تحت ظلال أوضاع عربية مزرية،تنعقد القمة العربية الدورية في مدينة سرت إحدى مدن الجماهيرية الليبية في السابع والعشرين والثامن والعشرين من شهر آذار/مارس 2010 في دورتها العادية الثانية والعشرين.ومما لا شك فيه أن مؤسسة القمم العربية قد فقدت بريقها،واهتمام الشارع العربي بها،كونها عجزت أو بصحيح العبارة تعاجزت عن تحقيق أدنى مطالب المواطن العربي السياسية والأمنية والتربوية والإقتصادية والثقافية وغيرها الكثير الكثير.

كان من المفترض أن تتصدر القضية الفلسطينية بكل إفرازاتها وتداعياتها محاضر جلسات هذه القمة.إلا أنها تآكلت عبر التجاهل والتناسي، وباختصار ها هي إسرائيل تسرح وتمرح،تصول وتجول،تصادر الأراضي،تغتصب التراث الإسلامي وتنسبه إلى ما تسميه تراثها.ها هي محاولات اقتحام المسجد الأقصى تتكرر،وليست النوايا المبيتة له بخافية على أحد.

ها هو الإستيطان يتسرطن في الجغرافية الفلسطينية،ضاربا عرض الحائط بمطالب أميركا والإتحاد الأوروبي الخجولة والمتواضعة بوقفه.وها هي الجرافات الإسرائيلية تهدم منازل المواطنين في القدس وتصادر هوياتهم بغية تهجيرهم.

ولا تقف مأساة الشعب الفلسطيني عند هذه الحدود.فالإحتلال الإسرائيلي لم ينفك يقتحم المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية.إنه يقتل ويعتقل.إنه ما زال يقيم مئات الحواجز التي تحاصره وتغلق عليه وتكتم أنفاسه.

وبرغم هذا كله،فإن خيار السلام العربي ما زال قائما،وتتغنى به الأنظمة السياسية العربية المعنية،كرد على تحديات الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة بشأن استمرارها اللامشروع في إقامة المستوطنات أو بناء الوحدات السكنية الإستيطانية، أو بناء جدار العزل في الضفة الفلسطينية أو القدس التي أوشك التهويد الجغرافي والديموغرافي أن يفترسها بمقدساتها وآثارها الإسلامية.

وما دمنا بصدد مبادرة السلام العربية،وهي الخيار العربي الوحيد،فإن الرد الإسرائيلي عليها لم يتغير البتة.إنها تشترط لقبولها إفراغها من ثوابت القضية الفلسطينية التي طالما أشهرت لاءاتها في وجهها.وإمعانا في التأكيد على رفضها،فإنها تشترط إلغاء حق العودة،وعدم الرجوع إلى حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967،والإبقاء على القدس عاصمة لدولة إسرائيل.

والسؤال الملح الذي يطرح نفسه. في ظل هذه الأجواء،ما هو المطلوب من القمة؟.لقد أصبح القاصي قبل الداني على يقين أن المطلوب عربيا في هذا الصدد،إذا ما صدقت النوايا، يتمثل في ممارسة الضغوطات العربية بشتى الوسائل المتاحة،وهي والحمد لله كثيرة،على الإدارة الأميركية التي انحازت إنحيازا إستراتيجيا إلى الطرف الإسرائيلي،وأصبحت تقف في صف المواجهة معه ضد الفلسطينيين غير آبهة ومتجاوزة كل الخطوط الحمراء على فرض أنها موجودة.

وإذا كانت كل هذه التداعيات والإفرازات تشكل غيضا من فيض القضية الفلسطينية وتداعياتها وإفرازاتها،فإن العالم العربي هو الآخر له مشكلاته الخطيرة.فعلى الصعيدين السياسي والأمني هناك العراق الذي يعيش هذه الأيام ذكرى سقوطه السابعة فريسة للمطامع الأميركية.

هناك السودان،وهناك اليمن وحرب صعدة السادسة وإمكانية تجددها. هناك الصومال الذي أنهكته الحرب الأهلية،وعلى ما يبدو فإن العرب قد تناسوا عروبة هذا القطر المحسوب على الأمة العربية.

وعلى الصعيد الإقتصادي فإن العالم العربي يعاني من الفقر الذي يحول دون أن يتمكن المواطن العربي من تأمين الحاجات الأساسية لمعيشته.إنه يفتقر إلى الرعاية الصحية والدواء.إنه يفتقر إلى تأمين غذاء تكتمل فيه الشروط الصحية.إنه يفتقر إلى تعليم يمحو به أمية مستشرية بين ظهرانيه،أو أن يبلغ مستوى معقولا من العلم والثقافة.

وثمة صعد أخرى تتمثل في معاناة العالم العربي بسبب فقدانه عناصر المناعة الحضارية جراء افتقاره إلى الديموقراطية والتعددية السياسية والحريات ومنظومة حقوق الإنسان والعدالة والمساواة،وهي المفاهيم والقيم التي تميز الشعوب المتحضرة عن سواها.

وعلى ما يبدو فإن أحلام السوق العربية المشتركة،والوحدة الثقافية،والوحدة التربوية،ومشروع فضائية الثقافة العربية الموحدة،ومشروع فضائية الإعلام العربي الموحد،قد محتها نهارات العرب الممزقين والمشرذمين والمتفككين والمتناحرين،فذهبت هذه الأحلام أدراج الرياح.

وحقيقة الامر،ولدى إعادة قراءة ملفات القرارات الصادرة عن معظم القمم العربية السابقة،فإنه يمكن وصفها بعدة أوصاف دون التجني عليها.فهي ذات سقف منخفض جدا.ولا تقترب من بؤرة المشكلة.وتحمل صفة العمومية.وهي حذرة وتفتقر في أحيان كثيرة إلى قدر من الشجاعة وتحمل المسؤولية.وليس لكثير منها رصيد فعليعلى أرض الواقع.

وهي أخيرا لا آخرا تفتقر إلى جهاز مناعة يحول دون استمرار نزيف جرح الكرامة العربي الدامي،أو القدرة على اتخاذ الإجراءات الضرورية للتصدي لمسبباتها الداخلية والإقليمية والخارجية.ويظل العالم العربي جراءها إبتداء من فلسطين ومرورا بالعراق والسودان والصومال وغيرها وانتهاء بالجزائر يدور في حلقة مفرغة ليس لها مخرج ولا منها ملاذ.

وأما ما يخص مؤتمرات القمة العربية واجتماعاتها أيا كان مستواها،دورية كانت أم طارئة،فقد كانت على الدوام تجسد صور الإختلاف والشرذمة والتعادي والتنافر والعجز وعدم الرقي إلى سقف الحاجات والأماني العربية الأكثر إلحاحا على ساحة العالم العربي.

إن جامعة الدول العربية التي يفترض أنها بيت العرب الذي يلم شملهم،كانت تعكس على الدوام صورة العلاقات العربية التي ما كانت يوما تتمتع بصحة جيدة،وإنها كانت تفتك بها آفات كثيرة لعل أخطرها عدم الإستعداد للتضحية بالمصالح الخاصة والتقوقع القطري على شرف المصالح القومية الكبرى،وهي بهذا كله شكلت المستنقع السياسي الذي علقت به كثير من القضايا العربية الأكثر خطورة على الساحة العربية.

كلمة أخيرة.إن الجماهير العربية تتمنى على أنظمتها السياسية أن ترتفع إلى مستوى هذه المطالب القومية التي تشكل الحد الأدنى من مطالبها.وهي مطالب ليست من عالم الخيال،ولا في حكم المحال.ولكنها تحتاج إلى صحوة ضمير وإرادة وتصميم وإصرار على الرجوع إلى الكرامة العربية.وإلا فإن على هذه الأنظمة أن تستقيل من التاريخ العربي والإنتماء له.وإن غدا لناظره قريب.


شاعر وكاتب فلسطيني

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية