أجمع المحللون والخبراء المهتمون بالشأن المصري أنه لا توجد سوى مؤسستين متماسكتين قادرتان على تولي زمام الأمور في مصر هما الإخوان والجيش نظرًا لخبرتهما وتنظيمهما المحكم الهيراركي بالنسبة للجيش، والعنقودي في حالة الإخوان ، في حين ان الأحزاب السياسية والقوى المدنية والحركات السياسية الأخرى تفتقد للخبرة التاطيرية والتماسك والتغلغل في المجتمع فهي ما تزال تحمل السمة النخبوية حتى وإن تواصلت مع الشارع في اوقات الأزمات والانتفاضات، كما أن مشاركتها في العمل الحكومي مازالت محدودة ومن ثم فهي لا تمثل منافسا مكافئا للقوتين اللتين سبق ذكرهما.
لابد أن السلطة في مصر تدرك أن المنافس الوحيد والشرس الذي يجب إزاحته الآن هو الإخوان، وقد مضت قدما في هذا الإطارمعتمدة على عدة أدوات منها القضاء والإعلام و التشريع بهدف محاصرة مناضلي وقيادات الإخوان في مقابل ترسيخ وتقوية الأساس الاجتماعي للقوات المسلحة ومنح موطئ قدم لشخصيات وتيارات محسوبة على النظام القديم تم كل هذا بهدف إعادة تشكيل الواقع السياسي في مصر ليخدم تفوق العسكري على المدني والفلول على حساب القوى الثورية، وإعادة تنظيم الإخوان إلى المربع صفر الذي كانت فيه قبل ثورة يناير
بل وإلغاء مكتسبات فترة مبارك أيضا، وقد تمثلت إجراءات تقويض نفوذ الإخوان في ما يلي:
- اعتقال قيادات الإخوان ومناضلي التنظيم بعد عزل مرسي ومقاضاتهم بقضايا ذات طابع جنائي وليس قضايا سياسية وقد تمت إدانه البعض وإصدار الاحكام في حين أن بعض القضايا ما تزال تحت النظر، أو ينتظر تحريكها قريبا وقد حظيت كلها بتغطية إعلامية مفصلة.
- إصدار قرار وقف أنشطة تنظيم الإخوان وامتد الأمر إلى حزب الحرية والعدال.
- اختيار شخصيات لجان تعديل الدستور من المعادين لحكم الإخوان والموافقين على إجراء العزل، والمضي في إقرار تعديلات تسحب البساط من تحت أقدام الإخوان وترسخ وضع الجيش.
- إغلاق القنوات الموالية للإخوان والتضييق على القنوات الأجنبية المساندة لها مثل قناة الجزيرة.
أما أهم الإجراءات التي تضمن إعادة قوى النظام القديم إلى الواجهة السياسية وتحسين أوضاعهم فقد تمثلت فيما يلي:
- الإفراج عن مبارك وحصوله على فرصة لتلميع صورته مجانًا من خلال التسريبات التي نشرتها جريدة اليوم السابع والتي لعب فيها دور " الشاهد على العصر " تلى ذلك الإفراج عن المهندس احمد عز، في وقت يتم فيه التضييق على الحركات مثل 6 ابريل بسبب مواقفها ومنظمات وحقوقيين وصحافيين واختفاء الناشطين الثورين الشباب من الحياة السياسية بعد أن طغى حضورهم عام 2011 على جميع الشخصيات السياسية التقليدية بل امتد الأمر إلى متابعة بعضهم قضائيا أيضا.
- إقرار قوانين جدلية مثل قانون التظاهر المزمع المصادقة عليه وتعديلات أخرى تقضي تماما على مكتسبات ثورة يناير وتعيد وضع الحريات والحقوق السياسية والمدنية إلى عصر مبارك .
ومن ضمن الإجراءات التي تضمن تفوق العسكر وتقوية مركزهم ما يلي:
- تعيين 17 لواء عسكريًا كمحافظين مباشرة بعد قرار العزل وتعيين عدلي منصور رئيسا والببلاوي رئيسا للوزراء.
- حزمة تعديلات على السياسات القائمة تصب في تحسين الوضع الاجتماعي لأفراد الجيش فخلال الشهرين الأولين من تعيين عدلي منصور تم إجراء ثلاث تعديلات متتالية أحدها استهدف نظام التأمين الاجتماعي لضباط الاحتياط والمجندين، والثاني زيادة المعاشات العسكرية إلى 10%، والثالث تضمن تعديل قانون منح الأنواط العسكرية لرجال القوات المسلحة ، من الملاحظ أن الإصلاحات المعتمدة شملت هذه الفئة دون غيرها كما تم اعتبارها عاجلة وشديدة الأهمية لذلك احتلت قمة أولويات وأعلى أجندة الرئاسة ونفذت في وقت تعاني فيه مصر من تدهور اقتصادي بسبب عدم الاستقرار وحالة لا أمن وتم تجاهل الكثير من المطالب الاجتماعية لفئات محرومة تم رفعها عن طريق تفجير بؤر احتجاجية أو عن طريق تقارير بيروقراطية.
في الوقت الذي اعتمد فيه الإخوان على المساندة الإقليمية والدولية والتعاطف الشعبي الداخلي والمظاهرات، كما أن الحركات السياسية الأخرى اعتمدت على التنديد وتقديم البيانات وتسجيل مواقفها وظهورها في وسائل الإعلام، يبدو أن الأدوات التي تعتمدها السلطة في مصر حاليًا تتميز بأنها أشد فاعلية وواقعية وامتداد الأثر فهي فعلا تعيد تشكيل قواعد اللعبة السياسية وتوزيع الأدوار والأحجام بما يخدم مصالحها.
تدقيق: لجين قطب.