حال الجزائر لا يشذ عن "حالة" العالم الاسلامي المنكوبة والبائسة ..لكن فتنة الجزائرالتي أشعل أوارها الانقلابيون منذ أكثر من عقد لا يمكن أن تضاهيها فتنة أخرى،لأن الفتنة -كما تؤكد ذلك الوقائع والشواهد-" أشد من القتل"..،والجزائرما زالت الى حد هذه الساعة تدفع الأثمان الباهضة من جراء تداعيات هذه الفتنة ..فضائح بالجملة وفضائع بالجملة، وفوضى عارمة ، وصراع رهيب بين الزمر، وجرائم ،ودماء، وانتحارات ، وفقر، وأمور مفزعة لا تصدق..وتوغل في مزيد من المجهول..ولا حول ولا قوة إلا بالله.. كما أن المؤتمرين في "بوتراجايا" في قمتهم الاسلامية كانوا أمام مفترق طرق وفي موعد مصيري غير مسبوق -كما يقول المراقبون-نظرا لعدة إعتبارات تجعلهم هذه المرة إما أن يكونوا بتوحيد كلمتهم ونسيان خلافاتهم وتشكيل قوة إسلامية تحمي أوطانهم ومقدساتهم ووجودهم، وإما إبتلعهم"بوش وشارون"والتحالف اليهودي الصليبي..وإذا كانوا في كل مرة يضيعون الفرصة ،فإن العوامل والظروف الراهنة التي يمر بها العالم الاسلامي توحي وتحتم عليهم تسجيل موقف مشرف يعكس طموحات الشعوب الاسلامية ويعزز كيانهم المتحلحل، ولكن في نهاية المطاف لم يحدث أي شيء من هذا القبيل ، كما لو أن حالهم كما يقول المثل الباكستاني"إجتمعوا وتكلموا ثم تفرقوا"..ليس إلا..
كذلك الجزائر الآن هي على صفيح ساخن، وعلى فوهة بركان يوشك أن يلقي بحممه ، والناس ماسكة أنفاسها وأيديها على قلوبها وقد أنهكتها مآسي الأزمة ، ولم تعد لها القدرة على مزيد من التحمل لأعباء إضافية أخرى..هي الآن في مفترق طرق حاسم بعد أن ضيعت الكثير من الفرص في التصالح وتطويق الفتنة ..إما أن تلملم أجزاءها ،وتترفع عن خلافاتها،وتؤثر مصالح الجزائر الكبيرة فتذهب الى مصالحة حقيقية تفتح بها غد الجزائر المشرق، وإما تنتظر الانفجار الذي سيجرف هذه المرة كل شيء،ولا يبقي ولا يذرأي شيء بما فيها الدولة نفسها..
حاول العقلاء منذ أول وهلة التحسيس بالمخاطر الرهيبة التي ستترتب عنها هذه الفتنة ، ودعوا لتطويقها في الحين وقبل استفحالها بأي حال من الأحوال.. ولكن سياسة "الآذان المسدودة والرأس الخشين " ومنطق "ما أريكم إلا ما أرى" أغرق البلاد في الدموع والدماء..بل كلما إرتفعت أصوات منادية بالصلح والسلم وإيقاف النزيف ، وتجلت مساعي لإطفاء لهيب هذه الفتنة ، عاد المغامرون للنفخ من جديد في جمرتها وإشعال جذوتها، كما لو أن المواجهة بين الجزائريين والعداوة بين أحفاد ابن باديس وعميروش والأمير عبد القادر والعربي بن المهيدي و... هي حتم مقضي لا مناص منه ..
كم تسبب هؤلاء "الإجتتثاثيون" ودعاة "الكل أمني" من دمار وخراب ومآسي وشرخ رهيب في جسم الجزائر تحت واجهة مكافحة الأصولية وحماية الجمهورية ..وها هونعيقهم المشؤوم يعود اليوم للزج بالبلاد في أتون حرب أخرى..
كان على هؤلاء الداعين لمزيد من المواجهة أن يكفوا عن شرورهم وينظروا الى ما أصاب بلادهم من فجائع وأهوال ويرحموا هذا الشعب برفع الغبن عنه، ويعترفوا بكل روح رياضية بأخطاءهم ،ويعملوا شيئا لصالح الأمة كتكفير عن سيئاتهم ،لا أن ينطلقوا بهيستيرية جديدة تضمر الشر والأذى،وتحاول إعادة شبح الرعب والخوف ..
ألا فليسقط هؤلاء جميعا، وليحيا الاستقرار والأمن والعافية، ولتعلو المصالحة بين الجزائريين ولتسقط كل أصنام الاستئصال والاجتثاث..وليتقدم الخيرون لتحمل مسؤولياتهم وأخذ زمام الأموربكل جدية.. فلا مجال للتردد بعد اليوم..
وليكن شهر رمضان فرصة لإطلاق وتحرير الإرادات الخيرة وتعزيزها من أجل عملية الإنقاد..