استخدمت الولايات المتحدة الأميركية قبل أيام حق النقض"الفيتو" مقابل إجماع الأعضاء الدائمين وغير الدائمين في مجلس الأمن ضد المشروع العربي بإدانة الإستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وكانت أربع عشرة دولة هي مجموع دول مجلس الأمن الدائمة وغير الدائمة قد أيدت المشروع العربي الذي طالب بوقف كافة المشاريع الإستيطانية الإسرائيلية في الضفة الفلسطينية المحتلة والقدس.
لم تجد الولايات المتحدة الأميركية أية صعوبة في تبرير هذا الموقف المعادي للقضية الفلسطينية. إن إسرائيل حليف إستراتيجي للولايات المتحدة ولا يمكن أن تخذلها، أو أن تقف ضدها في الحافل الدولية.
لقد وقف الفلسطينيون ومعهم العرب الشرفاء ضد كل أشكال الإستيطان التي قامت على أراض اغتصبها المستوطنون من أصحابها الشرعيين. ويأتي هذا الفيتو الأميركي ليشرعن هذا الإغتصاب، ويمنحه ضوءا أخضر، ويؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن السياسات الأميركية تؤيد اغتصاب الأراضي وإقامة المستوطنات عليها، وفي ذات السياق بناء جدار الفصل العنصري.
إنطلاقا من هذه الحقيقة الراسخة في السياسة الأميركية، فإن رئيس الولايات المتحدة باراك أوباما الذي استبشر المسلمون والعرب بعامة، والفلسطينيون بخاصة بأن فترة حكمه سوف تكون مغايرة، فخاب ظنهم، وأدركوا أن فترة ولايته كانت من أسوأ الفترات، قد قالها بصراحة إنه لا يستطيع الوقوف والصمود أمام ضغوطات اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة.
إلا أن سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة سوزان رايس، قد ادعت بعد عملية التصويت أن القرار بإدانة الإستيطان كان يمكن في حال تبنيه أن يشجع الأطراف على البقاء خارج نطاق المفاوضات، وقد سبقتها هيلاري كلينتون وزيرة خارجية الولايات المتحدة بتصريح مفاده أن إدانة الإستيطان الإسرائيلي سوف يؤثر سلبا على فكرة حل الدولتين. إن الأعذار والتبريرات الأميركية جاهزة ومعدة مسبقا.
إن الولايات المتحدة الأمريكية تعلم يقينا أن الإستيطان الإسرائيلي في الضفة والقدس هو خط أحمر، لا يمكن الإلتفاف عليه تحت أي ظرف من الظروف. لقد أوقف الفلسطينيون المفاوضات مع الإسرائيليين جراء إصرار الطرف الإسرائيلي على مواصلة المشاريع الإستيطانية التي لا تقف عند حد، والتي اجتاحت الوطن الفلسطيني جغرافيا وديموغرافيا.
إن حديث الولايات المتحدة عن"الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين" و"تهديد إمكانات السلام"، ما هو إلا ذر للرماد في العيون. عن أي سلام تتحدث أميركا؟، وماذا تبقى للفلسطينيين ليفاوضوا الإسرائيليين عليه؟. في اعتقادنا أن الحديث عن أي سلام والحال هذه ما هو إلا إسطوانة مشروخة، ونفاق سياسي، وخداع ما بعده خداع.
فلسطينيا هناك الكثير الذي يمكن أن يقال في هذا الصدد. لقد تجاوزت أعداد الفيتو الأميركية ضد القضية الفلسطينية الأربعين فيتو ونيفا منذ أن كانت هناك قضية، الأمر الذي يجعل من هذا الفيتو الأخير وسابقاته نهجا لا تحيد عنه السياسة الأميركية. إن المواطن الفلسطيني ليس ساذجا إلى الحد الذي تنطلي عليه مثل هذه التبريرات الساذجة أصلا والتي ليس لها إلا تفسير واحد هو الإنحياز التام.
فلسطينيا وعربيا، لا ندري لماذا سياسة التوجه إلى مجلس الأمن الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة الأميركية. ألا يكفي هذا الحصاد من الفيتو الأميركي؟. أليس والحال هذه مجلس الأمن هو الرهان الخاسر؟. ألا يعني هذا أن الولايات المتحدة الأميركية تكيل بمكيالين، وأن سياستها منحازة قلبا وقالبا لإسرائيل؟. وأخيرا لا آخرا ألا يعني هذا التوجه أنه حرث في الماء ومضيعة للوقت؟.
تذكيرا، على مدى نيف وخمسة وستين عاما هي عمر المنظمة الدولية، يمكن القول بأن الشعب الفلسطيني ومعه الشعب العربي لم يحققا أي انجاز يذكر. فهما وإن تمكنا في حين من الزمن من استصدار "قرارات الحد الأدنى لصالحهما"، إلا أنه وتحت ظلال الأنظمة السياسية العربية لم يحظيا بقرار حاسم واحد على الصعيدين اللفظي والتنفيذي. لكن الأهم من ذلك كله أن أي قرار حظيا به لم يكن له على أية حال رصيد على أرض الواقع.
إن الولايات المتحدة الأميركية تسعى بصورة مستدامة لحماية إسرائيل من الإدانة، والحيلولة دون تنفيذ ما ليس لها رغبة فيه، والتأكيد المستدام على الشراكة الإستراتيجية معها، إضافة إلى عدم تحميلها أوزار قرارات جديدة هي ترفضها بالأساس.
إن الأنظمة العربية التي تركت الفلسطينيين وحيدين أمام التوسع الإستيطاني، بإمكانها لو أرادت أن تغير هذه المعادلة، وتشهر أوراق ضغط كثيرة في وجه السياسة الأميركية المنحازة لإسرائيل والتي ثبت أنها قابلة للتغير فيما لو كانت هناك مواقف حازمة وجازمة من الأنظمة العربية.
كلمة أخيرة.إن العالم العربي بإمكانه أن يكون أحد القوى الفاعلة والمؤثرة في السياسة العالمية خدمة لقضاياه وأهدافه القومية. والأمم المتحدة بمجلس أمنها وجمعيتها العمومية ليست ساحة نزال للضعفاء. إن دبلوماسية الجري وراء استصدار المزيد من القرارت منها أيا كان لونها وشكلها هو العبث واللهث وراء السراب. إن العالم العربي وإن كان لا يملك حق النقض "الفيتو"، إلا أن ثرواته ومقوماته الأخرى هي أعظم فيتو في وجه كل الطامعين به والمستهينين بمقدراته إنسانا وأرضا ومبادىء.