" ومعظم النار من مستصغر الشرر.."
كان من الأحسن أن يكون الحوار سيد الموقف بين وزير التربية أبو بكر بن بوزيد.. والأساتذة المضربين من السلك الثانوي.. لأن المطالب مشروعة مادام الوزارة نفسها أقرت بذلك واعترفت أن الأستاذ توجب له زيادة في أجره وهذا ما أقدمت عليه في 13 نوفمبر .2003 اليوم، وبعد أن تحول المشروع إلى محظور.. والقانوني إلى خارج عن العرف والقانون وبعد أن ركب كل طرف رأسه.. وقرر أن لا يتنازل عن مطلبه قيد أنملة. فالأساتذة المضربين ظنوا أن الوزارة بإصدارها لقرار عزل كل أستاذ مضرب لا يلتحق بمنصبه هو قرار استفزازي، ويمس الكرامة الإنسانية ناهيك وأن هذا الإنسان هو أستاذ خريج جامعة دوره التربية والتعليم.. ووزارة التربية ظنت من طرفها أن الإضراب مجرد عبث وهو غير شرعي ومطالبه استجيب لها وبالتالي فإن الحزم يجب أن يسود كما أن المسألة برمتها يجب أن تحسم قبل الانتخابات الرئاسية، وبما أن الأساتذة لا يزالون على مطلبهم الرئيسي، وهو اعتماد نقابتهم، فإن التعقل في هذه المسائل هو الذي يجب أن يطغى، فالجزائر جربت سياسة شد الحبل من كل طرف.. وجربت القبضة الحديدية لما تصبح هي القانون والحاكم في آن واحد، فالنتيجة دائما هي تأجيج النار بدل من إطفائها.. وتوسيع رقعة الخلافات بدل من تقليصها. إن المواجهة دخلت مراحلها الأولى، وهذا ينذر ليس بكارثة بل بطامة كبرى قد لا تبقي ولا تذر، لأنه عندما تلجأ الوزارة الوصية إلى إجراءات لا يمكن وصفها إلا بالتعسفية، فهذا معناه أن سبل منافذ الحوار قد أغلقت نهائيا، وعندما يغلق الحوار فان المنفذ الوحيد معروف لا يمكن له أن يكون إلا النار. فوزارة التربية بعصاها الغليظة والأساتذة بفرض مطالبهم.. حتما سيكون المآل إلى أسوأ الحالات. ولفض هذا النزاع الذي أصبح يشغل ليس فقط المتنازعين، بل يشغل كل الجزائريين على اختلافهم يجب أن تخرج أطرافا من اللعبة وأول طرف يجب أن يتخلى عن هذه اللعبة القذرة هو الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي مارس السياسة أكثر من الساسة وامتهن دور المنجد بغير وسائل النجدة الحقيقية لأن الاتحاد العام للعمال الجزائريين هو قطب الرحى في هذا النزاع. لأن اعتماد نقابة الأساتذة معناه تفريغ الاتحاد العام للعمال الجزائريين من محتواه كطرف له وزن أو هكذا يترائى للبعض وإلقائه بالتالي في متحف تتحكم فيه سوى الذكريات. وبما أن الرؤوس المشرفة على إضراب الأساتذة جميعها لم تستجب لما قررته الوزارة من عقوبات ..فإن ذلك معناه لو تم اعتماد نقابة الأساتذة الوداع لمن كان يعبث بأموال الشؤون الاجتماعية ، ويسدد بها عجز ميزانيات القطاعات الأخرى... وكذا الوداع للوصاية على أكبر شريحة مثقفة في المجتمع الجزائري، أما ثاني طرف فجمعية أولياء التلاميذ التي لا تكف عن صب الزيت على النار وتأجيج أوار المواجهة باعتماد خطاب كله ديموغاجي. واعتبار أن التلاميذ في خطر لا يعني بتة أن الأساتذة أيضا لا يحدوهم هذا الشعور لأن الأبوة الحانية موجودة هي أيضا عن هذه الشريحة من الأساتذة .. أم أن كل شيء مسيس- بضم الميم وتشديد الياء- وله دلالات سياسوية عابثة بمصير الجزائر كلها.
وأن الوصاية شملت كل شيء. إن المستقبل محفوف بالأخطار بما أن الجميع متموضع في خانة خارج إطار التفاهم وبما أن الجميع غلب رأيه وقال عن نفسه انه مغلوب ومسه الضر والبأس.
لكن سيترتب عن كل ما يجري من مبارزة بالثقيل بين الحكومة ممثلة في وزارة التربية والأساتذة المضربين تداعيات على الجبهة الاجتماعية وعلى المدى القريب. وقد تستفيد من هذا التأزم المقصود جمعيات تعشق الدكنة والضبابية ليسهل عليها اللعب دون وجل.. فالوضع خطير وخطير جدا وإذا ما صدقت التنبؤات فإن الجزائر يراد دفعها نحو أكتوبر جديد.. وخلط أوراق بدأت تطفو على السطح.
فمن يرجو أن يتحول الصدام البياناتي- نسبة إلى البيان- بين الوزارة والأساتذة إلى صدام في الشارع، لأن استمرار ما عليه الأمر الآن من احتقان ستصدق التنبؤات لو كانت هذه التنبؤات نفسها غير مدروسة وبإحكام.