إذا تدحرجت أحجار وعظام وأفرع وأشواك في أودية بها أحجار وعظام وأفرع وأشواك، وزعم خبير أنها تتدحرج بفعل كذا، وتكثر وتقل بفعل كذا، وتتجمع وتتفرق بفعل كذا، وتسلك يمنة ويسرة بفعل كذا، وستكون نهايتها كذا وكذا، فقد نقبل وقد لا نقبل منه؛ فحديثه ليس عن ثوابت ولا عن أرض سوية، فكيف بمئات لا يقبل عاقل أنهم جميعًا خبراء، وأن حججهم دامغة، وكيف إذا اختلفت أحاديثهم وتضادت عن الدوافع والنتائج لفوضى حاصلة في ظلمات ومتاهات؟
الذي سمي ابتداء وترجمة حرفية بالربيع العربي محركاته ودوافعه وملحقاته وأرضه ومسالكه ومن فيه وما فيه، وما دخل فيه وخرج منه، أمور كثيرة أقلها واضح، وجلها غائب ومتقلب ومفاجيء كأحجار في غبار تتداعى في شعاب وصدوع، ما هذا السيل العجيب المغرق من الكتابات والمقابلات والكلمات حول ما سمي بالربيع العربي وتلك هي حالة؟ أي عاقل يرى تضارب خاسرين ومستفيدين وبائسين ومغرضين وغافلين وعامدين وصادقين مزيفين ومخلصين ومنتفعين ومنغمرين ومشتهرين، ويرى فتنًا في فتن وركام عقود يتهاوى كما يحصل في مصر وغيرها، ويقول أي شيء سوى اللهم سلّم، ما أعجب سباق العناوين والمقالات والمقابلات المكومة كل يوم، كأن أصحابها مطلعون على المقاصد، ضامنون للمسالك والمؤثرات الداخلية والخارجية والظاهرة والخفية ويعلمون بالنهايات، صارت الكتابة والكلام غاية وإثبات وجود، واستحال الربيع العربي ربيعًا للألسن وللأقلام وللصور وللأسماء. إن طابق حدَثٌ مقولة قائل فهو صدفة وحظ مفرح يثبت به رجاحة علمه وتوقعاته، فتن مؤلمة مبكية فتن خراب، وكلام وكتابة، أعاذنا الله وإياكم منها ورد عقولنا وأنار بصائرنا لنستدبر ونوقف أكثر ما يقال ويكتب لأنه لغط وتضييع للوقت والعقل، يثير ويوقد أكثر مما يسكن ويطفيء.