الملخص
تمثل المؤسسات التربوية عامةً قطب الرحى في عملية بناء وعي الإنسان وتشكله. ومن بين هذه المؤسسات، تأخذ المؤسسات الجامعية دورًا يتميز بالأهمية والخصوصية، وذلك لأن الجامعات في مستوى أدائها وتطورها كانت وما زالت تشكل قاطرات التاريخ نحو العلم والديمقراطية. ففي أحضان الجامعات نمت الحركات الديمقراطية، وتفتق العقل البشري عن طاقاته الإبداعية في مختلف الميادين والاتجاهات، وهذا هو المنطلق الذي جعل عددًا كبيرًا من الباحثين والمفكرين يعتقدون أن مستوى تطور مجتمع ما مرهون إلى حد كبير بمستوى تطور جامعاته.
ومن خلال هذا المقال، نستعرض وجهات النظر المختلفة حول دور الجامعة في تشكيل الوعي السياسي للطلاب، وأهمية دور الجامعة في ذلك الميدان، وما يمكن أن تقوم به الجامعات العربية في ذلك المجال خصوصًا في أعقاب ثورات الربيع العربي، وما شهده الكثير من البلاد العربية من مظاهرات، وصراعات، وحروب تتزايد فيها أهمية تنمية الوعي السياسي والديمقراطي بين جموع الشباب، باعتبار أنهم القوى الدافعة لحركة المجتمعات العربية وتقدمها.


إن تحليل أهداف التعليم الجامعي، والأدوار، والوظائف المنوطة بالجامعة، يشير إلى وجود علاقة لكثير منها بالسياسة ولها مردود على الحياة السياسة لكل من الفرد والمجتمع. فإذا كان من أهداف التعليم الجامعي تنمية الصفات الشخصية للطالب، وتعميق قدراته الذهنية والثقافية، وإعداده ليكون ذا شخصية متكاملة، وتخريج جيل جامعي قادر على تحمل المسؤولية، فإن هذا ما يحتاج إليه العمل السياسي، فهو بحاجة إلى شخصية متزنة، كما أنه بحاجة إلى شخصية متكاملة، وقدرات عقلية تؤهل صاحبها للخوض في مجال العمل السياسي.
"وإذا كانت الجامعة تسعى لتخريج جيل لديه القدرة على التعليم الذاتي، فإن هذا التعليم الذاتي يفتح للفرد آفاقًا جديدة، قد تنمي لديه رصيد المعرفة التي هي أساس الوعي؛ فزيادة التعليم تقابلها زيادة في الوعي. وكذلك فإذا كان من أهداف الجامعة حماية حقوق الطلاب في العمل السياسي والاجتماعي وتحسين الأنشطة الطلابية، فهذه الأنشطة تعد من أهم الوسائل التي تستخدم لتربية الطلاب سياسيًا". وعلى ذلك فإن هذه الأهداف وغيرها لها علاقة وثيقة بالسياسة، وعليه يعد إعداد الشباب سياسيًا وفكريًا من أهم أهداف الجامعة اليوم. وتبدو أهمية الدور السياسي للجامعة في إعدادها لطلابها سياسيًا ليتصدوا للتيارات الغريبة عن المجتمع ومعتقداته، والتي تهدف إلى احتواء الشباب، فإذا كان الطلاب على قدر كبير من الإعداد السياسي، ولديهم درجة عالية من الوعي الراسخ فإنهم لا يستجيبون لمثل هذه التيارات، وبذلك تصبح عملية إعداد الطلاب سياسيًا هي المطلب الذي يضمن له القوة والصلابة، وهذا ما تؤكده نتائج العديد من الدراسات.
وما يؤكد على أهمية هذا الدور السياسي، ما أشارت إليه بعض الدراسات من خطورة عزل التعليم عن السياسة، لأن ذلك يسلب التعليم دوره في تنمية الوعي والتشكيل السياسي للطلاب، ويفرغ العملية التعليمية من مضمونها السياسي، ويولد فراغًا سياسيًا لدى الأفراد، وهذا الفراغ غالبًا ما يؤدي إلى السلبية، واللامبالاة، والاغتراب السياسي؛ وهي ظواهر تعوق عملية التنمية التي يسعى إليها المجتمع، وقد كان السبب الأول لانتشار هذه الظواهر هو عزل السياسة عن التعليم.


وقد اختلفت الآراء ووجهات النظر حول طبيعة الدور السياسي للجامعة، فهل الجامعة مسيسة، أم لها دور في التسييس، أم أنها محايدة؟ فهناك بعض الاتجاهات التي تتضمن وجهات نظر مختلفة بشأن طبيعة ذلك الدور، وذلك على النحو التالي:
- الاتجاه الأول: يؤكد على ضرورة تسييس الجامعة، حيث إن للجامعة وظيفة اجتماعية مباشرة قوامها الإسهام في تحقيق الاستقرار السياسي والانجسام الأيديولوجي بين قطاعات المجتمع، ومن هنا كانت سيطرة الدولة وبخاصة في الدول النامية ودعمها، سعيًا وراء أهداف سياسية منها تسييس الجامعة أساتذة وطلابًا، وخلق نوع من الوعي السياسي المرتبط بأيديولوجية النظام السياسي القائم، وبما يضمن انطواء الجامعة تحت راية الجهاز السياسي الحاكم.
- الاتجاه الثاني يدعو لانعزالية الجامعة وحيادها، حيث يرى أن ارتباط الجامعة بالسياسة سوف يؤثر على باقي وظائفها الأخرى، وخوفًا من انتشار بعض مظاهر الفساد في الجامعة، أو الإضرار بحرية الجامعة واستقلاليتها، ومن هنا كان رفض دخول الجامعة المعترك السياسي.
- الاتجاه الثالث: يرى أن الجامعة مؤسسة انتقادية، فالوظيفة النقدية ضرورية لاكتشاف عيوب المجتمع وتوجيهه، وهي مسؤولية الجامعة باعتبارها حارسة على المجتمع.
والآراء السابقة كل واحد منها له ما يبرره، لكن يمكن قول أن الجامعة لها دور علمي وسياسي معًا، ويمكن أن يتواجدا في الجامعة معًا بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، فلا يكون الدور العلمي والأكاديمي على حساب دورها السياسي ولا العكس، فلا بد من الموازنة بينهما، ومع ما يشهده العالم اليوم من تحولات، ومتغيرات، وثورات معرفية وتكنولوجية، وعولمة، وازدياد في المطالبة بتحقيق الديمقراطية في المجتمعات، وما تشهده المنطقة العربية من صراعات واضطرابات في أعقاب ثورات الربيع العربي، تزداد أهمية الدور السياسي للجامعة، خصوصًا في مجال تنمية الوعي السياسي والإسهام في التنشئة السياسية للطلاب.
وعلى الجامعات العربية أن تعتني بتنمية الوعي السياسي للطلاب الذين يمثلون الشريحة العمرية بين 18-23 سنة، أي فئة الشباب، خصوصًا مع تزايد وتيرة العنف السياسي في المنطقة العربية، وأحداث ما بعد ثورات الربيع العربي، والمد الديمقراطي، وتزايد الأصوات المطالبة بالديمقراطية في المنطقة العربية، وتزايد حدة الصراعات والانقسامات السياسية في المنطقة، لذا فالحاجة ماسة لمراجعة الآليات التي يمكن أن تستفيد منها في تنمية الوعي السياسي بما يضمن إعداد المواطن الصالح الذي لديه رؤية ووعي كافيان في جميع المجالات، بما يحقق أهداف المجتمع وفلسفته ويسهم في تقدمه. ومن ثم يمكن القول بأن هناك عدة سبل يمكن للجامعات العربية أن تفيد منها في تنمية الوعي السياسي للطلاب، وذلك على النحو التالي:
- مراجعة القرارات والقوانين المنظمة للاتحادات الطلابية وتحديثها، بحيث تضمن تمثيل الطلاب، ومشاركتهم، والتعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم.
- مراجعة اللوائح المنظمة للأنشطة الطلابية وتوفير المزيد من الدعم والمرونة لتمويل الأنشطة المختلفة للطلاب.
- تنفيذ سلسلة من البرامج والندوات في مجال التثقيف السياسي للطلاب على نحو دوري ومخطط.
- إعداد دورات تدريبية لأساتذة الجامعات لتعريفهم بكيفية قيامهم بدورهم في تشكيل وعي الطلاب السياسي من خلال استخدام آليات المنهج الخفي.
- تنفيذ المسابقات الطلابية في إعداد الأبحاث في مجال السياسة والأحداث المعاصرة التي تشهدها المنطقة.
- تنفيذ برامج للزيارات بين الجامعات العربية بما يسهم في رفع الوعي القومي العربي بين الطلاب.
- مراجعة المقررات التي لها علاقة بالتوعية السياسية للطلاب كحقوق الإنسان وغيرها، وتحديثها، وتطويرها وفقًا لنظم ومعايير جودة المقررات الجامعية المحلية والعالمية.
- إتاحة الفرصة لتمثيل الطلاب في المجالس الجامعية بصورة أو بأخرى خصوصًا في الموضوعات التي تمسهم أو تؤثر عليهم بصورة مباشرة.
- التنسيق بين الجامعات العربية وتبادل الخبرات في مجال تشكيل الوعي السياسي للطلاب.
ختامًا، نحن في لحظة تاريخية فارقة نظرًا لما تشهده المنطقة العربية من اضطرابات، وصراعات، وحروب. وهذه اللحظة تستدعي تضافر الجهود من كل الأفراد والمؤسسات للتعامل مع هذه المشكلات والآثار المترتبة عليها. ولا شك أن الجامعات العربية يمكن أن تسهم بدور فاعل في تشكيل الوعي السياسي للطلاب، وإعدادهم لمواجهة تلك الأوضاع والظروف التي تمر بها مجتمعاتنا العربية. والخيار الآن مفتوح أمام مؤسساتنا الجامعية إما لأن تكون مجرد أماكن لتخريج الطلاب والحصول على الشهادات، وإما لأن يكون لها دور إيجابي بما لديها من إمكانيات وآليات في النهوض بمجتمعاتنا العربية.


المراجع:
1. صفاء محمد علي أحمد، "الأنشطة الطلابية ودورها في تنمية الوعي السياسي لدى طلاب الجامعة (دراسة ميدانية)"، مرجع سابق، 2005 م، ص 45.
2. رضا هندي جمعة سعود، "تأثير تدريس برنامج تدريبي مقترح على السلوك السياسي لدى معلمي الدراسات الاجتماعية"، مرجع سابق، ص 151.
3. محمد خميس حرب، "الوعي السياسي لدى طلاب الجامعة في مصر: واقعه ومستقبله"، رسالة دكتوراه، 2008، ص 141.
4. دينا إبراهيم أحمد جمال الدين، "دور التعليم العالي في التمايز الاجتماعي في مصر" (رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة عين شمس، 1995 م)، ص 101- 102.
5. علي وطفة وسعد الشريع، "الفعاليات الديمقراطية ومظاهرها في جامعة الكويت " مرجع سابق، ص 122.
6. محمد ضياء زاهر، الجامعة والسلطة: مدخل لدراسة الوظيفة النقدية للجامعة، الكتاب السنوي في التربية وعلم النفس، مجلد 10، 1985 م، ص 34.
7. Nicholas V. Long , Ross P. Meyer , "College Students and Politics: A Literature Review", Circle Working Paper ,U.S.A., May , 2006 , p.3
8. Carol Hays, “Alienation, Engagement, and the College Student.” In Engaging the Public: How Government and the Media Can Reinvigorate American Democracy, Thomas Johnson, Carol Hayes, and Scott Hays, eds. Lantham, MD: Rowman and Littlefield, 1998.

 

التدقيق اللغوي: أنس جودة.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية