صاحب نظرية "الصدمة" السيد "دونالد رامسفيلد" وزير الحرب الأمريكي التي أبدعها كإستراتيجية لإرباك الجيش العراقي وإلحاق الهزيمة النفسية به ،تكون ممهدة للاستسلام ورفع الراية البيضاء أمام الكوبوي الأمريكي، هي نفسها التي يطبقها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تجاه خصومه هذه الأيام..فممارسة الفعل السياسي بإطلاق مجموعة من الصدمات القوية التي تشل القوى النفسية وحتى الملكات العقلية هي التي جعلت الكثير من الناس-بما فيهم الغاضبين عليه-يعتبرون الاستحقاق القادم محسوما لصالح الرئيس. الرئيس الذي كان يخفي طموحه لعهدة ثانية -وهو مشروع على أية حال-بدأ يكشف عن هذه الرغبة بإخراج مجموعة من الأوراق..بدأها بعمليات التقييم لسنوات إدارته وبلغة الأرقام تستحسن مرحلة حكمه من غير الإشارة الى السلبيات والنقائص -من باب الموضوعية على الأقل- تزامنت مع خرجاته الإنتخابية المكثفة لولايات البلاد ،وأبدعت" اليتيمة" في ترجمة كل نظريات التأثير النفسي على الجمهور،فلم تترك شاردة ولا واردة من مشاهد الرئيس إلا ونقلتها وبإثارة في بعض الأحيان..كما أبدعت "الإدارة" من جهتها في حشد الناس وتجميع لجان المساندة من كل أطياف المجتمع المدني بما فيها الزوايا التي أصدر وزيرها مؤخرا تعليمة توصي الأئمة بإبعاد المساجد عن المنافسة السياسية والصراع الإنتخابي المتعلق بالاستحقاق القادم ..يحدث هذا كما لو أن الأمر يتعلق برغبة الشعب الجزائري في ترشيح رئيسه لعهدة ثانية ،وما على الرئيس إلا أن يحترم هذه الرغبة ،وهذا في حد ذاته إكتشاف لم يتسنى لنا معرفته إلا في هذه اللحظات..
بوتفليقة صار شغل الناس، فقد إحتل التلفزيون وإحتل الشوارع في الولايات التي زارها،وإحتل المونشيطات الكبيرة في الصحافة العمومية،وهو يدرك جيدا-خاصة وهو الماهر الذكي-أن الوقت قد حان للعمل من أجل عهدة جديدة، ولا بد أن يتقن أكل الكتف ومن الموضع اللذيذ،وبالتالي كسب تعاطف أكبر عدد ممكن من شرائح الشعب...
المعارضة تعتبر أن الرئيس من حقه الترشح ،لكن ليس من حقه إستغلال وسائل الدولة في حملته الإنتخابية المسبقة،وليس من حقه التصرف في المال العام بطريقة "شراء الذمم" وتبذيره هنا وهناك..ويطالبون العسكر أن يكون حياده إيجابيا بحرمان الرئيس من هذه الوسائل أو إشراك المعارضة في الإنتفاع من هذه الوسائل من باب العدل والإنصاف..وهي نفس الملاحظة التي أبداها المبعوث الأمريكي "كرانار" الى الجزائر مؤخرا..
المعارضة راحت تعدد أيضا الكثير من خروقات "بوتفليقة" للدستور، ويتهمون الإدارة بالتواطؤ مع الرئيس،وبالتالي بداية عمليات التزوير للإنتخاب القادم..
ما تقوله المعارضة هو عين المنطق ..والرئيس الذي يصف مطالب "10+1"بالشعبوية ويدعوها للإحتكام الى الشعب كـ"محك"حقيقي، سيقدم أجمل هدية للجزائر، وسيسن سنة حسنة في الحكم الجزائري إذا ترك العملية الإنتخابية تمر في كامل الشفافية والنزاهة بعيدا عن تحيز الإدارة،وبعيدا عن مخابر صناعة الرؤساء،وساعتها سينحني الجميع أمام جلالة الديمقراطية، وتنتصر الروح الرياضية، ويصفق الجميع للفائز..أليس هذا هو المطلوب..؟