ماذا تفعل عزيزى القارئ عندما تكتشف فجأة أنك كنت " مستغفلاً " من قبل وسيلة اعلامية ما وثقت بها، واعتمدتها مصدراً آمناً تستقي منه الأخبار، والتقارير..إلخ، بينما كان رئيس تحريرها لديه أجندة خاصة، وأنت بالنسبة إليه مجرد " بزنس " يضعك فى جيبه بعد أن يضلل وعيك؟!
وماذا تفعل إذا اكتشفت فجأة وأنت كاتب أو صحفي لديك فكر ومبدأ وذهبت وأنت بكامل قواك العقلية للعمل فى جريدة أو وسيلة اعلامية ما بدت تتوافق وما تؤمن به، ثم يتضح لك وبمحض الصدفة أن رئيس تحرير الوسيلة كانت لديه سياسة أخرى "غير معلنة " تتعارض وما تؤمن به، وأنه استخدمك لتنفيذها؟!
وماذا تسمى هذه الجريمة فى الميديا، خاصة فى الإعلام الغربي " النموذج " الذى يزعم البعض أنه يحذو حذوه، ويستقي تجربته؟ وما جزاء من يقترفها؟
هذا هو برأيي وباختصار شديد ما حدث، وما يهم، وما ينبغى أن يتحدث الناس بشأنه بعد حادثة تسريب مكالمة مسجلة على الإنترنت بين خالد صلاح رئيس تحرير اليوم السابع وشخص يدعى عمرو قيل أنه عمرو ممدوح اسماعيل ابن مالك عبارة الموت.
فأيا كان من قام بالتسريب فليهتم بذلك خالد صلاح، وليدفع وحده ضريبة " اللعب مع الكبار" بخسائرها، كما غنم من أرباحها بلا شك الكثير منذ انشاء المشروع قبل 3 سنوات وحتى 25 يناير2011، ليهتم وحده بمهاجمته بوصفه متضرر أول فى سمعته المهنية وهو بالضبط ما فعله فى البيان الذى أصدره، وفى مقال " الطظ "، الذى هاجم فيه القراء من " أعداء النجاح " ، وخانته هذه المرة " الشياكة " و " الأدب " التى تحدث عنها فى المكالمة، فدافع عن نفسه باستماته فجاءت الأعذار أقبح من الذنوب!
ما يهمنى شخصياً كـ"انسان" فى مكالمة هى حديث الوسط الصحفي والرأى العام فى مصر والخارج على مدار الأسبوعين الفائتين وحتى الآن، وما يهمنى بصفتى صحفية شاركت بالعمل- بكل أسف - فى هذه المؤسسة بالفعل هو اثنان، القارئ والصحفي.
فعلى الرغم من مغادرتى العمل فى المؤسسة فى الصيف الفائت، على خلفية خلافات مهنية مع رئيس التحرير آثرت بسببها أن انسحب من المكان الذى وبكل أسف كنت من المشاركين فى تأسيسه فى أكتوبر 2007، إلا أننى لم أتكلم عما كنت أراه حزمة من الممارسات الهزلية السيئة لرئيس التحرير وعلى مستويات عدة، معتبرة ذلك "أسرار عمل " لا ينبغى افشاؤها، ولأن أى كلام يصدر عنى حينها سيصنف على أنه " مكيدة " وليس " حقيقة " فسكتت وتركت للأيام كشف المستور، الذى تبين أنه " لاشئ " بعد صدمة المكالمة المسربة.
فالمكالمة " وش الخير " كما أحب أن اسميها، فسرت الكثير مما كان غامضاً لأمثالى من المهمشين داخل المؤسسة على الرغم من رئاستى لأحد الأقسام بها، فالآن فقط عرفت أيضاً لماذا كنت من المهمشين بل وحمدت الله على ذلك، عرفت أيضاً سر استجداؤه لبعض الأقلام الشريفة لكى تكتب فى الموقع أو الجريدة لفترة، وسر استعانته بالأكفاء من زملائنا الصحفيين ثم " هوجة " استبعادهم بالكلية أو تهميشهم أو حتى تطفيشهم خاصة بعد أن قطع الموقع والجريدة بالفعل أشواطاً بعيدة فى بناء " الأرضية " فى الشارع، ونجح بالفعل على المستوى المحلى، بل والعالمى، ومن ثم دخل فى مرحلة " اللى احنا عاوزينه " كما ورد بالمكالمة!
وهنا انبه عزيزى القارئ إلى أن " احنا " هنا لا يقصد بها سوى ما عبّر عنه رئيس التحرير فى مكالمته، وهو شأن علوى، فوقى، خط أحمر، ليس لأمثالى التحدث باسمه، وهذا أيضاً مما أحمد الله كثيراً كثيراً عليه، " احنا " يعنى " هم " وليس نحن المستخدمون فى بناء الأرضية.
ولماذا لا يقترب " اللى هما عاوزينه " وعام 2012 القادم " كان " عام التوريث المأمول، لقد "كان" على ما يبدو قد اقترب عند رئيس التحرير ومن يهاتفه " اللى هما عاوزينه " ولكن ثورة 25 يناير التى قام بها " نشطاء " الفيس بوك أو الخلايا النائمة كما يحلو لخالد صلاح تسميتهم أفشلت " اللى هما عاوزينه ".
ما شعرت به ببساطة حين سماع المكالمة هو " خديعة كبري "، كارثة، ألم فوق الإحتمال، ندم بعضه فوق بعض، أُخرج أرشيفي الصحفي من اليوم السابع مئات القصص الإنسانية، والموضوعات، والمقالات، كتبتها بقلمى، وأشرفت على بعضها، فلا أكاد أراها، وجع معنوى حائر، تائه، كسير، إنه النجاح " المُرّ".
لقد كانت أمامى فرص عديدة للعمل فى أى اصدار صحفي قومى منذ تخرجى من كلية الإعلام فى العام 1993 ولكننى لم أفعل حتى لا أسجن قلمى، أو أكتب عليه الشقاء فى أن يكتب شيئاً غير قناعاته، أو على أفضل تقدير يتم تهميشي وتعطيل قلمى فى مؤسسة لا أجارى سياساتها التحريرية الحكومية كما هو الحال بالفعل مع بعض الزملاء فى الصحف القومية، وفضلت أن أسلك بقلمى دروباً وعرة مقارنة بدروب الصحافة القومية وتسهيلاتها، ومغانمها، فكيف تنحرف مسيرتى إلى هذا الفخ الآن، " أنا مع النظام "؟!، كيف أذهب بكامل قواى العقلية للعمل فى صحيفة كانت تقول أنها مستقلة، ثم تكون المفاجأة، " أنا مع النظام "؟!
مساحات من الندم عريضة تلفنى كلما تذكرت أننى كتبت بالفعل مقالاً فى الموقع قلت فيه صادقة أن اليوم السابع مولودى الرابع، وأننى دافعت عن اليوم السابع كثيراً كلما سمعت من يلمز ويغمز بأن تمويلها من ممدوح اسماعيل.. إلخ، فحماستى للمشروع لم تكن تسمح لى قط وقتها بمجرد تخيل هذا الأمر، بل وكنت اشترى أعداداً من اصدارها الورقي من مالى الخاص وليس من " المخصصات " لكى أهادى بها شخصيات مهمة، أو أخرى تهمنى، فعلت ذلك كله بإخلاص وحب، وبلا مقابل، أو زيادة فى راتب، وكنت أعتبر نفسي صحفية بالمؤسسة، ومندوب مبيعات، وكل شئ، وكأنها مشروعى الخاص.
أحببت صدقاً المكان وكنت أشعر – وهو ما بدا لى من بعد وهماً – أنه بيتى الثانى، وزملائي وزميلاتى أسرتى وأولادى، أما خالد صلاح فهو وكما كان يردد فى البداية" أخوكى الكبير"، وكنت أعتبر نفسي ممن بنوا فيه ولو حائطاً صغيراً، كان يريد الأشرار فى المكان دائماً هدمه، وكنت أدافع عنه حتى الرمق الأخير، ففى اليوم السابع " بشر" يخطئون مهنياً، وادارياً، بشر من أهل الثقة وليس الكفاءة، ويتم التغاضي عن أخطائهم، بل وتبريرها أحياناً وايجاد الأعذار لها أحياناً أخرى، وآخرين يتم ظلمهم ظلماً بيناً ولا يري الأشرار فى تقاريرهم عنهم سوي نصف الكوب الفارغ، ولكن من يجرؤ على الكلام بصدق فى اليوم السابع.
لقد اكتشفت متأخراً أنه علىّ أن أغادر، عندما بلغ السيل الزبي، واشتدت وطأة الظلم علىّ، واستنشقت الزفير، وندمت لعدم مغادرتى منذ زمن مع زملائي المحترمين الذين غادروه وهم كثر، وكلهم كفاءات صحفية، ومعظمهم ممن يشهد له إلى جوار كفاءته الصحفية بتمسكه بمبادئه وآرائه غير القابلة للتحويل أو الإنحراف لصالح مجموعة أو شخص.
ندمت على أننى ألجمنى الخوف أياماً فى هذا المكان، وقد كان يُطلب منى أن أظلم المحررة فلانة وأقهرها باعتبارى رئيسة قسم، لأن رئيس التحرير غير راض عنها، فكنت أظهر الإنصياع أمام جبروت السيد رئيس التحرير بينما كنت أذهب للضحية لكى أتفق معها على أن نؤدى أدواراً فى تمثيلية تنجيني من عقابه إن رفضت رفضاً مباشراً، وفى الوقت نفسه لا أوقع عليها " ظلماً " لا أرتضيه أراد توريطي فيه .
ندمت على أننى شاركت بسذاجة فى صنع " الأرضية " – ويا ويلتاه - فالجزء الخاص بالإنسانيات كان تخصصي بالجريدة وقد حقق تواصلاً مع أوجاع وقضايا ومشاكل البسطاء خاصة، وهو مما يشهد له غيري، فشهادتى على صفحتى وشغل زملائي فيها مجروحة، ولكننى أشهد الله أننى كنت أؤدى عملى بها بإخلاص، صيانة لكرامة وشرف قلمى، ورغبة فى إيجاد حلول لمشاكلهم بقدر المستطاع، واحتراماً لتاريخي الصحفي الذى لم يبدأ فى اليوم السابع وإنما سبقه بسنوات فى جريدة الشعب، والعدد الأسبوعى للدستور، وجريدة الحلوة، وموقع اسلام أونلاين، وغيرهم من مواقع وصحف عملت بها لسنوات فى داخل مصر، وأثناء سفرى خارجها.
ولأن رب ضارة نافعة، فقد كانت اليوم السابع بالنسبة لى " محطة " ضمن محطات مشوارى الصحفي، ندمت فيها على كل خطأ، وكل ثقة لم تكن فى محلها، وأحمد الله أننى غادرتها ولم أخسر نفسي، ولم أخف تجويعاً لأطفالى، ولا قصفاً لقلمى، غادرتها قبل أن تغادرنى، وقبل أن اسمع مكالمة مسربة تصرخ فى وجهى قائلة "لقد كنت من المغفلين"، غادرتها وقد تعلمت من تجربتى فيها ومن كل تجاربي الخاطئة فى الحياة أن الثقة واليقين لا يكون إلا بمالك الكون وموزع الأرزاق، فكانت تجربة قوتنى ولم تقتلنى، أشكر رئيس تحريرها على كل ضرباته التى كان لى منها النصيب الأوفر، وأشكر كل من ساعده، أشكر كل الأشرار الذين ساعدوا على رؤية النهار.
هذا عنى، كصحفية كنت أعمل فى هذا المكان، وكان من الواجب أن أقول شهادتى، ولازال خالد صلاح فى مكانه، ربما لازال "بيضرب ويلآقى" كما اكتشفنا، وربما مع النظام، الذى لم يسقط بعد، ولا زالت أركانه، ورجالات أعماله ترتب وتعد لثورة مضادة، كما تدل الشواهد وتتوارد الأخبار.
أما القارئ الكريم فله علىّ حق الإعتذار، وإن لم أشارك فى اللعبة السمجة، الخبيثة، إلا أننى اعتذر احتراماً لثقة القارئ وعقله ووقته وماله، احتراما ً لكل هذه الأمانات التى يودعها الله فى رقابنا بحكم طبيعة مهنتنا، وشرفها الواجب احترامه.
ولزملائي باليوم السابع ممن عاتبونى على " العشرة " وممن تم استعداءهم عليّ مراراً، على طريقة " فرق تسد "، وفى محاولات فاشلة لتدمير رصيد الإحترام المتبادل بينى وبينهم، لهم جميعاً أقول، هذه تجربتى وهذه شهادتى، ليس لها بهم علاقة، ففى اليوم السابع شرفاء كثيرون، وشباب طامحون، نابهون، هم من صنعوا بحق هذا النجاح، وسيكون مستقبلهم هو الأفضل بإذن الله، وليس بإذن خالد صلاح، أقول لهم هذا وأنا أكبر بعضهم بأكثر من العشر سنوات ومن واقع الخبرة والحياة، أقول لهم أنتم فقط من تصنعون مستقبلكم، وأن البقاء للأكفأ وللأشرف، فلا تخسروا أنفسكم لأجل أفراد.