إن الإنسان المسلم العاقل المتزن يدعو الله عز وجل ويحاول أن تكون خشية الله ورهبته حاضرة في قلبه حتى يأتي أوامره وينتهي عن نواهيه، فهذه قمة الحكمة حتى تكون الجنة هي الدار، وإلا فإن النار قائلة هل من مزيد بلا شك.
على الأرض - ولله المثل الأعلى - للحكم هيبته ورهبته، لذا فإن ذات حضرة صاحب السمو حفظه الله مصونة لا تمس - كما تشير المادة 54 من الدستور - ولا يقربها من كان،
ولا يلامس هيبتها إلا هالك، وحتى المناصب العليا في الدولة ورموزها لها احترامها وإجلالها لارتباطها بمؤسسة الحكم وعلى رأسها الأمير، فمثلاً المادة 67 من الدستور تنص على "الأمير هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو الذي يولي الضباط ويعزلهم وفقا للقانون"
ولكن، يبدو لي أنه هناك من لا يفقه بالركائز التي تقوم عليها الدول، ولا يفرق بين الثقافة الإسلامية والثقافات الأخرى، ولا يعي تركيبة مجتمعنا مقارنة بالمجتمعات الأخرى، ولا يفهم نتائج كلماته وأثرها على المجتمع المدني، ولا يستوعب الظروف الحياتية ولا دروسها، ولا يقرأ التاريخ وصفحاته، ولا يستشف المستقبل ولا ملامحه، ولا يمعن النظر في المتغيرات الحالية والآتية، فجل ما يريده هو كلمات يرميها على أحدهم ظانًا بأنها سوف تصعد به إلى أعالي سماء الإعلام، وتبني له مكانة اجتماعية لعله يحظى بها، ولكنه نسي أنه لم يبن له موضعًا في قلوب الناس يحفظه، وأساسًا من الدين يحميه، فتراه يسقط على وجهه وتسقط فوقه كلماته فتجرح ما تبقى من كبريائه، وتزيد أحيانًا من عنجهيته وجهله وحمقه.
أقول كلماتي هذه بعد أن أصبح التجرؤ الإعلامي على ركائز الدوله من رئاسة مجلس الوزراء والوزراء ومجلس الأمة وقادة الجيش والشرطة والقضاة وغيرهم - والتي هي بالأصل مرتبطة بمقام حضرة صاحب السمو بصورة أو بأخرى - كأنه حديث يدار في المجالس، وكأنه كلام يدخل الفرحة والبهجة على الأنفس، وكأن الإسلام لم يعلمنا ضوابط النصيحة والقول، وكأننا لم نعش مع آباء وأجداد كانوا يقدمون النصيحة للحكام ولكن باحترام كبير، وبهيبة ووقار، وبكلمات منتقاة، وبالسر وليس بالعلن، ومن باب المحبة والرحمة والألفة والحق، ومن منطلق الكياسة واستنباط ما هو أنفع للدولة والمناداة به بكل لباقة وفطنة وهدوء.
أعزو ذلك التجرؤ الفج في السلوك، وهذا التخبط في القول، وهذا الموقف الهادم لهيبة الدولة، إلى عدم إدراك من يتجرأ للفرق ما بين الحلم والتواضع ولين العريكة التي يتصف بها الحكم في الدولة، وما يظنه ويفسره على أنه ضعف وهوان، ناسيًا ومتناسيًا أن لكل شيء حدا، ويبدو أن البعض منا لا يستحق الحرية التي ينعم بها، اما لنقص في مكونات شخصيته قد أتعبه، أو لنزعة يقدم فيها الذاتية على الموضوعية، أو لهدف يريد تحقيقه أو لمصلحة تناديه وهكذا...
العجيب في الأمر، ان جمعية الصحافيين المحترفين (SPJ) في الولايات المتحدة تنص في بعض مبادئها الأخلاقية على «الإدراك بأن جمع المعلومات وإعداد التقارير الصحافية قد يسبب الضرر أو الإزعاج، وأن تقصي الأخبار ليس مبررًا للغرور». فإن كانت هذه أخلاق الغرب، فنحن أعظم عقيدةً وأفضل قيمًا وأحسن أخلاقًا ويجب أن نكون أقوى التزامًا بهذا الدين العظيم ونحاول أن نصبح أكثر انضباطًا بتعاليمه السمحة، لذا يجب أن نكون مثالًا لهم وقدوة لمن يريد أن يقتدي. وعليه فإن حرية الإعلام لا تعني انفلاته من بين أيدينا، وخروجه عن سيطرتنا.
أخيرًا أقول بأن من أهم ركائز التغيير المجتمعي الإيجابي الثقة بالله وقيادة النفس نحو المعالي، والابتعاد عن القيل والقال وكثرة الهرج وفوضوية مزج المفاهيم واختلاطها، والتجرد من الأهواء، والبعد عن اختلال الممارسات المهنية، وعدم التجرؤ على النخب المجتمعية - ولا أزكي على ربي أحدا – علمًا بأن هناك أساليب كثيرة وأدوات متنوعة لتغيير المنكر، وتصحيح الخطأ، ومراجعة المواقف وتعديلها، وإعادة الأمور إلى نصابها، فالنية الطيبة تهدف إلى الإصلاح والبناء وليس إلى التشهير والهجاء، وتذكر أيها الإعلامي زرع الهيبة في نفسك حتى ترتقي بعملك الرفيع، وتذكر أمانته ومسؤوليته، وتذكر {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق : 18].