إذا كنا لا نريد نريد استنساخ ابن علي ! فلماذا نصر على تطبيق دستوره وقوانيه في تشكيل الحكومة وعلاج فراغ السلطة في تونس؟ أن حكومة محمد الغنوشي تقوم فعلا باستنساخ ابن علي. وإلا فلماذا تستبعد المنصف المرزوقي وراشد الغنوشي وغيرهم من المناقشات بحجة أن أحزابهم غير قانونية! إلى أية قوانين يستند رئيس الحكومة المعين هذا؟ أإلى نفس القوانين القمعية لابن علي؟ وما القدسية التي لقوانين ابن علي ودستوره، والتي لا يمكن خرقها ولا كسرها؟ ولماذا تضطرني لفبركة رئيس خلال ستين يومًا؟
ثم على أي أساس ننتخب رئيسًا جديدًا؟ من قال أننا نريد نظامًا رئاسيًا يضع كل شيء الصلاحيات والسلطات بيد شخص الرئيس؟ نحن نريد رئيسا بسلطات محدودة للغاية، ونريد الحكم للبرلمان. نريد نظاما برلمانيا دستوريا حيث يقوم البرلمان باختيار الرئيس، ولا نريد اختيار الرئيس بالاستفتاء العام.
إن النظام الرئاسي يفرّخ الطغاة. لم يولد عبد الناصر ولا غيره من قادة الجمهوريات العربية طغاة. بل كانوا شبانًا متحمسين لبلدهم وأمتهم. لقد تأملت حال الكثير من رؤساء الجمهوريات العرب في رئاستهم الأولى، ثم قارنت ذلك بحالهم في الرئاسة الثانية والثالثة، فوجدت تغييرًا كبيرًا في سلوكهم وتصرفاتهم. لقد حولتهم السلطة المطلقة لسلطة إلى مجانين، انفصلوا عن واقعهم وعن شعبهم، وأصبحوا في كون آخر وحالة أخرى. أصبحت الدنيا تتمحور حول شخصهم، وأصبحوا هم القضية، ولم تعد لبدانهم وشعوبهم أية قدسية أو أولوية.
المطلوب تشكيل لجنة من جميع الأحزاب والنقابات والشخصيات العامة لاختيار هيئة تأسيسية لإقرار دستور جديد، دستور ليس فيه ظل من الإرث الاستعماري أو الدكتاتوري. وعلى ضوء هذا الدستور الجديد يتم الدعوة لانتخابات برلمانية. نريد أن نؤسس نظامًا يعطي كل الحكم وكل السلطة للممثلي الشعب المنتخبين فقط. نظامًا يقدس الحرية والمساواة والتعددية السياسية وتداول السلطة، نريد نظامًا يعطي الفرد حريته وكرامته ورفاهيته.
ويجب أن يعطى موضوع الدستور كل الأهمية، وكل الوقت، لأن هذا الدستور الحالي هو الذي حول فرحتنا بالمجاهد بورقيبة وبزين العابدين -الذي عقد عليه الناس الأمل- إلى معاناة طويلة. هذا الدستور سمح لبورقيبة أن يجعل مزاجه قانونًا فاشتط في نرجسيته إلى درجة القرف. وسمح لزين العابدين بممارسة القمع الوحشي الرهيب والإذلال والقهر الذي لا أجرؤ على تفصيله ووصفه. الدستور الحالي إرث بغيض يجب التخلص منه كلية. هذا الدستور لم يراع حتى دين البلد فمنع رئيسٌ الصيامَ وضيّق الثاني على الصلاة والحج. لذلك علينا أن نعيد صياغة فكرة الدولة التونسية لتعكس حقيقة أن ثمانٍ وتسعين بالمئة من سكان تونس عرب مسلمون. نريد دستورًا مدنيًا لدولة مسلمة معاصرة تكون نموذجًا يقتدى في العالم العربي والإسلامي ويلقى القبول في باقي العالم. ولا بد لكل أطياف الشعب التونسي أن تشارك في صياغة هذا الدستور بلا اسثناء أو إقصاء لأحد. ولا تسرّع في ذلك.
نريد تغيير المنهج وليس تغيير الأشخاص.
ثورة تونس أعظم حدث في حياتنا منذ قرون طويلة ونريد لهذه الثورة أن تنجح وأن تبلغ مداها الذي كان يعتمل في ضمير الشعب الذي صنعها. نريد الحرية الحقيقية ونريد الكرامة للمواطن العربي المسلم.