اللحظة "المدنية" ووفق سياق تاريخي متطور، هي لحظة بناء سلطة " مضادة " سلطة ثائرة. فمؤسسات المجتمع المدني وبحكم غاياتها النبيلة والهادفة، تلف في طياتها ومند غابر الأزمان، عناصر إيجابية، تجعلها بحق، حاملة لواء التغيير ومشعل التطوير، وتمكنها من الرفع من عوامل نجاح التفكير الجمعي والتدبير الجماعي للمشاكل المطروحة، كل ذلك في إطار رؤية موحدة لكل فئات الشعب ولكل الفضاءات الإجتماعية التي يمثلها.
كما أنه، ومن منطلق سياقات التاريخ عموما ،تعتبر مؤسسة " المجتمع المدني " شكلا مميزا للنشاط الاجتماعي، ووفق المنظور المؤسساتي تعد فضاءً رحبًا لممارسة الحرية والرفع من القيم المرتبطة بها، وعبر التحليل التنظيمي، تبرز هذا مؤسسة كهيكل لبناء منظم قائم على أسس متينة.. وغيرها من التمظهرات التعريفية ،والتي تجعل من المجتمع المدني سلطة من السلط، سلطة، ومنذ نشأة مفهوم المجتمع المدني، تقود كل الحركات وتوجه شتى التيارات وتبلور سائر الرهانات. من أجل تحقيق طموحات الشعوب وتطلعات الأمم.
إن هيئات المجتمع المدني عموما ،وعلى رأسها الهيئات الجمعوية، وإن كانت تبلور المعالم الوطيدة لنشأة سلطة " مضادة " ،فهي في ذات الوقت تعلن عن ميلاد سلطة " بناءة " لا تمثل في أي حال من الأحوال عقبة كأداء أمام عجلة التنمية، بل على العكس تشكل اللبنة الأولى لبناء الصرح التنموي. بذلك ينبثق ربيع المجتمع المدني كربيع للسلطة المضادة ،هذا من جهة و من جهة ثانية، تلعب هيئات المجتمع المدني الدور المحوري في عملية التغيير أو التحول الديمقراطي بشكل عام، وما يرتبط بها من دمقرطة ومأسسة ومعيرة و تشاركية. على هذا الأساس تتجسد ملامح ربيع المجتمع المدني وتتزركش بألوان ديمقراطية.
أولا: ربيع المجتمع المدني: هو ربيع السلطة المضادة: من منظور أن هيئات المجتمع المدني، أضحت من أبرز القوى الحية والمؤثرة والمعبرة بشكل جلي عن نبض المجتمع وحيوية مكوناته، وبالنظر إلى المبادرات الخلاقة والإنجازات الرائدة التي ما فتئت تجسدها كواقع يرتهن في الصيرورة التنموية تنشأ السلطة المنبثقة عنها كسلطة مضادة ناجعة وكقوة إقتراحية فعالة، مسترشدة في كل ذلك بمبادئ رفيعة ،من قبيل التوجه الناجح والنقد البناء، ومتوخية تحقيق غايات نبيلة ،وعلى رأسها التنمية التشاركية وضمان توازن باقي السلط .في هذا الصدد، يرى علي عبد الصادق في كتاب له صادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ،القاهرة سنة 2007 والمعنون ب " مفهوم المجتمع المدني: قراءة أولية " أن " المجتمع المدني يظل هو السلطة المضادة، التي تراقب تجاوزات الدولة وشططها، هو المتنوع والتمثيلي، هو الذي يسمح دوما بإنبثاق نخب جديدة ( خاصة في الدول السائرة في طريق النمو)، هو الذي يراقب الإنحرافات السلطوية ويقوم الأخطار الإيكولوجية ،هو الذي يخلق النقاش ويحث المواطنين على المشاركة في الحياة العامة ووضع ثقتهم في الديمقراطية".
وبذلك ،تتضح لنا الأدوار الطلائعية التي يمكن أن يقوم بها المجتمع المدني – حسب سعد الدين إبراهيم في كتابه " المجتمع المدني والتحول الديمقراطي" الصادر سنة 1991 عن مركز الدراسات والتنمية السياسية والدولية بالقاهرة- كمجموعة من التنظيمات التطوعية الحرة ،التي تملأ المجال العام ،بين الأسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها، ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإرادة السلمية للتنوع والاختلاف". إن المجتمع المدني بهذه الصفات وبتلك الأدوار، هو تعبير عن دينامية مستمرة وحركية متواصلة على مستوى التطلع إلى إحداث التغيير في شتى الأصعدة : سياسيًا، اجتماعيًا، فكريًا، ثقافيًا ... ومن أبرز أوجه هذا التغيير ذلك الناجم عن الحراك الجمعوي، القائم على الجهود المشتركة، التطوعية، الحرة والمستقلة، في الرفع من القدرات التثمينية للمبادرات الإيجابية،وتضافرها للمساهمة الفعالة ،فيما يخص نشر الوعي التشاركي .
ثانيا:ربيع المجتمع المدني هو ربيع ديمقراطي: فربيع المجتمع المدني – ووفق نظريات التحول االسياسي- هو الطريق الأمثل والنموذج الأبرز، الكفيل بجعل مؤسسات المجتمع المدني ترنو إلى أن تصبح الفاعل المحوري والعنصر المركزي في عملية التغيير ... وهو ما يتجلى أساسا في مساهمة هيئات وفعاليات المجتمع المدني على مستوى الأسس الديمقراطية لكل تغيير محتمل، فيما يخص هياكل الدولة القائمة بشكل جوهري على المأسسة. على ضوء ذلك، ووفق تحليل برغماتي يصبح من الضروري، أن يعتد بهذا النمط من المجتمع المدني المتطور المؤسس على مؤشرات عميقة، من مبادرة وتكييف وحرية وإستقلالية وعمل تطوعي وفعل قائم على معايير الإنجاز ... كل ذلك في إطار إنصهاري مع المنظور التشاركي المنظم، باعتباره ركنا أساسيا في ثقافة بناء دولة المؤسسات. وهنا تتبلور العلاقة الوطيدة وتتمظهر الصلة العميقة بين المجتمع المدني، بشتى هيئاته والتحول الديمقراطي في مختلف تجلياته . هكذا، إذا نظرنا إلى الأساس القيمي المعياري الذي تنبني عليه الديمقراطية والمتمثل في الإدارة السلمية لأوجه الصراع الذي قد ينشأ – بقصد أو بدون قصد، كما هو الشأن في الحالة المغربية – بين مختلف مكونات المجتمع ، والعزم الأكيد على تحويل الفرقاء التدبيريين إلى شركاء حقيقيين.
فسنجد نفس الأساس القيمي/ المعياري يتحكم في التوجه العام للمجتمع المدني. وإجمالا، إن ربيع المجتمع المدني، هو ربيع ديمقراطي، وهو ما يستشف في صورة أخرى، أكثر شمولية من خلال الوظائف الريادية، التي يمكن أن تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني لتحقيق الدور الطلائعي المرصود على مستوى العلاقة الرابطة بين الديمقراطية والمجتمع المدني ،وهي الوظائف التي كانت ومازالت محط إجماع مختلف المفكرين والباحثين والدارسين لتيمة " الديمقراطية "، وهي تتجسد أساسا في خمس وظائف: تجميع وتكثيف المصالح و العلاقات.
التمكين من الثروة وتحسين أنماط الحكامة.
خلق وإفراز النخب الجديدة والصاعدة.
نشر الثقافة المدنية الحديثة وبث الروح الديمقراطية المتطورة.
ثالثا: النسائم المستمرة لربيع المجتمع المدني: الربيع الجمعوي بالمغرب نموذجا: يمكن التأكيد بداية ، على أن " الربيع الجمعوي " بالمغرب لم يكن إطلاقا وليد لحظة الربيع العربي -وإن كان من جهة جزءا فاعلا في إثراء ديناميتها- فهو ربيع إنبثقت نسائمه، منذ ردح من الزمن ليس بالقصير ،على الأقل منذ الفترة الكولونيالية، والتي إتسم إبانها العمل الجمعوي بالرؤية " الحراكية " ذات النزعة الوطنية ( حيت إستلهم الفاعل الجمعوي خلال فترة الحماية، الحس الوطني وجعله سلاحا متطورًا لمجابهة الهيمنة الإستعمارية). في هذا السياق يرى محمد سبيلِا في كتاب له صادر عن منشورات الشعلة سنة 2001 تحت عنوان " منظمات الشباب والمجتمع المدني " أن العمل الجمعوي خلال هذه الفترة " لم يخلق لنفسه برامج متميزة عن الحركة الوطنية "، إذ أن جل زعماء الحركة الوطنية نشؤواا وترعرعوا في أحضان التنظيمات الجمعوية، وجعلوا منها خلايا لشحذ الهمم و إستقطاب المقاومين، وهو ما تبلور بشكل أساسي في جمعيات قدماء تلاميذ الثانويات، وكذا في الجمعيات الثقافية والفنية، كتلك المهتمة بالشأن المسرحي.
هكذا فالحركة الجمعوية خلال هذه المرحلة تميزت بكونها جزءًا لايتجزأ من الحركة الوطنية برمتها، وذلك لاتسامها بالنفس الجمعوي، الهادف بالدرجة الأولى إلى كسب جملة من التحديات، وعلى رأسها دحر المستعمر الغاشم وتحقيق مطلب الإستقلال، ثم الانتقال من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، وربح رهان التنمية، ليجسد كل ذلك البشائر الأولى لبزوغ ربيع جمعوي صاعد ببلادنا، وهو الربيع الذي توالت نفحاته، مع صدور قانون الحريات العامة ل 1958، الذي مثل بحق الرغبة التواقة في بناء مغرب الغد، وهو ما تبلور من خلال إنشاء العديد من الجمعيات بإهتمامات وتدخلات متعددة، يظل عنوانها الأبرز الرقي بالمغرب المستقيل .إلا أنه للأسف الشديد وبمجرد سن تعديلات 10 أبريل 1973، تحول الربيع الجمعوي المزهر " إلى خريف جمعوي " ناضب"، حيث أعطيت صلاحيات كبيرة للإدارة لضبط ومراقبة تأسيس الجمعيات والتحكم في أنشطتها- بشكل صريح أو ضمني- مما جعل الخريف الجمعوي– إبان فترة السبعينيات بالنظر للعديد من الأحداث السياسية التي عرفها المغرب خلال هذه الفترة – يتسم بنزوع سلطوي لمراقبة عمل الجمعيات ومجال تحركها والحد ما أمكن من حريتها في جوانب شتى ،ولما لا إجهاضها أو وأدها منذ الـتأسيس، وكذا خلق جمعيات تابعة للدولة، تحمل نفس شعارات وأهداف باقي مؤسسات المجتمع المدني الحرة والمستقلة ( جمعيات الهضاب والسهول )، وكل ذلك – كما يؤكد عبد اللطيف بكور في أطروحته لنيل الدكتورة والتي تمت مناقشتها خلال الموسم الجامعي 2001-2002 تحت عنوان " دور المؤسسة الملكية في إحلال التوازن السياسي في المغرب " – في إطار مأسسة الصراعات وإحتواء الأوضاع ووضع حد لإفرازاتها.
وعكس ذلك،سيشهد الربيع الجمعوي، بالمغرب، إنطلاقة جديدة ، في سنوات الثمانينيات، خاصة في النصف الأخير منها،والذي عرف تميزا كبيرا بميلاد صنف جديد من الجمعيات، هو الجمعيات التنموية، والتي جعلت من التنمية – في منظورها الشمولي – هدفها المنشود، ولتتمكن عبر المشاريع التي حملت على عاتقها مسؤولية إنجازها في شتى أرجاء المغرب، من المساهمة بكيفية إيجابية وفعالة في المجهود التنموي وفي دمقرطة النقاش العمومي بالبلاد والمشاركة في صياغة السياسات العمومية وإنهاء خاصية " الحضور الكثيف للدولة "،التي ظلت لاصقة بمختلف هياكلها ومؤسساتها، –واضعة بذلك عقما تدبيريا في سائر تواجداتها –مما جعل الفرصة سانحة أمام تنظيمات المجتمع المدني لتأكيد قوتها في إغناء التجربة التنموية الناشئة، اذ أن- كما يؤكد ذلك تقرير المغرب الممكن – " تصاعد المطالب الإجتماعية والإعتراض الضمني "أو الصريح عن إحتكار الدولة لتدبير العديد من القطاعات الإقتصادية والاجتماعية والتغيرات التي طبعت تسيير السياسات العمومية كلها عوامل كانت مواتية للإقلاع والدينامية، اللذين عرفهما المجتمع المدني ببلادنا".
إنها بداية أخرى لربيع جمعوي متميز ، والتي تلتها بداية أخرى مع مطلع التسعينيات ، الفترة التي اتسمت باشراقات جديدة، إشراكية وتشاركية بالأساس، ومنها على وجه الخصوص التغير الملاحظ على مستوى إستراتيجية تعامل الدولة مع هيئات المجتمع المدني، فبعد أن عجزت عن دحرها بشكل كلي وحاسم أو على أقل تقدير منافستها ومضاهاتها، سعت إلى إحتوائها وإشراكها في الدينامية التدبيرية- المسألة الحقوقية والمسألة التعليمية مثلا- وإستقطاب رموزها وجعلهم يتموقعون داخل منظومة الدولة، ولتعرف الحركة الجمعوية ببلادنا مع بداية سنوات الألفية الثالثة إنطلاقة أكثر ريادة ودينامية، مع تزايد الوعي الجمعوي المتميز، والذي ساعد على تطوير النسيج الجمعوي داخليًا وخارجيًا كمًا وكيفًا...وهو ما تمثل في تتويج الربيع الجمعوي خلال هذه المرحلة بتبني قانون 75.00 لسنة 2002، و الرفع من قدرات التضمينية لهيئات المجتمع المدني مع جعلها شريكًا لا محيد عنه في المشاريع التنموية، خاصة مع تجسيدها في برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ 2005.
ولتتبلور تجليات الربيع الجمعوي المغربي بشكل واضح خلال هذه الفترة وقبلها بقليل من خلال مشاركة المجتمع المدني في تحقيق العديد من المطالب الحقوقية و الثقافية والإجتماعية والسياسية ومنها: هيئة الإنصاف والمصالحة، مدونة الأسرة، الإعتراف بالأمازيغية وبلورة تجربة التناوب التوافقي. ولتصبح اللمسة التغييرية واضحة بشكل أكبر في أجندة الفعاليات الجمعوية خلال فترة الحراك العربي، وهي اللمسة التي عبرت عنها في مشاركة بعضها في صياغة دستور 2011، وكذا في الدسترة التي حصلت عليها منظمات المجتمع المدني ( مقتضيات الفصل 12 أساسًا)، وهي الدسترة الذي حفزت على إطلاق الحوار الوطني حول المجتمع المدني منذ 13 مارس 2013 والتي رسمت مخرجاته " روعة " الربيع الجمعوي المغربي النابض والمستمر و المتميز. رابعا: 13 مارس : التكريس التاريخي للحظة الجمعوية بالمغرب. ترى الأستاذة ميشيل زراري في مقال لها قدمته في الدورة التكوينية التي نظمتها مؤسسة محمد الخامس للتضامن يومي 14و15 فبراير 2002 بمدينة الرباط ،(وهو المقال الذي تمت ترجمته من طرف الأستاذ محمد الأشهب ونشره بجريدة صدى تاونات الجهوية ،عدد 112 من 01 إلى 30 يونيو 2003) أن الحراك الجمعوي هو تعبير للمجتمع، الذي لا ينتظر كل شيء من الدولة بشكل سلبي، فهو مجتمع يعبر عن حاجياته ويسعى إلى تحقيقها على أرض الواقع في كل المجالات، لأن المجتمع المدني المعروف لايترك السياسات تحدد له مصيره وتوجهاته الأساسية .عبر هذا المعطى تبرز العلاقة التي يمكن أن تنشأ بين الدولة والمجتمع المدني، وهي العلاقة التي يمكن أن تؤسس لاستقلالية الفعل الجمعوي وقدرته الذاتية على تحقيق مراميه وأهدافه، دون أن يكون في صلة تبعية للدولة، وبالتالي فهي علاقة مبنية على الإحترام المتبادل والتشارك المتواصل والأداء الغائي الموحد، المتمثل في خدمة المجتمع والمساهمة في رقيه.
ومع ذلك ومنذ اللحظة التي إرتأت فيها الدولة بالمغرب، القيام بمراجعة "فكرية كبرى"، في التعامل مع هيئات المجتمع المدني، وهي المراجعة التي فرضتها إكراهات اللبرلة الجارفة،وكذا ما تم القيام به من طرف هذه الهيئات من خطوات جبارة في المسارات التنموية ،فيمكن القول، أن الدولة ترسخ لديها الوعي بكون المجتمع المدني أضحى شريكًا إستراتيجيًا لا محيد عنه لبلورة تصوراتها وتجسيدها في عمق المجتمع الذي تسهر على تلبية حاجياته في شتى المجالات، الشيء الذي حتم عليها كدولة، ومن منظور البرغماتية السياسية، التفكير في تبني براديغمات جديدة، لجعل المجتمع المدني يحظى بالمكانة اللائقة به، وهو ما تأكد بشكل جوهري وأكثر عمق في دستور2011، الذي بوأ المجتمع المدني وفي إطار دسترة واضحة – منزلة سلطة من السلط، وكذا في " الملحمة التاريخية " التي عرفتها الحركة الجمعوية ببلادنا، والمتجلية في الحوار الوطني هو المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة المنوطة به " والمنطلق منذ 13 مارس 2013، وكلاهما – أي الدستور والحوار – وإن كانا لحظتين انبثاقيتين من الدولة، فإنهما جسدتا بعمق الحضور الكثيف للمجتمع المدني، فهما معا "من المجتمع المدني وعبر المجتمع المدني وإلى المجتمع المدني "، وهو ما تم ترسيخه فعلا في التنزيل المرتبط بالدستور ، وكذا في المخرجات التي توج بها الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، مساراته، وليبقى القرار الملكي القاضي باتخاذ 13 مارس من كل سنة يوما وطنيا للمجتمع المدني، كاستجابة لإحدى توصيات هذا الحوار، لحظة مفصلية في تاريخ الحركة الجمعوية المغربية برمتها ،كتتويج للمسار الطويل والشاق ،الذي قطعته لتحقيق مبتغاها الشرعي في الاعتراف بها وتخويلها المكانة المناسبة التي تستحقها،وكنتاج بدهي لما سماه السيد لحبيب الشوباني، وزير العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني للملحمة الحوارية ،والتي أسفرت عن أكثر من 17 وثيقة شخصية اقتراحية و 250 توصية و270 مذكرة.
وهكذا مثل هذا القرار الصادر عن أعلى سلطة في الدولة، والمعلن عنه في المجلس الحكومي المنعقد يوم الخميس 22 ماي 2014، إحدى أهم الخطوات التي يستشف منها أن المجتمع المدني ببلادنا أضحى بحق سلطة خامسة ،ويمكن للحركة الجمعوية أن تتعامل مع هذا الاعتراف الإحتفائي بنوع من المعاملة بالمثل في حالة إذا ما حرصت على جعل 13 مارس من كل سنة : موعدا للتأمل وفحص الذات "الجمعوية " ومنها إمكانية النظر إلى مرآة الحقيقة، وتجاوز العقبات التي يمكن أن تعترض مسيرتها الحافلة بنوع من الثقة في النفس وعدم الركون إلى الوراء .
موعدًا لتحويل وظيفة هيئات ومؤسسات المجتمع المدني من " المنظور السالب" إلى " المنظور الموجب" وتحويل الفاعل الجمعوي من كائن جامد إلى كائن حيوي، يبلور التصورات ويخلق المشاريع وينجز البرامج. فرصة لإنهاء حالة الصراع المحتدم- في أغلب اللحظات- بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، وخلق جسور التواصل والتشارك بينهما ومنح القدرات التمكينية للمجتمع المدني للإنخراط ، وبقوة في دينامية التدبير المحوكم للشأن العام في شتى صيروراته.
إن من شأن ذلك ضخ دماء جديدة في المسارات الإصلاحية التي تعرفها بلادنا في مناخ دولي مازالت ترتهن أحواله ولم ترس على بر الأمان - خاصة في السياق العربي –. فرصة لتقييم الإنجازات المتعلقة بالمجتمع المدني كسياسة عمومية، وذلك باللجوء إلى رؤية تكاملية،مندمجة، إستشرافية وتشاركية، تتجاوز السلبيات وتتماهى مع الإيجابيات . وعموما، سيظل تاريخ 13 مارس، العنوان الأبرز والمستمر والمجسد لمفهوم " الديمقراطية ". هذه الأخيرة، لا يمكن أن تقوم لها قائمة، ولا أن ترتقي إلى الدرجات العليا في مسالك البشرية برمتها، إن لم ترتكز في بناءاتها على حركة جمعوية قوية، فاعلة ومشاركة.
التدقيق اللغوي: لجين