ابتدع الإنسان أنظمة الحكم وأنواع الحكومات المختلفة، أو فرضت عليه أحياناً، من أجل تنظيم حياته العامة مع الآخرين، حتى لا يكون حكم الغابة وسطوة القوي على الضعيف وغزوات الجاهلية، هو البديل لذلك الحكم أو تلك الحكومة.
ومن الطبيعي، والمؤسف أيضاً، أن الحكّام والحكومات يميلون تلقائياً إلى السيطرة والتسلط، مما يخرجهم من وظيفتهم الأساسية وهي خدمة الشعب وتحقيق رفاهيته، إلى أن يصبح الشعب أجيراً عندهم، أو خادماً لنزواتهم المريضة!
وابتدعت الشعوب العديد من الوسائل على مر العصور، لرفع الظلم عنها وإعادة الحاكم إلى حجمه الحقيقي، أو تذكير الحكومة في دورها الأساسي، أو استبدالها بأخرى قادرة على القيام بذلك، أو لتوضيح كل ما سبق والتأكيد عليه.
ومن تلك الوسائل (الدساتير) التي تمثل العقد الذي يبين حقوق وواجبات الحكّام، وتحدد وظائف وصلاحيات الحكومات، مثل الدستور العثماني عام 1876، ودستور دولة الكويت 1962.
و(الثورات) مثل ثورة الشعب الفرنسي ضد البلاط الملكي عام 1789، وثورة الأميركيين ضد الحكومة البريطانية 1775، والثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وكذلك هناك التداول السلمي للسلطة عبر الديموقراطية والأحزاب السياسية.
ولكننا نعيش في الكويت حالة فريدة، حيث انه لم يكن هناك بصورة عامة، أي صراع يذكر بين الشعب والحاكم، والحالات القليلة التي هددت الحكم كانت إما داخل بيت الحكم نفسه كما حدث بين الشيخ مبارك وأخويه رحمهما الله عام 1896، أو من خارج الوطن كالاحتلال العراقي عام 1990.
والسبب الرئيسي لذلك هو أن نظام الحكم الكويتي يقوم باستمرار على فكرة (التعاقد)، بين طرفين هما الشعب والحاكم، وقد بدأت هذه الفكرة منذ تولي الشيخ صباح الأول من خلال مبايعة شعبية، واستمرت عبر الحكام المتعاقبين رحمهم الله.
وأتى الدستور بطريق التعاقد ليرسخ الفكرة، وحرص على استخدام مصطلح (المبايعة) ذاته، بما له من أبعاد ديموقراطية وشرعية واضحة، عندما تحدث عن تصويت أعضاء مجلس الأمة، ممثلي الشعب، على ولي العهد الجديد، والذي هو أمير الكويت مستقبلاً.
وفي الختام: فإن معرفتنا لأساس انضباط العلاقة بين الشعب ومن يحكمونه، سوف يقودنا إلى حماية هذا الأساس وتنميته، وهو دستور 1962 بما يتضمنه من فكرة التعاقد بين الطرفين، والمبايعة والمشاركة الشعبية في الحكم، والحمد لله أولاً وأخيراً.