كم ذا بمصر من المضحكات ولكنّه ضحك كالبكاء
تعتبر الإجتماعات و اللقاءات على مستوى القمّة كما القاعدة مرضا عربيّا بإمتياز وعاهة مستديمة تفضي دوما إلى عكس المطلوب , و يفترض بالإجتماعات كما هو الحاصل في الدول المتحضرّة التي تحترم شعوبها و مواطنيها أن تنتهي إلى نتائج عمليّة للنهوض بالمجتمع والدولة في آن واحد .
أمّا إجتماعاتنا العربية فقد أصبحت للتنكيت والتبكيت و المشاحنة والمباغضة و السباب و الضرب بالصحون غير الأشياء الأخرى التي لا تصل إليها عدسة الإعلاميين في الجلسات المغلقة , و لا يوجد أيّ قمة عربية منذ بداية عهد القمم حلّت مشكلة بلديّة واحدة في هذا القطر العربي أو ذاك , بل إنّ معظم القمم كانت فرصة للمشاحنات والمباغضات و إبراز العضلات. وفوق هذا وذاك فإنّ هذه القمم فضحت مستوى كثير من رؤسائنا السياسي و اللغوي والنحوي والثقافي والعلمي و الفكري و الأدائي , فهذا يكسر الفاعل وذاك يرفع المجرور وذلك يسكّن المتحرّك و آخر يؤنث المذكّر و يذكّر المؤنّث و تشاء الأقدار أن تكون الفضائح متكاملة شكلا ومضمونا , إلى درجة أنّ الكثير من هذه القمم باتت مصدرا مهمّا للكوميديا العربية التي صورت مشاهد التخلّف في قممنا العربية .
ومنذ إنطلاقتها فإنّ القمم العربية كانت فرصّة لهذا لنقل المعلومات عنها وعن مشاريع المشاركين فيها إلى الموساد الإسرائيلي و ذاك كان ينقل كافة المعطيّات إلى الإدارة الأمريكية , و آخر كان يكلّف بتكريس خيارات الكبار و الأطروحة الأمريكيّة المراد رواجها في الساحة السياسيّة العربيّة الرسميّة , وآخر كان يمارس بداوته ويعلن حرب داحس والغبراء على غيره .
و في الوقت الذي بلغت فيه أمتنا العربية أوج الإنهيار والإنكسار فإنّ الحكام العرب والذين يشاركون عادة في القمة العربية يجدون متسعّا من الوقت لتبادل السباب و التهجّي و إستخدام القفازّات درءا للتنجّس .
و لا يوجد أي قضية مركزيّة أو فرعيّة وجدت لها القمم العربية حلاّ , فالقضية الفلسطينيّة في تراجع مستمر , والصراعات العربية – العربيّة في تقدّم مستمّر , و حالة التنميّة ما زالت على حالها ولم يتمكّن العالم العربي من تحقيق أي نقلة نهضويّة , وكل الملفات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنيّة ما زالت مفتوحة لم يغلق أيّ منها , و فوق هذا وذاك فإنّ هذه القمم بدل أن تكرّس العمل العربي المشترك و التضامن العربي المشترك والعمل بمبدأ الدفاع العربي المشترك , فإنّها كرسّت القطريّة و التبعيّة و الطائفية والعشائريّة والبدوية , و أصبحت العواصم العربية تنسّق مع الولايات المتحدّة الأمريكية و مع الكيّان الصهيوني أكثّر من تنسيقها فيما بينها , و تشتري منتوجات الولايات المتحدة الأمريكية والكيّان الصهيوني والكتلة الغربيّة أكثر ممّا تشتري من بعضها البعض , وبدل أن تعمل هذه العواصم العربية بمبدأ الدفاع العربي المشترك فإنّها باتت تسهّل بل وتشارك بل وتخططّ لدكدكة القلاع و إستباحة الأوطان و كسر شوكة المقاومين للمشاريع الأمريكية و الصهيوينة .
ألم تحوّل أمريكا معظم عواصمنا العربية إلى قواعد عسكريّة أمريكية مدججّة بالسلاح والعتاد العسكري المتطوّر , ومنها إنطلقت كل الغارات التي إستهدفت الجغرافيا العربيّة والإسلامية !
ألم تصبح معظم العواصم العربية في حلف مقدّس مع الولايات المتحدة الأمريكية التي توفّر لهذه العواصم لقمتها ولباسها وسياستها وثقافتها وخطتها وإستراتيجيتها و إستخراج نفطها وتكريره وإعادة بيعها و فوق هذا وذاك فقد علمّت أمريكا الكثير من حكامنا - الذين لا يعرفون اللغة العربيّة مطلقا - اللغة الإنجليزية و التي باتوا يتكلمونّها بلكنة أمريكية طليقة والغرض من هذا الفعل الثقافي الأمريكي ليس تثقيف بعض حكامنا بل لجعلهم يفهمون الأوامر الأمريكية بوضوح وبدون مترجم ليتمّ التنفيذ السريع لهذه الأوامر دون تضييع الوقت في الترجمة وما قد ينجّر عنها من أخطاء .
ثمّ ما جدوى قمّة عربية إنسلخ المشاركون فيها عن جلدهم العربي و أستبدلوه بجلد أمريكي مزيّف سرعان ما يدبّ فيه العفن والبكتيريا !
و ما جدوى قمّة إذا كان المشاركون فيها قد شيدوا جدارا عازلا بينهم وبين مواطنيهم وشعوبهم ونأوا بأنفسهم عن الهموم الحقيقية للمواطن العربي !
ألا يحقّ لنا بعدها أن نطالب بوقف مسرحيات القمم العربية التي لم تفد غير الكوميديا العربية , وفي العصر الأمريكي الراهن يجب أن نحسم خيارنا : نكون أو لا نكون !!

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية