منذ أحداث أكتوبر 88 وما تلاها من إقرارالتعددية السياسية، بات المشهد الجزائري الطافح بزخم الأحداث يستقطب تلفزيونات العالم ومختلف أضواءالكاميرات، لما فيه من إثارة جذابة تعددت فيها الألوان والحركات والأصوات، وصارمحل إهتمام الدوائرالاستراتيجية ومراكز التحليل المختلفة بشكل غير مسبوق ...
لقد تعرضت الشرعية التي بدأت أزمتها لحظة الإستقلال واستمرت ..وتهيأ الشعب لفك عقدتها عشية أول إنتخاب بعد إقرار دستور فبراير 1989 ، تعرضت إلى عملية ذبح وإغتيال في ضوءالنهار عشية ذات يوم من شهر جانفي1992 ، وفجرت هذه العملية أخطر أزمة مأساوية أصابت الشعب الجزائري عبر تاريخه الطويل.. إذ أدخل الانقلابيون المغامرون البلاد في أتون فتنة مازالت شظاياها تصيب الجزائريين إلىاللحظة هذه.
الأزمة -إذا-في طبعتها كانت سياسية ، تمثلت في إقصاء حزب منتصر وحرمانه من نتائج فوزه التي منحها له الصندوق الشفاف ، لتتفرع بعدها إلى أزمات متعددة أمنية ،إقتصادية ، إجتماعية، أخلاقية،حضارية.. إلخ ..
هذه الأزمات صارت تستنسخ نفسها بصورة تلقائية وبشكل يثير الذعر والخوف، ويدعو لـ "الرثاء" و"البكاء" على جزائر كانت قبلة في الاستقرار والتحرروالتماسك ، ومناهضة التخلف والاستعمار..
حاول أدعياء الطب المزيفون تقديم وصفات مشبوهة كمعالجةالسرطان بحبات الآسبرين ، فكانوا يزيدون الأفق إنسدادا والوضع الملغم إحتقانا ، وصارت البلاد كلها أشبه بـ"حال الأيتام على مائدةاللئام" ، وضربت كل دعوات الرشد والمصالحةعرض الحائط، وأنتصر دعاة "الكل أمنى" لخيار المواجهة وغرقت البلاد في الدماء والدموع والفقر والانتحار والانسداد..
الرئيس بوتفليقة ظهر في بداية عهدته كما لو أنه المهدى المنتظرالذي سيطفىء نار الفتنة ، ويخرج الجزائرمن النفق المظلم إلىدائرةالضوء.بينما وسعت سياسة الوئام المدني دائرة التفاؤل بشأن الإنفراج وخروج الجزائر الى شاطىء العافية والأمان..لكن تعثر المسير أعطى إنطباعا كما لو أن هناك عصيا وضعت لترصد عجلات القاطرة وإفساد العملية برمتها..
بالمختصر المفيد ..فإن الأزمة الرهيبة التي ما انفكت تكبر وتصنع التراجيديا في حياة الجزائريين هي التي ظلت تلقي بظلا لها على كل القطاعات الحياة ..فهي الاصل وهي المركز، بينما غيرها ليس إلا الفرع أو الهامش ..
ما نشهده الآن من صراع داخل الافلان ، ويسوق إعلاميا على أنه صراع بين المصالحة والاستئصال ، لا يمثل إلا وجها آخرا للبؤس السياسي الذي تعيشه السلطة التي فشلت حتى في التناغم بين شخوصها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال ان يغطي على معاناة الناس الكبيرة مهما كانت إ ثارته ..
الى أين تتجه بوصلة الصراع..؟ هذا ما لا نستطيع الحكم عليه الآن ..لأن عدم نطق الصامت الكبير،وما يجري خلف الشاشة له العلاقة الأهم في التأثيروصياغة مستقبل الأحداث..
ما يتمناه العقلاء أن يسود أسلوب التحضرفي مثل هذه المواجهة..وأن توضع في سياقها العادي ضمن أزمة سياسية كبيرة طال فك خيوطها.. فالبلاد لا تحتاج الى متاعب إضافية أخرى..وقدآ ن الأوان للحل الشامل والعادل لكل أشكال التخبط ..