في 14 آب – أغسطس سنة 1941 أصدر الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل تصريح الأطلنطي الذي بموجبه تأسسّت جمعية الأمم المتحدة والتي قامت على أساس حفظ السلام والأمن في العالم على قاعدة التعاون الدولي لإحقاق هذه المهمّة , و كان الرئيس الأمريكي روزفلت هو أولّ رئيس إستخدم عبارة جمعية الأمم المتحدة , كما أنّ أمريكا كانت أول من وقعّ على قرار إنشاء جمعية المتحدة ثمّ تلتها بريطانيا والإتحاد السوفياتي السابق والصين وأستراليا وبلجيكا وفرنسا وغيرها من الدول . وحسب علماء القانون فإنّ أمريكا أنشأت جمعية الأمم المتحدة لتوحيد الجهود الدوليّة ضد دول المحور والتي كانت على رأسها ألمانيّا . وأستطاعت الولايات المتحدة الأمريكية أن تحشد وراءها كل الدول التي وقفت في ذلك الوقت ضدّ النزعة الهتلريّة التوسعيّة وتوافق المؤسسون وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية على أن تكون جمعية الأمم المتحدة هيئة دوليّة تضطلع بمهمة الحفاظ على السلام في العالم ويحكمها مبدأ المساواة في السيادة بين جميع الدول المحبّة للسلام .
وفي مؤتمر يالطا الذي إنعقد في الفترة الممتدة بين 03 – 11 شباط – فبراير – 1945 والذي إشتركت فيه كل من أمريكا والإتحاد السوفياتي السابق وبريطانيا , تمت الدعوة إلى عقد لقاء موسع في سان فرانسيسكو مع دعوة الصين وفرنسا وهي الدول التي تتمتّع بحق النقض – الفيتو – في مجلس الأمن .
وتقوم جمعية الأمم المتحدة على الأهداف التاليّة :
أولا : حفظ السلم والأمن الدولي وذلك من خلال التعاون الدولي والتوافق الكامل بين كل الدول في حلحلة النزاعات الدوليّة .
ثانيا : تنمية العلاقات الدولية على قاعدة حقّ تقرير المصير والمساواة بين الشعوب .
ثالثا : التعاون الدولي في المجالات السياسية والثقافية والإقتصادية والإجتماعيّة في دائرة إحترام حقوق الإنسان .
ومنذ 1945 وأمريكا هي الممولّة المركزيّة لجمعية الأمم المتحدة بالإضافة إلى أنّ معظم الدول الأوروبية كانت تسبح في الفلك الأمريكي وحتى ألمانيا التي إستطاع الحلفاء إنهاءها عسكريا وتقسيمها إنضمت إلى المحور الأمريكي , فيما إنضمت ألمانيا الشرقيّة إلى الإتحاد السوفياتي السابق , وأصبح يوجد في جمعية الأمم المتحدة معسكران معسكر رأسمالي ليبيرالي قطبه أمريكا و معسكر شيوعي إشتراكي قطبه الإتحاد السوفياتي السابق , و الكتلة التي عرفت فيما بعد بكتلة عدم الإنحيّاز لم تكن في الواقع غير رافد من روافد الإتحاد السوفياتي السابق , وهذه المرحلة التي عرفت بمرحلة الصراع البارد بين موسكو وواشنطن كان هناك توافق كامل بين العاصمتين عاصمة كارل ماركس وعاصمة آدم سميث في إشارة إلى مؤسسي المذهبين الماركسي والرأسمالي , توافق في تقسيم الجغرافيا والخيرات والموارد الطبيعية , وعلى الرغم من أنّ الصراع البارد كان يصل أحيانا إلى أوجه إلاّ أنّ واشنطن وموسكو كانتا تهدئان الإيقاع عندما كان يصل إلى أوجه , وكان كل طرف منهما راض بالغنائم التي في حوزته , محققا ذاته من خلال هذه الغنائم .
لكن التطورات الدوليّة المذهلة والتداعيات التي حصلت في العالم من قبيل سقوط أمبراطوريّة كارل ماركس و تفتيت الإتحاد السوفياتي , و بداية تشكّل الإتحّاد الأوروبي وبداية خروج العديد من الدول الأوروبية من تحت العباءة الأمريكية باحثة عن ذاتها ودورها و الأزمة الإقتصادية العالمية و تفرّد واشنطن في صناعة القرارات العالميّة و تبوؤها عرش القوّة بدأ يشعر أمريكا بأنّه لا حاجة للعودة إلى جمعية الأمم المتحدة ما دامت أمريكا قادرة لوحدها على تنفيذ إستراتيجياتها .
وقد تجلى ذلك في التدخل الأمريكي في الصومال في العملية التي أطلقت عليها أمريكا عمليّة إعادة الأمل حيث لجأت أمريكا إلى التدخّل في الصومال دون العودة إلى جمعية الأمم المتحدة ثم ّ التدخل في أفغانستان ووصولا إلى الحرب الأمريكية في العراق وما سوف يعقب ذلك فيما لو نجحت واشنطن في تنفيذ إستراتيجياتها .
لقد آمنت واشنطن على سبيل المناورة بضرورة التعاون الدولي عندما كانت في حاجة إلى وضع حدّ للظاهرة الهتليريّة و عندما كان هناك قطب ثان في المعادلة الدوليّة , والآن وعندما إستفردت بالساحة الدوليّة فلا مناص من تفكيك كافة المرجعيات القانونية الدولية والمحافل الدولية بإعتبارها باتت تعتبر نفسها صانعة القانون و راعية العلاقات الدولية , كما ورد في كتاب الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون , أمريكا والفرصة التاريخية والذي قال فيه نيكسون : على أمريكا أن تحكم العالم .
إنّ قيام أمريكا بشنّ حرب على العراق دون قرار دولي بذلك ومع وجود معارضة واسعة لأعضاء دائمين في مجلس الأمن معناه لدى الفقهاء القانونيين الموت التلقائي لجمعية الأمم المتحدة و تلاشي المرجعية الدولية التي تنظر في الأزمات الدولية , وفوق هذا وذاك شرعنة الفوضى في العالم وغياب الشرعية والتي أقرتها أمريكا في سنة 1945 التي تنظر في القضايا الساخنة , و تصريح الأمين العام لجمعية الأمم المتحدة بأنّ واشنطن لا يحق لها شنّ حرب على العراق دون الرجوع إلى الأمم المتحدة هو إقرار بأنّ واشنطن التي ساهمت بالقسط الأكبر في تأسيس جمعية الأمم المتحدة لدعم مصالحها السياسية والإقتصادية والجيوسياسية هي نفسها الذي أطلقت رصاصة الرحمة على هذه الجمعية لأنّها باتت تعتبر نفسها الشرعية والقانون والمرجعيّة , وسوف تدخل العالم في فوضى سياسية وإقتصادية و إجتماعية قلّ نظيرها في التاريخ الراهن .
وسوف يسجّل التاريخ أنّ أمريكا التي أنشأت هيئة الأمم المتحدة هي عينها التي أسقطت هذه الهيئة وهي التي أسقطت النظام الدولي في سبيل أن تكون هي النظام الدولي الجديد !