المتابع للأحداث السياسية وتطوراتها على مستوى المنطقة العربية او اقليميا او على المستوى الدولي يرى قيادات وشخصيات سياسية مختلفة المشارب والتوجهات لكنها تشترك – حاليا - في شيء واحد جميعها تبدو كلاعب بوكر سيء الطالع ، فنوع اخطائهم وسوء اختياراتهم هو الامر المشترك بينهم ويمكن ان نبدأ بكاميرون رئيس وزراء بريطانيا الذي يبدو انه اساء فهم المزاج العام للشارع البريطاني وراهن على تمرير مشروع ضربة عسكرية لسوريا على خلفية استعمال الاسد لأسلحة كيماوية ضد مدنيين ، ويبدو انه تناسى المقدمات المتشابهة بين هذه الحاله والتي سبقتها من وقوف بلير الى جانب بوش ودعمه سيء السمعة للحرب في العراق 

 وتغاضيه ايضا عن ان بريطانيا هي الدولة التي ادانت – شعبيا -الحرب على العراق وتجسد ذلك فعليا ورسميا بمساءلة رئيس الوزراء بعد ثبوت عدم وجود اسلحة دمار شامل لدى صدام حسين ، ربما توقع كاميرون ان الشارع البريطاني سيتسامح مع فكرة الضربة المحدودة خاصة مع وجود قرائن لاستعمال اسلحة كيماوية وظن ان تنازلاته ستجعل المعارضة تليين وتمرر مشروع القانون لكن حدث العكس وتلقى كاميرون اهانة علنية كان يمكن ان يتفادها لو فهم التاريخ بشكل جيد ، و قد كانت هزيمة كاميرون نهائية عندما اقر انه لن يمرر مشروع قانون مشابه حتى لو استعمل الاسد الاسلحة الكيماوية مرة اخرى .

نفس الخطأ وقع فيه اوباما عندما اعلن ببلاغته المعتادة عن انه يجدر معاقبة الاسد ، متجاوزا حقائق جوهرية تتعلق بطبيعة ادارته التي تم تكوينها ليغلب عليها التوجه الاصلاحي بهدف اعادة بناء "امريكا قوية " فهي ادارة اقتصاد و لديها اجندة طموحة في مجالات السياسة الاجتماعية والبيئية ودعم الطبقة الوسطى ، لكنها لا تصلح لإدارة هحمات عسكرية ، كما ان اوباما في حد ذاته ليس رجل حرب وتاريخه يعكس ذلك فهو الذي عارض الحرب على العراق ودعا الى انسحاب الجيش من الاراضي العراقية ، فضلا عن المعارضة الشعبية التي تتخيل ان أي عمل عسكري مهما كان نوعه يعني عراق او افغانستان جديدة هذا في الوقت الذي تناقصت فيه خيارته الواحد تلو الاخر فالمحللون العسكريون من البداية استبعدوا فكرة الهجوم البري لأنه مكلف وسيرفضه الشعب الامريكي وفكرة الحظر الجوي نظرا انها تعرض الطيارين الامريكيين للخطر ، كما ان اللجوء الى مجلس الامن بقي مستبعدا فالمعارضة الروسية افرغته من مضمونه ، فلم يبق لدى اوباما سوى خيارين سيئين هما بناء حلف دو لي او اللجوء الى عمل منفرد غير مكلف سياسيا وعسكريا .
بدى اوباما مرتبكا امام صوت الكرملين العالي وهزيمة كاميرون المذلة وتراجع حلفائه الى الخنادق ، وعانى في الفترة الاخيرة من الكثير من النقد من قبل الجمهوريين ، وليس مصادفة ان تظهر وجوه من ادارة بوش السابقة لتقدم النصح للبيت الابيض مثبتة عدم كفاءته في ادارة مرحلة مماثلة .
موقف السعودية في اجتماع وزراء خارجية الدول العربية الذي بدى متعارضا مع الموقف الرسمي المصري ، يدفعنا للتساؤل هل كانت السعودية موفقة في دعمها للانقلابين في مصر ؟ خاصة وان مواقفهم فيما يبدو من سوريا ونظرتهم اليها تختلف عن نظرتها وأجندتها ، وهل كانت محقة عندما وقفت في خط متواز مع اردوغان الذي فضل ان يدعم الاخوان المسلمين ، وصنف عزل الرئيس مرسي على اساس انه انقلاب ، وهو المؤيد الان للضربة العسكرية للأسد بل ومناداته ايضا بإسقاط نظامه ، عندما قررت السعودية معاقبة حليفتها الرئيسية _الولايات المتحدة الامريكية _ بدعم الجيش المصري ، هل فكرت في الملفات الاخرى مثل الملف السوري وكيفية ادارته مع حلفائها الجدد .
نفس الامر يمكن ان يقال عن الاسد الذي تمادى كثيرا في حربه ضد المعارضة المسلحة ، الى حد احراق الاخضر واليابس واستعمال كل انواع الاسلحة ضد المناطق التي تسيطر عليها المعارضة بما فيها الشبهة الاخيرة لاستعماله اسلحة كيماوية محرمة دوليا ، لقد اساء كثيرا فهم طبيعة المجتمع الدولي فروسيا تمد يدها اليوم للمعارضة وإذا وجدت انها يمكن ان تحقق مصالحها بدعم المعارضة فستتخلى عن الاسد ، وبالفعل قد حدثت لحظات جمود وفتور في العلاقة بين دمشق وموسكو لا يمكن تجاهلها وان كان الغالب على الامر هو الدعم المطلق ، لكن الى متى سيظل يحتمي بغطاء الكرملين السياسي والدبلوماسي ، وهل سيمنع هذا من عدم متابعته من قبل المحكمة الجنائية الدولية ؟ حتى وان نجى من الضربة العسكرية المزمع توجيهها بغرض معاقبته .

تدقيق: لجين قطب.

 

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية