حينما يبكي طفلك؛ خائفًا أو جائعًا أو متألمًا من أيّ شيءٍ كان؛ فإنّكَ تودّ لو أن تفتديه بكلّ ما تملك؛ فقط كي يزول عنه ذلك الألم الذي لم يتعدى الدقائق!
تخيّل طفلك هذا وقد سكن الرعب قلبه؛ متشرّدًا يفرّ من الموت؛ لا مأوى ولا ملجأ له؛ ولا قدرة لك في مساعدته، فيُباد من بطش العدو، حينها ماذا ستفعل؟ تخيّل؛ ترى أختك؛ مكسورة مجروحة؛ وقد هُتكت كرامتها وجُرحت براءتها، كنت تتمنى أن تموت ولا يُمَسّ شرفك؛ وقد مُسّ الآن حقًّا، حينها ما كنتَ تفعل؟ تخيّل أمك؛ زوجها شهيد؛ ابنها أسير؛ ابنتها مكسورة؛ طفلها جائع عليل، ترتجي عدوًّا فيضربها، حينها ما كنتَ تفعل؟
من المؤكد أنّ مجرد تخيل هذه الأمور مؤلم وقاسِ جدًا على النفس، فكيف بشعوب تعيش في هذا السيناريو على مدى سنوات؟ تعددت الأمراض والأوبئة؛ انتشر الجوع؛ هُتكت الأعراض وهُدّمت البيوت؛ لا أمنٍ ولا أمان، زادَ عليهم جبروت العدو وغدر الصديق، وفي كل ساعة يزداد عدد شهداءهم وجرحاهم وأسراهم، تعرضوا لأشدّ أنواع الغدر والبطش والتعذيب والتنكيل، ولك أن تتخيل حجم المأساة التي يعيشونها، فمن الظلم أن ترى كلّ هذه الجرائم ولا تبذل أدنى جهد في سبيل نصرتهم، بل تقف في صف عدوهم للنيل منهم؛ وتكون أنت وعدوهم عليهم؛ فقط لأنهم ينتمون لحزب غير حزبك أو لجماعة غير جماعتك! مبررًا سبب خذلانك لهم بأنهم جماعات إرهابية لا يجوز نصرتها؛ مُتناسيًا قوله تعالى: "وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ"، وقول رسوله الكريم: "لَزَوالُ الدُّنيَا أهونُ عندَ اللهِ مِنْ إِراقةِ دمِ مسْلِم".
بعيدًا عن أمور السياسة، بعيدًا عن تصنيف الجماعات والأحزاب، بعيدًا عن كلّ مسببات المظاهرات والفتن.. فكّر بإنسانيّة؛ فكّر بالأطفال؛ بالنساء؛ بالشيوخ؛ ما ذنبهم؟! ضع نفسك مكانهم وما لا ترضاه لنفسك؛ ظلمٌ أن ترضاه لغيرك، فإن صعب عليك نصرتهم بالنفس؛ وبخلت عن نصرتهم بالمال؛ وتثاقلت عن نصرتهم بالدعاء؛ تذكر أنك ستُسأل عن موقفك أمام الله جلّ في علاه؛ فاحفظ لسانك وحكّم عقلك ولا تكن شريكًا للظالم في ظلمه.
أخيرًا أقول؛ اللهم إني أبرأ إليك من كلّ قطرة دم أريقت دون وجه حق، ومن كل دعمٍ مادي وسياسي ضد المسلمين المستضعفين، اللهم انصر بلاد المسلمين في كل مكان.