إن مجرد الحديث عن منطقة التجارة الحرة على الصعيد العربي يجرنا إلى طرح تساؤل شغل بال الكثيرين و هو التالي : إذا كانت محاولات التكامل الاقتصادي العربي المعلن سابقا و باختلاف أ\\كالها لم تقو على تحقيق النجاح المنتظر فيما يخص بناء صيغة من صيغ التجارة الحرة على الصعيد العربي كوسيلة لإرساء التنسيق و التكامل بيت الاقتصاديات العربية, علما أن هذه الصيغة تعد أدنى درجة من الصيغ المعلن عنها سابقا؟ و قبل محاولة الاقتراب من الجواب لا مناص من التأكيد على أن الإشكالية ليست مرتبطة بهذه الصيغة بقدر ما هي مرتبطة أساسا بالإرادة العربية للتعاون و التكامل. فإذا توفرت الإرادة فلا تهم آنذاك الصيغ المعتمدة ما دام أن الأهم حاليا هو حضور قناعة العرب بضرورة العمل العربي المشترك في وقت تتسارع فيه الأحداث على الصعيد العالمي, و في ظرف برزت فيه عدة متغيرات أضحت تشكل تحديات جدية لمجمل الدول النامية و من ضمنها الدول العربية, و ذلك انطلاقا من تعاظم دور التكتلات الاقتصادية على الصعيد العالمي أكثر من أي وقت مضى.
و في هذا الظرف بالذات وجدت الدول العربية نفسها أنها في حاجة ملحة إلى الحماية, و لذلك طلبت العديد منها الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية و إلى اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي, و أيقنت أن التعامل مع هذا الوضع الجديد من شأنه أن يتحقق بصورة أفضل ليس عبر التفاوض الفردي لكل دولة على حدة و إنما في إطار التفاوض الجماعي بعد اتخاذ مواقف مشتركة لتقليص الانعكاسات السلبية للعولمة الاقتصادية.
ومن المعلوم أن منطقة التجارة الحرة العربية دخلت مرحلة التنفيذ منذ مطلع 1998 من خلال تفعيل اتفاقية تيسير التبادل التجاري بين الدول العربية, و قد صادقت على هذه الاتفاقية 19 دولة عربية. علما أن إقامة هذه الاتفاقية تنسجم مع التوجيهات العالمية المطبوعة بإنشاء تكتلات اقتصادية توفر القدرة على التعامل مع المستجدات الدولية المرافقة لانفتاح الأسواق العالمية على بعضها البعض, و ضمن البرنامج التنفيذي للاتفاقية تقرر أن يتم تخفيض الرسوم الجمركية و الضرائب ذات الأثر المماثل بنسبة 10 في المائة سنويا ابتدءا من 1997 لتصل إلى مستوى الصفر بحلول سنة 2007 لتحقيق التحرير الشامل للسلع من مختلف الرسوم عند دخولها الأسواق العربية كما, كما تم الإقرار بتعجيل فترة التخفيض بحيث تلغى كافة القيود سنة 2005 بدلا من سنة 2007, و النظر لتطوير منطقة التجارة الحرة إلى اتحاد جمركي عربي و سوق عربية مشتركة.
و مهما يكن من أمر فان إقامة منطقة التجارة الحرة العربية ليس مكسبا للصلح العربي عموما فحسب, لكنها كذلك تحقق فائدة مباشرة أكيدة لكل من البلدان العربية المشاركة. و لعل أبرز الفوائد تعريض الإنتاج الوطني لمناخ من المنافسة بعد فترة طويلة من التحصين بالحماية الجمركية. و هدا من شأنه الدفع لبدل جهود إضافية لتطوير الجودة و النوعية و اكتساب المقدرة لمواجهة و منافسة الإنتاج الأجنبي.
كما أن من نتائجها فتح الأسواق العربية على بعضها البعض و بالتالي توسيع حجم السوق و تخليص الأسواق القطرية من تقيدها بالقوة الشرائية المحلية و التي غالبا لم تكن تسمح بإقامة المشاريع على أساس الحجم الأمثل, مشاريع تتميز باقتصاديات الحجم و بانخفاض مستوى تكلفة الإنتاج ما دام الانفتاح سيؤدي إلى زيادة حجم الطلب الفعال و زيادة القدرة الإنتاجية بتشغيل كامل الطاقات, و هدا يمكنه أن يساهم في زيادة معدل النمو و رفع مستوى المعيشة.
و حدوث مثل هده التحولات من شأنها أن تشجع على زيادة حجم الاستثمارات و جدبها و عودة الرساميل العربية العاملة في الخارج, و كذلك عودة العلماء العرب العاملين في الخارج للمساهمة في تطوير البحث العلمي العربي و المساهمة في حل مشكلات التنمية الاقتصادية و الاجتماعية للمنطقة العربية. و بذلك يمكن تكريس سيرورة تطوير و إعادة هيكلة الاقتصاديات العربية بفضل تفعيل و إعمال التشابك و الترابط بين فروع الإنتاج على الصعيد القطري و الإقليمي, الشيء الذي سيعزز امكانات التخصص.
و علاوة على هذا و ذاك فان تحول العالم إلى مجموعة من التكتلات يفرض بالضرورة إن يواجه العرب هذه التكتلات بتكتل عربي من شأنه أن يصون المصلحة العربية, لاسيما و أن العرب في حاجة إلى المزيد من صلابة المواقف الجماعية.
إلا أنه لازالت هناك جملة من العقبات تعيق حاليا و بشكل ملحوظ تطبيق اتفاقية التجارة الحرة بين الدول العربية و على رأسها غياب الشفافية و المعلومات حول التعامل التجاري و التمييز في المعاملة الضريبية الشيء الذي يعطل فعل و مفعول المنافسة و اللجوء إلى تطبيق بعض الإجراءات التعسفية و الإصرار على عدم إزالة القيود الإدارية و النقدية و التقنية و استمرار هذه القيود و أساليب ملتوية للحماية يدعو إلى التساؤل مرة أخرى هل فعلا هناك حضور الإرادة الفعلية لتحقيق تكريس منطقة التجارة الحرة العربية؟
و حضور هذه الإرادة هو المدخل الأساسي للتمكن من الإجابة على السؤال الذي تصدر هذه المقالة ما دام التاريخ يفيدنا بأن غياب تلك الإرادة هي التي شكلت أحد الأسباب الرئيسية لفشل محاولة التنسيق و التكامل بين الاقتصاديات العربية في وقت كانت الظروف متيسرة أكثر من الوقت الحالي.
و يظل الجواب على التساؤل مشروطا بحضور تلك الإرادة.