هذه المعادلة الرياضية اكتشفتها وأتقنتها في كلية العلوم في جامعة دمشق قبل ثلاثين عاما، نفس الكلية التي خرج طلابها يوم الاثنين الماضي يهتفون للحرية، وبأن الشعب السوري واحد، فأبى النظام الذي يخوفنا بالطائفية والانقسام إلا ان يُضرج الحرم الجامعي بدمائهم. أعادتني صور بطولتهم الخارقة - وكذلك إخوانهم في كلية الآداب في جامعة حلب- إلى أيامنا التي حفلت بحادثات جلل كانت الجامعة فيها أرض كرّ وفرّ وحصار وهجوم مسلح وتفتيش واعتقالات واغتيالات، تعلمنا بعدها هذه المعادلة التي تختصر صورة وطن مذبوح مختطف ، معادلة ترسم معالم قدرتنا على الاستمرار في محاولاتنا قرع باب الحرية، كما هي محاولات هذا الجيل الذي قُمِع بنفس الأساليب.

لكن الفارق الصارخ ، أنه جيل يفقه متغيرات التاريخ ،ثورته سلمية رغم أنف الكذب والتضليل على الطريقة القذافية المقززة بحذافيرها، وإنسانية تحررية جامعة ، لاطائفية ولاعرقية ولاقومية ولادينية ، ثورة شعب واحد ليس لأحد فيها فضل غير أبنائه في الداخل ،الذين يُسامون سوء العذاب ، ولايصل من معاناتهم إلى وسائل الإعلام إلا النذر اليسير ، والذي على ندرته يشكل فضيحة رنانة لنظام تواضع الجميع على مراعاة "خصوصيته" في سياق الثورة الكبرى التي تشهدها المنطقة ، إكراما للقضية الفلسطينية التي تعتبر لدى الأمة خطاً أحمر، ولكن وكما قال الصحفي والإعلامي السوري نبيل شبيب : "لاينبغي أن يمر تحرير فلسطين وأهلها عبر تركيع سورية وشعبها".

(باطل زائد بطش لايساوي حق )، حتى لو استمر البطش دهراً ، آلة سحق رهيبة تدور وتفرم كل من يُحَدث نفسه برفع الصوت ، فلاصوت يعلو إلا صوت المعركة ، المعركة ...المؤجلة منذ سقطت القدس والجولان ، دون أن تتمكن ذبابة من اختراق الحدود التي تحرسها جيوشنا "الباسلة" ! .

معادلة لاتخطيء ، أثبتها التاريخ ، وبرهنت عليها هبّات شعوبنا بعد سنوات البطش والتكميم والترويض، والتعتيم الإعلامي ، والاستغباء ومحاولات الغسيل الدماغي الجماعية، القوة العمياء لا تحول أصحاب الباطل إلى أصحاب حق ، وهم يجتثون مناوئيهم بأقذر أساليب الوحوش الضارية التي تسلخ جلد فرائسها بعد قتلها ، الاعتداء على المصابين العُزَّل الذين تساقطوا برصاص قوى الأمن السرية والعلنية ، الإجهاز على الجرحى في ساحات معارك غير متكافئة بين أعوان الباطل المدججين بالقوة ، وأصحاب الحق الذين لايملكون إلا أجسادهم وصوتهم الذي أرعب الباطل وزلزله، كذلك فعلت صيحة البوعزيزي في تونس ، وصورة تمزيق وجه خالد سعيد في مصر ، ودموع إيمان العبيدي وثبات رنا العقباني في ليبيا ، وتَلَوي أجساد شباب التغيير في اليمن تحت تأثير السمّ الذي دسّه لهم مجرموا "العائلة المالكة" في الهواء الذي يتنفسون، هكذا فعلت بالشعب السوري جراح أطفال درعا المعتقلين ودماء شهدائها المظلومين، في سياق ثورة عارمة لن تستثني أحدا في المنطقة .

ينهال شياطين الطغيان دون رحمة على جسد ملقى على قارعة الطريق ، بين درعا والحسكة ، مرورا بالقامشلي إلى دوما ، حيث تتقاطع بانياس مع كفر سوسة ، في امتداد يصل القاهرة بتونس ببنغازي ، وطرابلس بصنعاء بالمنامة ، وعمان بالرباط ، وتنفجر من كلية العلوم في دمشق صيحات الحرية تتجاوب مع نداآت الوطن الواحد في جامعة حلب، هاهنا شعب واحد يريد الحرية ، شعب واحد يرفض الطائفية ويرفض الارهاب ويرفض الفتنة ، فزاعات طالما استخدمتها هذه الأنظمة لتبقى في السلطة تمتص دماء الناس ،واحد إثر آخر يستخدمون نفس الفزاعات ، واحد إثر آخر يستخدمون أساليب البطش والكذب ، وواحد إثر آخر سيسقطون ويهزمون، وسيشرق الفجر.

ليعد أصحاب القوة إلى التاريخ ليروا بأن القوة قط لم تغلب الحق ، سبعون عاما  من الذبح الشيوعي المتواصل لم تحل دون قيام الشعوب من حفلات ذبحها لتقضي على الشيوعية في عقر دارها ، أربعون عاما من حكم الجنرال فرانكو بالقتل والإرهاب ، لم يمنع أن يبصق الشعب الإسباني على تاريخ الديكتاتورية في إسبانيا ،ان القوة الغاشمة لاتحول قط حق الشعوب في مطالبتها بالحرية والكرامة والحياة إلى باطل ، كائنة ماكانت حجم عمليات التمويه والكذب التي تمارسها سلطات الباطل ، إن الطغيان لحن جنائزي بغيض ، لايمكن لأعداء الحرية أن يجعلوا منه لحناً وطنيا لدول تبنى على جماجم الشعوب إلى الأبد ، فكل هذا الحجم من القوة والجبروت لم تفلح في إقناع أصحاب الحق بالعدول عن المطالبة بحقهم حتى لو فنيت في سبيله الملايين.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية