدة مصر:
هاجمت إسرائيل مصر الساعة الخامسة عصر يوم 29/10/1956، فتحركت القيادة السورية وكأن الهجوم قد وقع على دمشق فعلاً. وقررت مهاجمة إسرائيل من جبهتين، الاتجاه الأول من الجبهة السورية في شمال فلسطين، والثاني كان من نابلس في قلب فلسطين بالتعاون والتنسيق ومشاركة الجيش الأردني. وقد احتلت القوات السورية خط الهجوم في الجبهتين في آن واحد معاً وذلك في الساعية الثانية عشرة من ليلة 31/10/2009 أي بعد ثلاثين ساعة فقط بمجهود يقارب المعجزة. ولكن وبغباء شديد طلب الزعيم الخالد جمال عبد الناصر إلغاء الهجوم قبل ساعتين من تنفيذه لأنه اكتشف أن بريطانيا وفرنسا مشاركتين في المعركة! وقصة الجمهرة السورية الأولى بقيادة العقيد سهيل العشا التي انقضت إلى تلال جنين بعد 17 ساعة فقط من تلقيها الأمر ملحمة تستحق أن تروى وأن يفرد لها مقال مستقل. وكانت هذه القوة مكونة من لواء مشاة ولواء مدرعات وفوج مدفعية وفوج هندسة عسكرية. وكم كانت فرحتي عظيمة حين قرأت في الصحف قبل سنتين وعند وفاة المرحوم عبد المحسن أبو النور أنه رأى الضباط السوريين في نابلس يبكون قهراً حينما جاءهم الأمر بوقف الهجوم.(4)
4- هاشم الإمامي ينقذ دمشق وشرف العرب في حرب اكتوبر عام 1973:
بدأ الهجوم المصري السوري على إسرائيل في الساعة الثانية من عصر السادس من اكتوبر، وبلغ خبر ذلك الرائد شاكر الإمامي قائد اللواء العراقي الثاني عشر المتمركز شمال تكريت في الساعة الخامسة والنصف صباح يوم 7 اكتوبر. فأصدر أوامره للواء بالاستعداد فوراً للمعركة وهو لم يفرك عينيه من النوم بعد وبدون انتظار أية أوامر عليا. وبعد دقائق فقط وصله "الأمر الإنذاري" من القيادة العليا بالتحرك خلال ست ساعات. ثم جاءه الأمر بالتحرك الفوري حالما يصله ما يكفي من ناقلات الدبابات. وقد توفر ذلك في الساعة السادسة من صباح 8 أكتوبر.
وحين اقترابه من بغداد وجد الفريق عبد الجبار شنشل رئيس الأركان في انتظاره وأخبره أن الموقف على الجبهة السورية يتدهور وعبّر له عن قلقه لأنه لم يتلق بعد موافقة القيادة السورية على المشاركة في الحرب. وبعد اجتيازه لمفرق الكاظمين قرب بغداد وجد في انتظاره رئيس الجمهورية أحمد حسن البكر الذي عاتبه على تأخره وقال له أخوتكم السوريون بدون دبابات الآن.
وقد وصل اللواء المدرع العراقي الثاني عشر دمشق مع مغرب الشمس، ومنها اتجه جنوباً على طريق درعا ثم احتل مكان تركه لواء سوري منسحب في قرية أنخل جنوب غربي مدينة الصنمين وغربي طريق دمشق – درعا العام.وبعد نوم لم يستغرق سوى عشرين دقيقة استدعته القيادة السورية وطلبت منه الهجوم في الخامسة و النصف فجراً لينفذ الواجب التالي: يحتل اللواء المدرع 12 ، تل المال وتل الشعار ويستعيد خط وقف إطلاق النار الدولي وطرد القوات المعادية إلى ما وراء (غرب) ذلك الخط.
وما أن انبجس فجر تلك الليلة حتى جمع شارك الإمامي ضباطه وقدم لهم استعراضاً موجزاً لمسار الحرب، وآخر أحداثها، وشرح لهم ساحة العمليات وطبوغرافية المنطقة. ثم أوجز لهم أوامره.ومع أول ضوء من الشمس وجد اللواء العراقي المدرع الثاني عشر القوة الرئيسية للجيش الإسرائيلي المكونة من أربعة فرق مدرعة (12) لواء - وكانت هذه القوة قد استعادت كل ما كسبه السوريون من أراضي في بداية المعركة، وعبرت خط وقف إطلاق النار، حتى وصلت سعسع على بعد 35 كم من دمشق- فهاجمها بدون تردد. وقد دهش اليهود من جرأة الهجوم العراقي واعتبروه جنوناً، وسرعان ما أسفرت المعركة عن خسارة اللواء العراقي لمعظم دباباته.
لكن العجيب فعلاً أن القوة الصغيرة المتبقية من اللواء المدرع العراقي الثاني عشر قد ثبتت في مكانها واستمرت في القتال مستعينة بطبيعة تضاريس المنطقة الوعرة لمدة أربعة أيام كاملة، عملت خلالها كنقطة استطلاع أمامية لتوجيه المدفعية السورية. فما إن كانت القوات الإسرائيلية تحاول الحركة حتى يحدد العراقيون مكانها بدقة للمدافع السورية بعيدة المدى فتقوم بقصفها بشكل مؤثر ويجبرها على التوقف والاحتماء.
هذه الأيام الأربعة كانت كافية لإعادة تجهيز ألوية الجيش السوري المحطمة، ولقدوم جحافل الجيش العراقي وتغيير صورة المعركة (5).
______________________________
(1) البحرية المصرية من محمد علي إلى السادات – عبده مباشر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مكتبة الأسرة 2006.
(2) الجيش المصري في الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم 1853 – 1855م، الأمير عمر طوسون، ط2، مطبعة درا الكتب والوثائق المصرية، مركز تاريخ مصر المعاصر 2008.
(3) http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8%B1%D8%A8_1948
(4) فجر الاستقلال في سوريا – محمد سهيل العشي، دار النفائس، بيروت 1999.
(5) الجيش العراقي وحرب تشرين/1973 – سليم شاكر الإمامي ، دار الحكمة، لندن ،ط1، 2001.