يحاول العلمانيون أن يغرسوا في أذهاننا فكرة خاطئة، مفادها أن الكويت دولة علمانية لا علاقة للدين بشؤونها العامة، بحجة أن لدينا دستور وقوانين وضعية، ويستغلون في محاولتهم الخطيرة هذه، نفوذهم التعليمي والإعلامي والصحافي والقيادي، الذي نجحوا بالحفاظ عليه منذ نشأة الكويت المعاصرة وأجهزة الدولة الحديثة.
وافتراؤهم هذا غير صحيح لعدة شواهد، أهمها ما قررته نصوص دستور 1962 ومذكرته الإلزامية، حيث أنه (لا اجتهاد في وجود نص)، ولا يخفى على أحد كون الدستور هو القانون الأعلى في الدول، ويمثل العقد المبرم بين الحكام والمحكومين، ويبين شكل نظام الحكم والأسس الاجتماعية والاقتصادية التي تقوم عليها الدولة.
فقد حسمت المادة الثانية الخلاف المفتعل باكرًا عندما قررت أن (دين الدولة الإسلام)، فهي بهذا النص قد قررت أن الكويت دولة ذات دين، وأن هذا الدين هو الإسلام.
ولنركز جيدًا على مفردات (دين) و(دولة) و(إسلام)، التي أتت في جملة دستورية واحدة، من ثلاث كلمات بلا زيادة ولا نقصان، يتضح منها تبني دستور دولة الكويت، للفكرة الرئيسة القائلة (الإسلام: دين ودولة)، فهو نظام شامل ينظم الجانبين معًا ويحتويهما، خلاف الفكرة العلمانية (المستوردة)، والتي توسوس بفصل الدين عن الدولة.
أما إلقاء التهمة على النصوص الدستورية الأخرى، التي تحوي مفردات (الديمقراطية) و(الأمة) و(القوانين) و(الحريات) و(الحقوق) وغيرها، للافتراء بأننا في دولة علمانية لا تدين بالإسلام، فهو غير صحيح إطلاقًا، وينم على جهل بالشريعة الإسلامية من جانب، وبالدستور الكويتي من جانب آخر.
حيث أن الشريعة الإسلامية تقيم دولة قانونية، وأول أفعال النبي صلى الله عليه وسلم، في تأسيسه للدولة الإسلامية الأولى بالمدينة المنورة، كانت – بجانب بنائه المسجد والمؤاخاة – وضعه وثيقة دستورية، توضح نظام الحكم في الدولة، وطبيعة العلاقة بين مختلف (المواطنين)، سواء كانوا (مسلمين) وهم المهاجرين والأنصار أو (مشركين) مثل من بقي على دينه من الأوس والخزرج، أو (يهود) من بني قريظة وبنو النضير وبنو قينقاع، ويعد الفقيه الدستوري أ.د. السيد عادل الطبطبائي، هذه الوثيقة من أوائل الدساتير المكتوبة في التاريخ.
كما أن ديننا العظيم أتى لتعزيز الحريات وحماية الحقوق، بشتى أنواعها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، وقد كانت هذه المفاهيم واضحة في أذهان وأفعال الجيل الإسلامي الأول، من أمثال الصحابة الكرام: خديجة (المرأة) وعلي (الشاب) وصهيب (الرومي) وبلال (الحبشي) وسلمان (الفارسي) رضوان الله عليهم أجمعين، الذين حملوا رسالة الحرية والمساواة والعدل للناس أجمعين.
وفي الجزء الثاني من المقال سأبين إن شاء الله، أن دستور 1962 كان صريحًا – بجانب المادة الثانية – في تبيان الهوية الإسلامية للدولة، وهو ما يجب أن ينعكس على أداء السلطات الثلاث للدولة – تنفيذية وتشريعية وقضائية – بلا تقاعس، ودون خشية من حملات التشويه والافتراء العلمانية، التي تتبع دون حياء المنهج (الميكافيلي) القائل: (اكذب واكذب واكذب حتى يصدقك الناس)! ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.