حينما يجثم ليل الهزيمة على النفوس بكلاكله الثقيلة,وترسف الأكف في أغلال الذل وسلاسل الاستعباد يتلفت الناس يمينا وشمالا باحثين عن بصيص من أمل يعيد إلى العزائم المتراخية ثقتها ويبعث في ركام اليأس الأسود ومضة من تفاؤل وبريقا من كرامة بعد أن كاد الرماد أن يطويهما إلى غير رجعة .إن تضحيات الأبطال وقوافل الشهداء تمثل بلا ريب رصيد الأمة من العز والفخار,ويزيد هذا الرصيد نفاسة وقيمة حينما تأتي تلك التضحيات في زمن الذل والانكسار ,لأنها لا تقاس حينئذ بما تحققه على الأرض من مكاسب وانتصارات ولكن بقدر ما تحييه في النفوس الواهنة المستكينة من قيم الجهاد والكفاح ومعاني البذل والفداء!. يوم الأربعاء الماضي شهد(مولد) نجمة ثاقبة تنير سماء الهزيمة المظلمة ,حين ضحت (ريم الرياشي) بنفسها في عملية استشهادية جريئة قتل فيها أربعة من الجنود اليهود وجرح عشرة وسط موقع عسكري محصن {وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا},حيث نجحت في خداعهم بعد أن لفت جسدها بحزام ناسف متهادية بين عكازين,وحين أدخلها الجنود غرفة التفتيش المركزية واستدعوا خبراء المتفجرات دقت ساعة التنفيذ وتناثرت أشلاء ذلك الجسد الطاهر في عملية متقنة أذهلت قادة الجيش الذي لا يقهر!!.والعملية تحت أي معيار لا يمكن أن تصنف بأنها عملية إرهابية لأنها استهدفت موقعا عسكريا محتلا وقتلاها من العسكريين لا المدنيين لكن أمريكا وأذنابها ينعتونها بذلك بلا حياء أو تعقل,ويتناسى الأميركان أنهم قد قتلوا يومي ( 6 و 7 ديسمبر الماضي ) 15 طفلا أفغانيا في عمليتين فاشلتين للقبض على أحد قادة طالبان,وانتهى الأمر بإعلان رامسفيلد-وزير الحرب الأمريكي- أسفه الشديد لمقتل أولئك الأطفال في لفتة إنسانية نبيلة تشهد بها تعبيرات وجهه الصادق,ثم هم لا يجدون بعد ذلك أدنى غضاضة في أن يتحدثوا بكل فجاجة عن ضرورة محاربة الإرهاب والإرهابيين!!.
الشهيدة ريم أم لطفلين لايزال أحدهما رضيعا ولم تتم بعد ربيعها الثاني والعشرين ,وقد كانت مثالا رفيعا للمرأة التي لا يملك الرجل إلا أن يُطرق إجلالا حين يتحدث عن فدائها وبذلها,إنها امرأة تجعل الرجال يستصغرون شأنهم حين يرون ذلكم النموذج الفذ من الجود بالنفس ذودا عن الدين وثرى الوطن ,لا تتكلم (ريم) عن المساواة بين الجنسين في ميادين الكفاح لأن صنيعها يغنيها عنها الكلام فيسكت أبلغ الخطباء وأبرع المتحدثين ,لكن ليت شعري: ما حظّ (نجومية) ريم بين نسائنا وفتياتنا وقد أشغلهن الإعلام المهزوم حتى النخاع بنجومية العهر الفني والتحرر المزيف لدى من لا أرغب بتدنيس مدادي بذكر أسمائهن متمثلا في ذلك قول القائل:
ولقد علمت بأنهم نجس * فإذا ذكرتهم غسلت فمي!!
يتحدث إعلامنا الخائب عن تحرير المرأة وهو الذي يحرص على تقديمها في صورة الجارية المتهالكة فلا فكر ولا تضحية ,بل ما ثمّ إلا تلك النماذج المستعبدة التي بروّجها في سياقات مريعة من الإسفاف والابتذال تتورع عن مثلها جواري العباسيين وإماء ألف ليلة وليلة !ففي سماء الفن والطرب لا يعلو (نجم) المرأة إلا بالقدر الذي تتحرر فيه من حيائها وثيابها!وإذاكانت الجارية قديما تمنح المتعة لسيد واحد, فإنّ جارية الألفية الثانية تتفوق عليها بجدارة لأنها تمنحها لألف ..لا ليست (لألف سيد) كما تظن بل لألف قنّ!فالسادة يأنفون عن متعة (مؤممة) تشاطرهم إياها جموع السوقة ورعاع الخلق!!اللهم تقبل (ريما) في عداد الشهداء الأبرار وارفع درجتها في المهديين والمهديات.