كان قرار تجميد أنشطة جبهة التحرير الوطني بكل أرصدتها المالية من طرف القضاء الإداري في30 ديسمبر من العام الماضي ، صاعقة لبن افليس وللمراهنين على حزب جبهة التحرير كحصان طروادة من أجل كسر طموحات عبد العزيز بوتفليقة في الاستحواذ على الساحة السياسية وامتلاك الزعماتية المطلقة باسم جبهة التحرير . وقد تزامن هذا القرار الإداري مع انتخابات تجديد ثلث أعضاء مجلس الأمة .. مما فهمه الملاحظون على أن القضاء الإداري كان يحسب لهذا الموعد حسابه حتى يربك حواريي ابن افليس،ويظهر البوتفليقيين الحقيقيين من البن افليسيين الحقيقيين أيضا.قرار القضاء الإداري اخلط حسابات ابن افليس ومن معه كما أظهر التصحيحيين بقيادة وزير الخارجية عبد العزيز بلخادم أنهم يتحكمون في زمام القضاء. وإلا ما كان القرار هو تجميد الحزب ونشاطاته. يقول علي ابن افليس .لكن السؤال الذي يبدو مهما اليوم إلى أين تتجه الأوضاع بجبهة التحرير الوطني.. وما جدوى ما تقوم به مجموعة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من كل هذا خصوصا إذا علمنا أن الترشح للرئاسيات لا يعني بتة أن تكون منتميا لحزب ما .. يكفي فقط الحصول على نصاب 75000 توقيع معترف بها لدى المجلس الدستوري.قد يكون كل هذا حسب الملاحظين انتقام عبد العزيز بوتفليقة من علي ابن افليس كون هذا الأخير تعدى حدود طموحاته،وتنكر لجميل من عينه كمدير حملته الانتخابية ،وكرئيس للديوان برئاسة الجمهورية،ثم رئيسا للوزراء.ومعروف عن بوتفليقة أنه يحب أن تكون كلمته هي العليا والأخرى هي السفلى.. بل يتردد في الأوساط التي تعرفه جيدا أنه ينقلب على أعز أصدقائه في طرفة عين لو وجد فقط معارضة ولو بسيطة.. أو بجملة أخرى.. يعشق مقولة لا أريكم إلا ما أرى. وليس هذا وحسب فالمجموعة البرلمانية لجبهة التحرير الوطني تتهمه بأنه" لا يؤمن بالتعددية الحقة ،ولا يقبل أية معارضة ويريد الانفراد بالسلطة ولا يقبل حسيبا ولا رقيبا على أعماله،ويحتقر البرلمان ،مفضلا التشريع بالأمريات ،ويتصرف في المال العام بعيدا عن رقابة ممثلي الشعب ،ويعلق الصحف ويقمع الحريات ويحتكر الإعلام العمومي مانعا التشكيلات السياسية من الإبداء برأيها" .وعلى النقيض من ذلك أن الصراع الدائر بين الرجلين – وكأن الجزائر أخرجت إلا هذين الرجلين – هو مجرد مسرحية تلعب بذكاء خارق من أجل التغطية على ماكان في العهدة الرئاسية التي تنتهي بعد أسابيع.. لأن الذي اصطنع زواجا مفبركا من أجل استيفاء شرط الترشح في 1999 لا يمكنه الإنقلاب وبهذه السهولة يتساءل آيت أحمد رئيس جبهة القوى الاشتراكية المقيم بلوزان بسويسرا .لكن الملاحظ وبعد أن تطورت الأمور وأخذ الصراع بعدا أمنيا ينذر بكارثة كبيرة من داخل النظام نفسه.. وبعد أن امتدت إلى داخل البرلمان . لأن خروج النواب إلى الشارع خطوة نحو المجهول.. خصوصا وأن المطلب اليوم ليس في الخبز وتحسين الأوضاع المعيشية كما كان في السابق –أكتوبر1988- بل هو تنحية الرئيس ودفعه نحو الاستقالة. إن ما يجري اليوم وبعد أن طفح الكيل بين المتصارعين على من يتفرد بجبهة التحرير الوطني هو دفع الجزائر نحو أكتوبر جديد لكن بعنوان آخر.. وقد لمح ابن افليس على الأيام القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت بل ذكر جورجيا مما يعني أن المنحى هو أحداث جورجيا والإطاحة بعبد العزيز بوتفليقة سيكون على الطريقة التي سقط بها شفرنادزة الرئيس الجورجي الذي استقال جراّء ضغط الشارع.في الوقت الذي يتم الصدام فيه بين قوات الأمن ونواب البرلمان الجزائري من جبهة التحرير الوطني ومن التشكيلات الأخرى ما عدا نواب التجمع الوطني الديمقراطي الذين رفضوا الخروج إلى الشارع بأمر من قائد هم أحمد أويحيى.. وبعد أن تمت اعتقالات في وسط البرلمانيين ،والنداء بأعلى الصوت داخل البرلمان أن اليزيد زرهوني وزير الداخلية قاتل .. فإن عبد العزيز بوتفليقة يجوب ولايتي جيجل وميلة في إطار زيارة رسمية وضعها الملاحظون ضمن حساباته من أجل دعم أكثر لعهدة ثانية.وفي ظل صمت المؤسسة العسكرية التي طلب منها التدخل لوضع حد لكل هذه المهازل كما يقول المتضررون من جبهة التحرير الوطني .. فإن عبد العزيز بوتفليقة مقبل غير مدبر على ترسيم خطوطه الطويلة والعريضة نحو عهدة ثانية مهما كلف الثمن.لكن المخاوف مطروحة في لو أن عبد العزيز بوتفليقة رضخ لمطلب الاستقالة ،وحدث فراغ دستوري، أو لجأ إلى حل البرلمان في ما سوف تكون عليه الجزائر وهي لم تجف بعد الدماء.كل الدلائل تقول أن الجزائر مقبلة على أزمة شرعية أخرى لكن هذه المرة من داخل النظام نفسه.. ومن داخل نفس العائلة الواحدة.لأن النظام الذي ظل متجانسا لأكثر من عشرية .. هذه المرة طفت خلافاته لتمتد إلى الشارع .ومن يدري أن سيناريو جبهة الإنقاذ سيعود مرة أخرى وتعود معه كل المآسي.. نسأل الله اللطف .