في عام 1974 تدفق النفط للمرة الأولى من بئر في تشاد ثم توقف الإنتاج بعد قليل بسبب انقلاب عسكري ، وقبل أيام دخلت تشاد نادي منتجي النفط من أوسع أبوابه إذ وقعت الحكومة التشادية تعاقدا مع مجموعة شركات تترأسها شركة أمريكية لاستخراج النفط ، حيث ينتظر أن تتدفق على تشاد بدءا من العام القادم عوائد قيمتها مائة مليون دولار أمريكي سنويا على السنوات الخمسة والعشرين القادمة . ولبدء الإنتاج " اضطر " البرلمان التشادي للموافقة على مشروع يقضي بتخصيص 80 % من عائدات النفط لتحسين حياة المواطنين ( التعليم ، والرعاية الصحية ، والبنية الأساسية ) . وينص الاتفاق أيضا على تخصيص 10 % للأجيال القادمة و 5 % للمواطنين المقيمين بالقرب من حقول النفط . وسبب استخدام تعبير " الاضطرار " أن كثيرين اعتبروا الاتفاق استعماريا !!
وهذه القصة المضحكة المبكية تلخص جانبا من مأساة الكثير من شعوب الجنوب الذين يعيشون أسرى نخب تجيد دغدغة المشاعر الوطنية للشعوب باللعب على وتر الاستعمار للاستئثار بالقرار السياسي والثروة ، ولا تحظى المطالبات التي تتبناها أية جهة " غير وطنية " سواء كانت دولة أو مؤسسة دولية بتقييم موضوعي . ومن يتأمل حال دولة مثل نيجيريا التي حصلت من ثروتها النفطية على عشرات المليارات من الدولارات ابتلعتها هاوية الفساد السياسي يدرك أن الموقف الذي تبنته هذا الشركات لا يخلو من وجاهة من الناحية الأخلاقية . وما ينطبق على نيجيريا ينطبق على دول أخرى نفطية وغير نفطية ضاعت ثرواته القومية دون أي يحصل أي مواطن على توضيح ، وأخرى حصلت على مساعدات من دول غربية وجهات غربية كانت كفيلة بتحسين حياة الناس بشكل ملموس وعاد القسم الأكبر منها إلى بنوك الغرب مرة أخرى ولكن في شكل أرصدة سرية .
وبدون أخذ مثل هذه الجوانب السياسية عند اتخاذ قرار اقتصادي سيكون مصير تشاد كمصير دول أفريقية أخرى عديدة تحولت ثرواتها الطبيعية إلى لعنة يتقاتل الجميع في لعبة استئثار لا يمكن أن تكون " وطنية " . بل إن ما وصل إليه التدهور والقمع والفساد في بعض دول الجنوب جعل البعض يترحم على أيام الاستعمار ، فمتى تتحول الوطنية من صرعة متشنجة إلى مفهوم إنساني تحكمه معايير أخلاقية ، وإلا فما معنى أن تقبل الحكومة السودانية اقتسام عوائد النفط مع الجنوبيين بعد طول رفض بدلا من منحهم جزءا منها ليكون – على حد تعبير مسئول سوداني – " عربونا " للحفاظ على وحدة السودان . إن الوحدة الجديرة بالاحترام هي التي تقوم على حالة من التراضي العام ، لا الوحدة التي تحرسها حراب القهر والتخويف ، والحوار الموضوعي هو الذي تقيم فيه الأفكار على أساس ما تتمتع به من وجاهة لا الحوار الذي تتبادل فيه اتهامات التخوين والاتهام بالعمالة للغرب وموالاة الاستعمار .