لاأدري ماذا تعني كلمة "أجندة" بالضبط لأننا هنا في اسبانية لانستخدم من الكلمات الأجنبية إلا الاسبانية الفصحى , فالقوم هنا متخلفون متأخرون!!! و لشدة حرصهم على لغتهم القومية لايكادون يستخدمون إلا مفرداتها وبتعصب منقطع النظير! , ولكنني من استخدام المقارنات وسؤال الجهابذة من العرب المطلعين ثم البحث في القواميس , علمت أن كلمة "أجندة" التي تستعمل في طول صحفنا وعرضها انما تعني شيئا يشبه المنهج أو الخطة أو المفكرة أو جدول الأعمال ! وعجبت من اتّهامي بأنني كاتبة ذات جدول أعمال سري !! فهذا في الواقع أعجب اتهام وجه الي في حياتي ! في رسالة كانت قد وصلت الى قالت احدى القارئات الفاضلات مامعناه أن ماأكتبه يعبر عن أجندة سرّية خاصة فيم يتعلق بالقضية الفلسطينية ؟! .
ولاأدري ماهو وجه السرية فيما أكتب ؟, وأي أهداف يمكن أن تخفيها كلماتي ومقالاتي التي لاتكاد تترك سترا مغطى الا وتحاول كشفه مااستطعت إلى ذلك سبيلا؟! .
لست فلسطينية.. وهذا الشرف الكبير لم يكن من نصيبي وللأسف , وذلك أمر يشكك فيه كثيرون, وكأن عشق فلسطين وحب الأقصى وفهم خطورة الوضع الخاص الذي تعيشه الأمة فيم يتعلق بفلسطين , كأنما هو حكرٌ على أبناء فلسطين , وكأن العربي يجب أن يتجرد من احساسه بالشرف والمروءة والكرامة بل ومن الاحساس نفسه في زمن يطلب اليه فيه العالم أن يعيش على هامش مايجري في فلسطين , وإن كتب أو عبر عن احساسه وعن خطورة مايجري صار ""متهما"" بأنه فلسطيني , وماأعذبها من تهمة في زمن الشهداء الذين يحسنون وحدهم من دون الجميع صناعة الموت في هذه الأمة.
لماذا لايستطيع العربي أن يكون حرا شريفا في هذا الزمن الا وتنزل به الاتهامات من كل حدب وصوب ؟ ألا يستطيع الواحد منا أن يكون إنسانا ذا ضمير حي ؟ ألا يمكن للكاتب العربي اليوم أن يعيش هموم أهله واخوانه في كل مكان بل هموم وآلام البشر على وجه هذه الأرض التي عمها الظلم والأذى للانسان الذي لايكاد يجد مخرجا ولامهربا ولاملاذا آمنا له في هذه الحياة؟.
هل محنة فلسطين خاصة بأهل فلسطين وحدهم من دون سائر العرب والمسلمين؟ وهل محنة أهل العراق خاصة بأهل العراق وحدهم ؟ وهل مايجري في السعودية اليوم يخص أهل السعودية وحدهم من دون سائر العرب والمسلمين في الأرض؟؟ وهل ماتعيشه هذه الأمة اليوم من بلاء ووهن وذل وتمزق وسقوط ودعارة هو شأن لاينبغي أن يخوض فيه الا قلة قليلة من أصحاب المناهج المعلنة ممن نصنفهم تارة بالاسلاميين وتارة بالعلمانيين وتارة باليساريين وتارة أخرى بالارهابيين .
متى يمكننا أن نخرج من عباءة التصنيف هذه ؟ متى نفهم أن هذه أمة جريحة كسيحة مبتلاة اليوم بشرفها الذي هو أعز ماتملك , وهي بحاجة ماسة الى كل فرد من أفرادها ومن كل لون وانتماء وطيف , لا ليذبحوها ويغسلوا شرفهم وعارهم بالدم ولكن ليستدعوا توبتها وعودتها ورجعتها الى جادة الصواب حتى تستقيم حياتها وحياة أبنائها الذين فقدوا القدرة على الحياة وعلى الشعور بالشرف , وأصابهم الوهن الذي يتمثل وبشكل مفجع في هذا الانتحار الجماعي الذي نشهد والذي لايفهم القدرة على التغيير الا عبر رؤية الدماء والرغبة في الاجتثاث لعجز سقيم أصابنا في قدرتنا على فهم الأشياء.
لست أدري أية سريّة تكمن في أن يقول المرء مايظن أنه حقا , ولاأية سريّة في أن يعلن على الملأ موقفه من الارهاب ومن الحرب على الارهاب ووقوفه ولو وحده مع تلك "الثلة" التي يظن السيد بوش أنه يستطيع استئصالها والقضاء عليها في الأرض المقدسة !, ولاأية سريّة في أن يقول للأعمى أنت أعمى , ولاأية سريّة في أن يحاول أن لايكون له ثمن في زمن سقط فيه معظم الناس مابين معتقل في السراديب والجحور , ومابين مُتَعر ٍ مفضوح يبيع الأمة والعرض والكرامة والشعارات وينبطح كقَذر ٍ مشؤوم أمام الأعداء خوف أن يسلبوا من أبنائه ماتبقى من رمق حياة ٍ سرقها وأبناءه من هذه الأمة .
هذا الزمن الأجرب الذي نعيش هو أحد أزمنة الفتنة والبلاء والمحنة والذي ماكنا نرجو أن نراه ولاأن نعيشه ولكن أقدارنا ساقتنا اليه , فلا أقل من أن نقف من أنفسنا وقفة صدق في زمن الكذب , وقفة شرف في زمن العهر , وقفة مروءة في زمن الانهيار الكبير , وإني والله لأظنها وقفة كل الشرفاء من الكتاب والصحفيين العرب اليوم في معظم الصحف العربية والمنابر الاعلامية , وهؤلاء الصحفيون والكتاب الأشراف هم الذين أوقفوا هذا الانهيار مرة إثر مرة في وجود هذه الأمة , ولعل كلمة صدق واحدة قيلت في الزمان والمكان المناسبين أوقفت انهيارا متسارعا في ضمير أمة تتفكك بسرعة خارقة تحت وطأة تداعي الأعداء عليها مرة , وسقوط الساقطين من حكامها وعلمائها ومثقفيها ألف مرة .
ماذا نقول عن هؤلاء الذين يهرولون نحو أمريكا ؟ وقد قضوا أعمارهم يسبون أمريكا ؟ ماذا نقول لهؤلاء الساقطين في أعين العالم والسائرين بسرعة الضوء نحو هاوية التاريخ التي لن ترحمهم , هؤلاء الذين استخفونا وجعلوامن العباد والبلاد أملاكا شخصية لهم في جماهيرياتهم الثورية وكتبهم الخضراء والسوداء السفيهة القميئة التافهة كتفاهتهم وقماءتهم وسقوطهم وهم أكثر من واحد وفي أكثر من مكان ؟! ماذا نقول لهم نحن أصحاب الأقلام والكلمات ؟! هل نتعامل معهم بأجندات أي مناهج سرية؟ هل نسكت عنهم خوف أن يرسلوا الينا بقتلتهم المأجورين ليمنحنا الله شرف الشهادة برصاصتي غدر في ليلنا السادر ؟ وما أسهل الوصول الينا نحن أصحاب الأجندات غير السرية وغير المخفية وغير المبالية بغير شرف هذه الأمة وبغير هذا الضمير الذي نريد له أن يكون مرتاحا ولو بعض الشيء , وبغير سؤال الله يوم القيامة عن هذا القلم ماذا فعلنا فيه وبماذا استخدمناه وعلى أي حال خضنا به معركة الحياة والموت؟!.
فإلى من يهمه الأمر ...ان منهجي علني معلن رنان , انه حب هذه الأمة وعشق فلسطين والايمان المطلق بالغد الآت , الآت رغم الجراح والآلام والسقوط , الآت برغم أنف القذافيين والصدادمة والبيت الأبيض الأمريكي والوكر الأسود الاسرائيلي , بالرغم من كل هذا الهرج والمرج الذي نعيشه , آت بسواعد المؤمنين بحقوقهم لايتنازلون عنها , آت على أيد الذين يعرفون الحق حقا واضحا جليا فيرابطون عنده , والذين يعرفون الباطل باطلا جليا فيحاولون فضحه .
أصحاب المنهج الواضح الصريح القائم على فهم هوية هذه الأمة وتعددية أجنحتها , و المقيم والمنطلق من عقيدتها الصافية الطاهرة التي لايأتيها الباطل من بين يديها ولامن خلفها , المتفهم عروبة لسانها , المحترم انتماآتهاالقومية التاريخيةالمتعددة والتي شكلت عبر التاريخ تكوينها الانساني والحضاري , الواعي بأن قضيتها هي قضية فلسطين وبأن محنتها هي محنة فلسطين , والمدرك بأن حل كل مشكلاتها يمر عبر مشكلة القدس الشريف , وهذا هو منهج كل شريف حرّ يأبى الركوع والسجود لغير الله , منهج الشرفاء الأحرار في كل زمان ومكان, الذين لايمنعهم انتماؤهم الى التيار الاسلامي من انتقاد الأخطاء الفاحشة التي ترتكبها الحركات الاسلامية , والذين لايمنعهم انتماؤهم العربي القومي من الاعتراف بالقوميات الأخرى التي تشكل معاً لحمة وسدة هذه الأمة , والذين لايمنعهم الخوف من كلمة الحق عند كل السلاطين الجائرة , والذين لايمنعهم منعهم من حقوقهم المادية من أن يربأوا بأنفسهم عن البيع والشراء , والذين لاتمنعهم الغربة من أن يعيشوا همّ هذه الأمة قريبا من حبل الوريد , والذين لم تمنعهم الحدود السياسية المفروضة على هذه الأمة من أن يشعروا بأنهم هذه الأمة وأنهم منها واليها وأن بلاد العرب كلها أوطانهم من الشام لبغدان , وبأن فلسطين عشقا وقلبا ووطنا وهماً هي هي ..هي القضية وهي الألم وهي الجرح الذي لن تندمل جراح الأمة قط مادام هذا الجرح مفتوحا لم يندمل.