وتستمرّ موائدنا العربيّة في تقديم ما تملكه من بقايا المصير والهويّة العربيّة للعالم الغربيّ دونما أيّ جهد أو تعب ،، على طبق من ذهب ،، فتستمتع تلك الدول العظمى ( جسداً لا روحاً او ديانة) بنهش الكيان العربيّ قطعةً قطعةً ،، حتى تنفذ مواردنا ونبدأ بتقديم كبش الفداء على المائدة الأخيرة ،، ولن نخمّن حينها كم هي الأيدي التي ستمتدّ على الطبق الأخير وأي من دولنا العربية ستكون الأخيرة !!!
أهذا ما ننتظره أو ما نحسب قدومه مكتوفي الأيدي ،، مشلولي الحركة ؟؟
فالبداية في الأندلس وضياعها من أيدي المسلمين ، واستيلاء الإسبان عليها ،، وجاءت بعدها أرض فلسطين ، وبغداد الثالثة ، ناهيك عن اراض ودويلات ومناطق في لبنان وهضبة الجولان وغيرها من الأراضي العربية التي ضاعت أو أنها على وشك الضياع، وكأننا في العدّ التنازلي في هذا الوقت من الزمان ، فالحروب الأهليّة والتكتّلات الحزبيّة وغيرها من التجمعات والمؤتمرات الوطنيّة وأحزاب المعارضة ، أصبحت تزيد الأمر تعقيداً بعد أن كانت مظهراً من مظاهر الديمقراطيّة التي تنادي وتطالب بها غالبيّة دول العالم العربيّ ، إلا أننا وفي غضون الحالة العربيّة الطارئة التي نشهدها الآن فإن كل هذه الانقسامات ليست سوى عرقلةً للعمليّة السياسيّة وتنظيم أمور البلاد ، كما هو الحال في السودان ، فكيف إذا ما كان الطرف الحاكم نفسه من اوائل المنقسمين والمناصرين للحزبيّة ؟؟
فبعيد الصراع بين مؤتمر الحزب الوطني وقيادات الحركة الشعبية التي تنحدر غالبيتها من قبائل الدينكا في جنوب السودان ، أصبحنا في صدد مواجهة حروباً ليست أهليّة فحسب ، إنما حروباً قبليّةً قد تواجه الشعب السوداني ( شماله وجنوبه ) ، وتتركز في جنوبه أكثر حيث تنقسم حركات المعارضة فيه إلى عشرات القبائل وعشرات التكتلات ، وتمتدّ هنا اليد الأمريكيّة الحانية لمساعدة الجنوبيين ، وكم كان من السذاجة أن نردّ مساندة الولايات المتحدة الأمريكيّة للجنوب السوداني إلى أن غالبيته فقط مسيحيّة ، فليست أعظم دول العالم على هذا القدر من الغباء لتنفق ميزانيات بالغة وأمولاً طائلة لتنشر القوات في الجنوب لأسباب كهذه وحسب ، إلا أن نواياها التي يغفل عنها الشماليون والجنوبيون أكبر من ذلك بكثير ، لكن الاستفتاء الذي قدّم لها على طبق من ذهب أيضاً ، ودعمها للحركة الشعبية في الجنوب سيجعلها تستولي ليس فقط على ( أذن الجمل ) ، لكنها ستستمتع وتصول وتجول في أراضي الجنوب وتنهب من خيراته النفطية التي تبلغ 80% من موارد السودان البترولية ، في حين يتوزع الباقي الإجمالي في الشمال ، فلا غرابة إذن في مساندة الجانب الأمريكيّ للجنوب السوداني وقائد حركتها الشعبية سلفاكير ميارديت ورئيس حكومتها المقبلة ، الذي ما فتأ يسنّ القوانين والتشريعات لوضع دستور الدولة الوليدة لمرحلة ما بعد الاستفتاء ، ولم يكن ليفعل ذلك بهذه الثقة لولا أن الأمريكيين وعلى رأسهم السيناتور الأمريكيّ – جون كيري – من أوائل المناصرين والمؤيدين لانفصال الجنوب ، لتقوم بعد ذلك بمكافأة السودان بمسح اسمه من اللائحة السوداء للدول المرتبطة بالارهاب ، وكأننا في مدرسة ابتدائيّة نخاف من أي خطأ نرتكبه لئلا يدوّن الرجل الأمريكيّ اسمنا في هذه القائمة ، فإن استطعنا السير بطريق سليم كما تريد واشنطن دون ارتكاب الحماقات العربية كافأتنا بدورها بسحب العقوبات الاقتصادية عن البلاد ، فنفرح بذلك أيّما فرح !!! بل ونرجوها أن تخفف الديون عن كاهلنا الذي لا يقوى على الاستقامة بعد ان أثقلته حروب أهليّة وعصبيّات قبليّة ونتراتُ جاهليّة .
من جهة أخرى ، وبعد أن تنتهي نتائج الاستفتاء بالإنفصال ، لن يكتفي البيت الأبيض بالتربيت على كتف البشير لحسن تصرفه وعقلانيته التي أثنى عليها جون كيري في زيارته الأخيرة للجنوب ، بل إنها ستخلق كعادتها من يقوم بمهام العبث والتخريب او مساندته إن وجد على الأقل ، وهذا ما ستقوم به قيادة المعارضة الشماليّة برئاسة الصادق المهدي ، فلو أننا انتهينا من حرب الشمال والجنوب فلن يهنأ السودانيون بالسلام إذا ما قامت أحزاب وقيادات معارضة في الشمال بتهديد الأمن لتحقيق مطالبهم بعد أن فقد الجنوب على اعتبار أن الشماليين غالبيتهم يلقون باللوم على البشير في حال انفصال الجنوب وقيام دولتهم الخاصة وعاصمتها جوبا .
ولن ينتهي الأمر عند هذا الحد ، بل إن أصابع الاتهام الموجّهة للبشير بارتكاب جرائم حرب في منطقة دارفور ستزيد الأمر سوءاً ، وسيخلق عزله عن الرئاسة كما تتردد المخاوف حول ذلك توتراً جديداً في الشمال السودانيّ ، وحينئذ لن يفيده ثناء السيناتور – جون كيري – على خطابه الذي ألقاه مؤخراً حول قبول نتائج الاستفتاء في حين اختار الجنوبيون الانفصال ، وكوفئ البشير على ذلك بوعود من واشنطن بعلاقات جيدة !!!
فإلى متى سنبقى نحني ظهورنا لنقدّم لرعاة الحفل دائماً ( الأمريكيين ) قرار المصير على طبق من ذهب ؟!!