القطاع الثالث (tertiary sector) في الاقتصاد هو قطاع الخدمات التي تشمل التجارة؛ والتسويق؛ والبنوك؛ والاتصالات؛ والمواصلات؛ والعناية الصحية؛ والتعليم ... إلخ، حيث أن القطاع الأوّل هو قطاع الزراعة؛ والقطاع الثاني هو قطاع الصناعة؛ أما القطاع الثالث (tertiary sector)في إدارة شئون الدولة والمجتمع هو القطاع الذي يأتي بعد القطاعين العام والخاص؛ ويطلق عليه القطاع غير الربحي (Non Profit Sector) أو القطاع التطوعي (Voluntary Sector) أو القطاع الخيري (Charitable sector)، ونظرًا لهذه الطبيعة غير الربحية لهذا القطاع؛ فقد اصطلح على اعتبار إدارة مؤسسات القطاع الثالث فرعًا من علم الإدارة العامة وليس إدارة الأعمال.
ويمكن اعتبار أنّ هذا القطاع مسددًا ومكملًا وموجهًا للقطاعين؛ الحكومي والتجاري، فهو قوة إدارية مساندة للقطاع الحكومي؛ يعمل على سد ثغراته؛ ويعالج تقصيره؛ ويقوي نفوذه؛ ويكسبه قوة اقتصادية وسياسية؛ ويستفيد من نتاج دراساته العلمية في تخفيف الضغوط الخارجية والتدخلات الأجنبية، والقطاع الثالث مسهم فعال في دعم السلطات الثلاث في الدولة؛ وتخفيف الأعباء عنها، كما أنه يكبح جماح وجشع القطاع التجاري؛ ويهذب سلوكه، وهو يستوعب جميع أنواع الأعمال والبرامج التطوعية وينظمها ويوجهها الوجهة السديدة.
وأما مكونات القطاع الثالث فتتمثل في عدة أنواع من المؤسسات؛ أبرزها ما يلي:
1- المؤسسات غير الربحية: ( مدارس؛ جامعات؛ مؤسسات؛ مستشفيات؛ إعلام)، وهي تقدم خدماتها بمقابل غير ربحي أو بدون مقابل، وليس من العجب أن أبرز الجامعات على مستوى العالم هي من هذا القطاع مثل ((Harvard University، كما تعد جامعة الأمير سلطان غير الربحية رائدة على مستوى المملكة العربية السعودية في هذا المجال.
2- المؤسسات الخيرية والوقفية: ولها أثر كبير في الشراكات مع القطاع الأول والثاني في جميع عمليات التنمية.
3- الجمعيات الخيرية والأهلية: حيث تشهد نموًا كبيرًا.
4- مراكز الحوارات الوطنية: فبالحوار تضيق المسافات؛ وتنحسر الخلافات أو تتلاشى؛ ويتحقق التقارب في وجهات النظر؛ وهو ما يؤدي في النهاية إلى تقوية نسيج الوحدة الوطنية.
5- مراكز الحوارات الدينية والحضارية: وهي تلعب دورًا هامًا في تصدير مفاهيم الثقافات في الأمم الأخرى وبين الأمم؛ ودفع التهم؛ وإزالة الغموض؛ ورد الشبه؛ وإقامة الحجة؛ ونزع فتيل الأزمات من أجل التوصل إلى أفضل السبل للتفاهم والتعاون والتعايش بين الشعوب.
6- المنظمات الدولية عابرة الحدود: ولها أهمية قصوى في تقوية السيادة الوطنية للدولة؛ ودعم سياساتها الخارجية من خلال معوناتها وبرامج أذرعتها الخارجية الإغاثية والثقافية والتعليمية.
7- مراكز الأبحاث والدراسات المستقلة عن الحكومات، وهذه المراكز لها جهود عظيمة في مسيرة التطوير والتنمية لجميع قطاعات الدولة؛ مثل (RAND Corporation)؛ وهي مؤسسة بحثية أمريكية نشطة في التوجيه العلمي السديد للحكومة الأمريكية؛ ولذا تنفق الدول الغربية مليارات الدولارات على مراكز الأبحاث.
وثمة مؤشرات لقوة القطاع الثالث في الإدارة الحديثة للدولة، ومن أبرز هذه المؤشرات هو وجود قوانين ولوائح تحدد آليات العمل التطوعي وتشجع عليه وتنظم عمل هذا القطاع وعلاقته بالإدارة
الحكومية على نحو يدعم أنشطة هذا القطاع، وأن يكون قطاعًا شاملًا لمختلف المجالات، وقطاعًاً ثالثًاً في موقع إداري شريك في جميع عمليات التنمية للقطاعين العام والخاص مثل المستشفيات والجامعات والمدارس، وأن يكون مستقلًا عن القطاع الحكومي والأحزاب السياسية، وأن يتمتع بمصادر تمويل ثابتة وقوية (أوقاف؛ زكاة؛ وغيرها من الموارد التي لها صفة الاستمرارية)، وأن تتمتع وحدات القطاع الثالث بالطبيعة المؤسسية، وأن تتمتع مؤسسات هذا القطاع بالإدارة الرشيدة وفقا لنظم الإدارة العامة الحديثة.
وهناك عدة عوائق تواجه وحدات القطاع الثالث في العديد من الدول العربية والإسلامية منها الداخلي الذي ينبع من داخل هذه الوحدات؛ والخارجي الذي تشكله البيئة المحيطة بعمل هذه
الوحدات؛ بما قد يؤدي إلى عدم القيام بدورها المنشود على الوجه المستهدف.
بالنسبة للعوائق الداخلية فهي تتعلق بضعف آليات العمل المؤسسي للعديد من هذه الوحدات من وجود موارد مادية وبشرية متميزة؛ وهياكل وأنشطة مؤسسية؛ واحتراف مهني للإدارة؛ وتقويم للأداء المؤسسي لوحدات القطاع الثالث، أي إن وحدات القطاع الثالث في العديد من الدول
العربية بحاجة إلى بناء قدراتها المؤسسية، أما بالنسبة للعوائق الخارجية فهي تعود بالأساس إلى ضعف ثقافة العمل التطوعي في العديد من الدول العربية؛ وضعف اهتمام وسائل الإعلام بمؤسسات العمل التطوعي وأنشطتها؛ وذلك بالرغم من أن الدين الإسلامي الحنيف يحث على
الأعمال التطوعية وعلى ثوابها الكبير في الدنيا والآخرة، بينما نلاحظ في الولايات المتحدة أن بها نظام تطوع متقن ومميز، فالمتطوع له برنامج يقدمه بنفسه حسب وقته وإمكاناته؛ ولكن يلتزم
ببرنامج يومي من ساعة إلى 3 ساعات أو يوم في الأسبوع، فهو ينخرط في برنامج متقن، فهناك مستشفيات غير ربحية؛ 20% من العاملين فيها براتب كامل؛ و80% متطوعون ملتزمون بساعات يومية.
كما تعد علاقة مؤسسات القطاع الثالث مع الإدارة الحكومية ونظرتها لهذا القطاع أحد أبرز عوائق عمل هذا القطاع في العديد من الدول العربية؛ حيث في بعض البلدان العربية تعامل الإدارة الحكومية هذا القطاع على أنه قطاع غير حكومي وتضعه في سلة واحدة مع القطاع الخاص؛ انطلاقًا من المصطلح الأجنبي (NGOs) الذي يشير إلى المنظمات غير الربحية بأنها منظمات غير حكومية، وفي البعض الآخر من البلدان العربية تنظر الإدارة الحكومية لهذا القطاع ووحداته على أنه مجرد نشاط خيري ليس من الضروري تأسيسه ووضعه في هياكله المؤسسية وإيجاد شراكة معه وشراكة بين وحداته؛ مما يؤدي في النهاية إلى عدم وجود قوانين داعمة
لنشاط القطاع الثالث وداعمة لمؤسسته (institutionalization) وإلى تراجع الدور المنشود
لهذا القطاع الحيوي.
وأخيرًا؛ قد يكون من الأجدر بالإدارات الحكومية العربية أن تقوم بوضع القوانين واللوائح التي تنظم العمل التطوعي وتعمل على تأسيسه، وتعمل على بذر ثقافة راسخة للعمل التطوعي وعلى تأسيس شبكات لمؤسسات هذا القطاع بينها وبين بعضها ومع القطاعين العام والخاص، كما يأتي دور الإدارة الحكومية في المساهمة القوية في بناء القدرات المؤسسية لوحدات هذا القطاع من خلال توفير العديد من أشكال الدعم لها؛ وبذلك تنظر الإدارة الحكومية إلى هذا القطاع الثالث بوصفه شريكًا فاعلًا ومحورًا رئيسيًا في مختلف أنشطة الاستثمار في الدولة من تعليم وصحة وبنوك وطرق وغيرها؛ بحيث يكتمل مثلث التنمية الشاملة للدولة من القطاعات الثلاثة: الحكومي والخاص والتطوعي.
التدقيق اللغوي: ريم المطيري