أيها المنزرعون في الارض المقدسة , أيها الواقفون أشجارا في وجه اعصار الحقد والاستئصال , أيها المدافعون عن الحق المغتصب والمضيع والمعروض للبيع بأبخس الأثمان, أيها الثابتون الصابرون المرابطون على ثغر الأمة الأخير , أيها الدافعون من دمائكم وراحتكم وأمنكم وحريتكم وفلذات أكبادكم ثمن سكوتنا وخنوعنا وجبننا ومواتنا وتقهقرنا وذلنا وعفننا وسلبيتنا , أيها المُتّحدّون كل المؤامرات الداخلية والخارجية أيها الضاربون عرض الحائط بكل المخططات الاستسلامية والتطبيعية , وكل المهازل التي مضت ككُرةٍ من النار تهرول متضخمة نحو جدار صمودكم.. ثم لم تلبث أن عادت إليكم فقبضتم عليها جمراً يفضح ارتكاس هذه الأمة بكل طبقاتها وكل فئاتها وكل أجنحتها وكل انتماآتها.
سلامي لكم ياأهل الارض المحتلة , أيها المنزرعون في قضيتكم – قضيتنا – لا تبارحون , الثابتون على حقكم _ حقنا _ لاتنثنون, الباقون على الثغور بانتظار "صلاح الدين" مائة عام لاتملون ولاتتعبون.
سلامي لكم أيها المنصهرون في حب الاقصى , تستمدون من شموخه شموخكم , ومن قدسيته ثباتكم , ومن بقائه وجودكم ..أيها الملتحمون بالتراب الذي اكتسب عذريته من طهر دمائكم, وحياته من سقوط شهدائكم عليه , يتوسدون فيه أول خطاهم نحو الخلود.
سلامي لكم ..ياأهل الارض المحتلة ..يامن أمسكتم مشاعل الأمل الوحيدة المتبقية لهذه الامة , ولم تتركوها ولم تتنازلوا عنها , وعلى الرغم مما اِتُّهمتم به من خيانات وبيع للقضية , فان ثبات من ثبت منكم كفيلٌ بغسيل أي عار فردي أو جماعي كان قد نُسب تاريخيا الىالشعب الفلسطيني, الشعب العربي الوحيد الذي لم يَهن في غالبيته ولم يذل للاستبداد ولم يرضخ للقهر , ولم تخدعه شعارات السلام والتطبيع والتفاوض ودويلة الفسيفساء وسلطة الممرات الآمنة , ولكنه و على الرغم من ذلك قام بضرب مثل ٍخارق ٍ في قدرته على ضبط النفس والالتزام والتنسيق والحنكة السياسية البالغة.
الشعب الوحيد الذي لم تشغله الزوابع المفتعلة في فناجين الحُمق عن القضية الرئيسية , ولم يلفته تسلق أعشاب البحر السامة حياتنا الثقافية عن طبيعة المعركة وجوهر الصراع الذي كان من المنتظر أن يستقطب تلك الجهود المُضيّعة في السخافات بينما القدس ماتزال تلتهب بنيران الاستيطان , والأقدام النجسة ماتزال تصر على انتهاك حرمتها.
سلامي لأيديكم القابضة على حجارة الانتفاضات, أشرف و أسمى وأقدس جهاد عرفه العالم اليوم , سلامي لأرجلكم تُذكّر الارض كلما راحت وجاءت فوقها بأن أهلها لن يتخلوا عنها.
سلامي لجباه نسائكم الشامخة المتحدية كل أنواع الضغط والسحق والحرمان , سلامي لبسمات أطفالكم تمسح في كل يوم دموع الألم عن المساجد الحزينة.
سلامي لصلاتكم وتسبيحكم , وركوعكم وسجودكم, ومُضيّكم على درب الحق الذي لن يصبح باطلاً أبدا, على الرغم مما فعلناه نحن, وماقمنا به من تضييع وتنازل وخيانات مقصودة وغير مقصودة , فسلخنا القضية عن لحمتها الاسلامية , وحصرناها في قوقعة قومية لا همّ لها الا ان تجني المكاسب والتصفيق باسمها , ثم تخلينا عنها جملة وتفصيلا , وجعلناها قضية فلسطينية لادخل لنا فيها, وأعاننا على ذلك تصرف بعض أفراد سلطتكم الذاتية المخدوعة بتنكب العرب ووعود الاعاجم.
وتركناكم هنالك وحدكم في ساحة المواجهة , حتى جاءت ساعة الصفر السياسية , ووصلت المرحلة الاخيرة من مهزلة التسوية لتفضح كل خزي وخيانة وعار عربي , ومهما كانت الأقنعة التي يتلبس بها , فلقد انكشفت الساحة عن قضية لاتقبل المساومة و مهما قلّبوها على كل وجوهها , ولاتقبل المهادنة ومهما قدّموا من تنازلات ذليلة , لقد انكشفت الساحة عن قضية لاحلّ لها , ولامخرج, لأنها قضية المحور الرئيسي لثوابت هذه الامة , قضية صراع الحق والباطل الأزلي الذي حاولنا أن نرتاح من حمل أمانتها فأبت الأمانة الا أن تعود الى أعناقنا رغم أنوفنا ......ولم يعد لنا من سبيل للخروج من مستنقعاتنا الا السير على أثر أهل الارض المقدسة , بالصبر والثبات والتعايش مع المحنة , والجهاد المرّ المرير , والصبر على جمر الحق يلتهب في أيدي القابضين عليه حتى يظهره الله أو نهلك دونه, هذا الحق الذي نامت أعين الجبناء عن الدفاع عنه والاستماتة دونه , وأخلدت الى الارض والتصقت بها ذلاً وعاراً وهي تبحث عن وسيلة تخلصُها من عبئه يوم فقدت ثقتها بالله والانسان والحاضر والماضي والمستقبل.