الدعاء عبادة ، وهو ـ على العموم ـ واجبٌ من الواجبات ، ومن أهم العبادات؛ لأنها تُظهر ذلة الإنسان لله ، وحاجته إليه ، وقد أمر الله ـ عَزَّ وجلَّ ـ بها في كتابه العزيز ، فقال: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] . فالذين لا يمدون أيديَهم بالدعاء هم أناسٌ مستكبرون ، وسيدخلون جهنم ذليلين ، .جزاء لهم على استكبارهم
ولهذه العبادة آداب علينا أن نلتزم بها ، كما نلتزم بآداب أية عبادة أخرى من العبادات التي تعبدنا الله ـ عَزَّ وجلَّ ـ بها ، نلتزمُ بها كمَّاً ، وكيفاً ، ومادةً ، وموضوعاً ، على اختلافٍ في قوَّةِ الالتزام والإلزام فيما تقدم .
ويبدو أننا اخترنا تخصيب الأدعية ، كمَّاً ، وكيفاً ، ومادةً ، وموضوعاً ، غير عابئين بالآداب التي أدّبنا بها ربنا ـ سبحانه ـ وأدبنا بها رسوله الكريم ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ فلم نترك أمراً من أمور دنيانا صغيرها وكبيرها ، أو آخرتنا إلا قضيناه بتلك الأدعية ، من أتفه شيء في هذا الدنيا إلى أعلاه ـ إيجابا ، أو سلباً ـ إلا عرجنا عليه في أدعيتنا . فالإمام يقف أربعين ، أو ثلاثين دقيقة ، وقد بلغ ببعضهم أن وقف ساعة يردد بين يدي الله ـ عَزَّ وجلَّ ـ كل ما يخطر على البال ، وما لا يخطر .
اللهم زوِّج الشباب العزاب ، والشابات العازبات ، وحصن نساءنا بالحجاب ، ونجح أبناءنا ، ووسع شوارعنا ، مرورا بالمغنين والقنوات الفضائية!!! وانتهاء بأن يجعل عدونا يقتل نفسه بيديه !!!!!!
واجتماعاتنا في إداراتنا التي نعمل فيها تبدأ بدعاء وتنتهي بدعاء . الدعاء ، الدعاء ، الدعاء ... وخطبة الجمعة تبدأ بدعاء قد يكون قصيرا ، ولا بد أن تنتهي بدعاء طويل .
نجمع في أدعيتنا كلَّ دعاءٍ ورد في القرآن الكريم ، و كلَّ دعاءٍ دعا به النبيُّ ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ثم لكل داعٍ طريقتُه في الحصول على الأدعية التي وردت في الكتب ، يتصيدها ، ويتمنى ألاَّ يعثر عليها أحد غيره .
ثم لكل داعٍ طريقتُه في الابتكار زيادة على ما تقدم : إيراد أسماء الله الحسنى كلِّها ، والدعاء بها واحداً تلو الآخر ، ونعرج بعدها إلى الأنبياء واحداً بعد الآخر ، فندعو الله ـ عَزَّ وجلَّ ـ أن يعطينا ما أعطاهم ، ثم لا ننسى الحروف العربية من الألف إلى الياء ، ولكلِّ حرفٍ دعاؤه ، ثم نصبُّ جام غضبنا على الأعداء بشتى الدعوات التي تعرفونها (استئصال ، سحق ، محق ، تقتيل...) (اللهم عليك بالكفار والمشركين واليهود ، اللهم لا تبق أحداً منهم في الوجود ، اللهم أفنهم فناءك عاداً وثمود) !!
وجعلنا من تلك الأدعية صواريخ متعددة الأغراض (اللهم لا تدع لهم طائرة إلا أسقطتها ، ولا سفينة إلا أغرقتها ، ولا دبابة إلا نسفتها ، ولا فرقاطة إلا فجرتها ، ولا مدرعة إلا دمرتها ... ...)!!!
وأحياناً يصيب دعاؤنا على الأعداء رسولَنا الكريمَ بالسوء (اللهم عليك باليهود ومن هَاوَدَهُم) مع أنَّ الرسول ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ هاود اليهود : أي وادعهم وصالحهم ولاينهم!!!!
ثم نعرج على القبور : (اللهم ارحمنا إذا ثقل منا اللسان ، وارتخت منا اليدان ، وبردت منا القدمان ، ودنا منا الأهل والأصحاب ، وشخصت منا الأبصار ، وغسلنا المغسلون ، وكفننا المكفنون ، وصلى علينا المصلون ، وحملونا على الأعناق ، وارحمنا إذا وضعونا في القبور ، وأهالوا علينا التراب ، وسمعنا منهم وقع الأقدام ، وصرنا في بطون اللحود ، ومراتع الدود ، وجاءنا الملكان... الخ) والناس خلفه يبكون ، ويؤمنون!!!
ويصاحب هذا كلَّه : زعيقٌ يصكُّ الآذان ، وترنيمٌ ثقيلٌ ، ونحيبٌ مُتَكَلَّفٌ ، ونشيجٌ ممجوجٌ . كل هذا في ليلة واحدة ، وفي وقفة واحدة ، ويكاد يتكرر كل ليلة ، لكنه يبلغ المدى الأعلى ، والذروة القصوى ، والقمة العليا ، وتتهيأ لحضوره الناس ، ويأتي الأئمة بما لم يـأتوا هم أنفسهم به فيما سبق من الأيام : ليلة ختم القرآن الكريم ، وليلة السابع والعشرين من رمضان .
وكانت المباريات غير المعلنة بين الأئمة والخطباء : أي منهم يأتي بدعاء لم يأتِ به الأوائل في حياتهم كلها ، ويؤديه أداء دونه أداء الآخرين ، ثم كان دعاء فلان ، ودعاء فلان ، ودعاء فلان ... ، ولكل داعٍ متحمسون ومشجعون ، وأصبح التسابق إلى المساجد يختلف قلَّةً وكثرةً حسب ما شاع عن دعاء إمامها ، وما إن ينتهي الداعي من دعائه حتى تجد إعلاناً عن ذلك الدعاء في محلات التسجيل ، وكل منا يتطلع أن يحضر الدعاء ، وأن يحظى بأكبر قدر ممكن من الأدعية .
ولا أستبعد أن يأتي يومٌ تقيم فيه بعض القنوات، أو إذاعات القرآن الكريم مسابقاتٍ (رشِّح الداعي المفضل عندك) طبعاً لا تنسوا ، لا بد أن يكون الترشيح عن طريق (sms) وكلما اتصلت أكثر مُرَشِّحَاً (داعيك) كلما حالفك الحظ بالحصول على جائزة !!!! وليس هناك من عجب ، فنحن في عصر العولمة ، والتجارةُ تطال كلَّ شيءٍ .
أيها الإخوة الأفاضل :
الدعاء عبادة ، ووقوف بين يدي الله ـ عَزَّ وجلَّ ـ فهل من المعقول أن ننزل بمستوى هذه العبادة إلى هذا الحد من الابتذال .
الدعاء عبادة ، ووقوف بين يدي الله ـ عَزَّ وجلَّ ـ فهل من آداب هذه العبادة هذا الصياحُ ، وهذه الضوضاء ؟
الدعاء عبادة ، ووقوف بين يدي الله ـ عَزَّ وجلَّ ـ فهل من آدابها أن نأتي بألفاظ مبتذلةٍ ، لا يتناسب ذكرها مع عظمة المناجَى؟
الدعاء عبادة ، ووقوف بين يدي الله ـ عَزَّ وجلَّ ـ فهل من آدابِها التنبيهُ على حاجات لا يليق ذكرها بين يدي الله ـ عَزَّ وجلَّ ـ وهي مندرجة تحت عموم أكبر منها ؟
فيما يخص رفع الأصوات ، والترنم بالأدعية
اسمعوا إلى ربِّ العالمين يعلم عباده كيفية مناجاته :
ـ {قُلْ : مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، تَدْعُونَهُ : تَضَرُّعاً ، وَخُفْيَةً ، لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ؟} [الأنعام:63] .
ـ {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ : تَضَرُّعاً ، وَخِيفَةً ، وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ، وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف:205] .
واسمعوا رب العالمين يمتدح زكريا :
ـ {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا . إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً} [مريم:2ـ3] .
واسمعوا إلى رسول الله ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ يعلم صحابته كيفية الدعاء :
ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال : رفع الناسُ أصواتَهم بالدعاء فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : ((أيُّها الناسُ أرْبعوا على أنفسِكُمْ ، فإنَّكُم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً ، إن الذي تدعون سميعٌ قريبٌ ، أقربُ إلى أحدِكُمْ من عُنُقِ راحلتِهِ)) .
وقال عبد الله بن المبارك ، عن مبارك بن فضالة ، عن الحسن البصري ، قال : (المسلمون يجتهدون في الدعاء ، وما يسمع لهم صوت ، إن كان إلا همساً بينهم ، وبين ربهم ، وذلك أن الله ـ تعالى ـ يقول : {ادْعُوا رَبَّكُمْ : تَضَرُّعاً ، وَخُفْيَةً}) .
وقال ابن جريج : (يُكْرَهُ رَفْعُ الصوتِ والنداءُ والصياحُ في الدعاء ، ويُؤمرُ بالتضرع والاستكانة) . والكراهة جاءت لأنَّ رفعَ الصوت بالدعاء يتنافي مع ما تدعو إليه الآيات والحديث النبوي .
ثم من أين لهؤلاء الدعاء على عموم الكفار؟ لم يثبت أن الرسول ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ دعا على عموم الكفار ، بل إن رسولنا الكريم ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ لما جاءه ملك الجبال ، وعرض عليه أن يطبق على الكفار الأخشبين ، قال: ((لا ، لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ، لا يشرك به شيئا)) .
وحين دعا النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في لحظة غضبٍ على كفارٍ بأعيانهم ، وسماهم بأسمائهم ، فنزل قوله ـ تعالى ـ : {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ، أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ، أَوْ يُعَذِّبَهُمْ ؛ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} . [آل عمران:128] .
وقد روى مسلم في الصحيح عن أبي هريرة ، قال : قيل: يا رسول الله ، ادعُ على المشركين . قال : ((إني لم أبعث لَعَّاناً ، وإنما بُعِثْتُ رحمةً)) .
وإن نوحاً ـ عليه الصلاة والسلام ـ لم يدعُ على الكفار بالاستئصال ، إلا بعد أن أوحى الله ـ عَزَّ وجلَّ ـ إليه : {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} . [هود:36] .
ولهذا لم يدع النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ على قريش بالهلاك ، بل قال: ((اللهم ، عليك بهم ، اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف)) . وهذا دعاء أن يصيبهم الله بضيقٍ في العيش، وهذا التضييق قد يكون من مصلحة الظالم، علَّه يرعوي .
وفيما يخص ذكر ما لا يليق من الأمور بين يدي رب العالمين
يقول اللهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ {ادْعُوا رَبَّكُمْ : تَضَرُّعاً ، وَخُفْيَةً ، إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55] .
ففي مسند الإمام أحمد عن زياد بن مخراق ، قال : سمعت أبا نعامة ، عن مولى لسعد : أن سعداً سمع ابنا له يدعو ، وهو يقول : اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها ، وإستبرقها ، ونحواً من هذا ، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها . فقال سعدٌ : لقد سألتَ اللهَ خيراً كثيراً ، وَتَعَوَّذْتَ به من شرٍّ كثيرٍ ، وإني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقول : ((إنه سيكون قومٌ يعتدون في الدعاء)) [وفي لفظ : ((يعتدون في الطهور والدعاء))] وقرأ هذه الآية : {ادْعُوا رَبَّكُمْ : تَضَرُّعاً ، وَخُفْيَةً ، إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} . وإن بحسبك أن تقول : اللهم إني أسألك الجنة ، وما قرب إليها من قول أو عمل ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل)) . وإسناده حسن لغيره .
وفي مسند الإمام أحمد عن أبي نعامة : أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول : اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها . فقال : يا بُنَيَّ ، سَلِ اللهَ الجنةَ ، وَعُذْ به من النار ، فإني سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقول : ((يكون قوم يعتدون في الدعاء والطهور)) . وإسناده حسن لغيره .
واستمع إلى أنس ـ رضي الله عنه ـ يصف دعاء الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يقول : كان أكثر دعاء النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : ((اللهم آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار)) متفق عليه .
ولم يُروَ عن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في دعاء القنوت إلا حديث الحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ : ((اللهم أهدينا فيمن هديت...)) .
وعن عائشة ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ـ قالت : ((كان رسول الله ـ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسَلَّمَ ـ يِسْتَحِبُّ الجوامعَ من الدعاء ، ويدعُ ما سوى ذلك)) . وعنها ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله ـ صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسَلَّمَ ـ أوصاها فقال: ((عليك بِجُمَلِ الدعاءِ وجوامِعِهِ ، قولِي : اللهمَّ إِنَّي أسألُكَ مِنَ الخيرِ كلِّهِ عاجِلِهِ وآجلِهِ مَا عَلِمْتُ منهُ وما لم أعلَمْ ، وأعوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِ كُلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ ما علِمْتُ منه ومَا لَمْ أعلَمْ ، وأسألُكَ الجنةَ وما قرَّبَ إليها مِنْ قوْلٍ أوْ عملٍ ، وأعوذُ بكَ منَ النارِ وما قرَّبَ إليها منْ قولٍ أوْ عملٍ ، وأسألُكَ مما سألَكَ بِهِ محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، وأعوذُ بِكَ مِمَّا تعوَّذَ بِهِ محمدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، وما قضيْتَ لي مِنْ قضاءٍ فاجعل عاقِبَتَهُ رُشْدًا)). حديث صحيح.
افترض أن شخصاً سمح له الملك أن يطلب حاجاته ، فهل من المناسب :
أن يرفع حاجاته بأعلى ما يستطيع من صوتٍ؟
هل المناسب أن يقول له : ثوب زوجتي ممزق ، فهي تحتاج إلى ثوب ؟ وشراك نعلي انقطع ، فهب لي نعلاً ؟ وقلم ولدي ضاع ، فهو محتاج إلى قلم ؟ و .... و .... و ....؟؟؟
ثم هل المناسب أن نجعل من هذه العبادة مادة دعائية وإعلامية ؟
وأترك لكم الحكم على ما تسمعونه من صراخٍ ، وَتَفَنُّنٍ في الأدعية .
الدعاء وبلوغ الغاية
هذا فيما يخص مضمون الدعاء وطريقة أدائه ، وهناك أمر آخر ، وهو ما نؤمله من هذه الأدعية :
هل نظنُّ أننا بهذه الأدعية سنصل إلى ما نتطلع إليه ، دون أن نأخذ بالأسباب التي وضعها الله ـ عَزَّ وجلَّ ـ وسيلة للوصول إلى الهدف؟؟
لا بُدَّ أنه بهذه الأدعية : ستتحجب النساء السافرات ، ويؤوب إلى ربه الشباب الطائش ، ويتزوج العزاب والعازبات ، وينقلب المغنون إلى دعاة ، وتتحول قنوات التضليل إلى مراكز للبحث العلمي يخصب فيها الجنُّ اليورانيوم ، ويستنسخ بعضٌ من الملائكة الحيوانات ، وتُجري ملائكةٌ أخرى بحوثاً لريادة الفضاء ، وتَبلغ بنا ملائكةٌ أخرى قصبَ السبق في تقنية الصناعة والمعلومات ؟؟ بينما هناك ملائكة تُعِدُّ العدة ، لتجعلَ الصهاينة يقتل بعضهم بعضاً حتى يُفْنِي بعضُهم بعضاً ، ويتحرر العراق ، و... و...
وإذا أردنا الإسراع في الحصول على النتائج ، فما علينا إلاَّ ترديدٌ في الدعاء أكثرُ ، ورفْعٌ في أصواتنا أشدُّ ، وابتكارٌ من الأدعية مُمَيَّزٌ ، فعندها سيكون تحرك الجن والملائكة أسرع ونبلغ الغاية التي نريد بسرعة البرق .
حتى إذا انتهت الملائكة من كل أمر ، وهيؤوا كلَّ النتائج ، ووضعوا أيديَنا على كلِّ ما توصل إليه العلم من تقدم ، واستتب الأمرُ لنتسلم القيادة ، جاءت ملائكة الرحمن بسكينةٍ ووقار ـ ولعلَّ الملائكةَ متهيبون أن يزعجوا هذه الأمة النائمة ، المستغرقة في نومها ـ كي يسلموها مفاتيح الدنيا في احتفال بهيج ، يحضره كلُّ كسالى وعاطلي العالم .
يبدو أن الله ـ عَزَّ وجلَّ ـ يُدَلِّلُ آخرَ هذه الأمة بما لم يُدَلِّلْ به أوَّلَّها ... فهذا لم يكن لرسوله ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ ولا لأمته السابقة التي تعبت أبدانها ، وكَلَّت أبصارُها ، وواصلت الليل مع النهار في البحث العلمي حتى بلغت ما بلغت .
أين قادة الفتح الإسلامي من هذه الأدعية ؟؟؟
أين من هذه الأدعية علماء الطب ، والكيمياء ، والرياضيات ، والفيزياء من المسلمين السابقين ، إن هؤلاء العلماء لو عرفوا هذه الأدعية ، لما واصلوا الليل بالنهار يجهدون أبدانهم وعقولهم : يبحثون ، ويركبون المواد ، ويجرون التجارب ، حتى كانت أبحاثهم وما توصلوا لي مفتاحاً لهذا التقدم الذي نشهده .
أيُّها الإخوةُ الداعون ، إنّ هذه الأمة لم تبنِ حضارتها السابقة بالأدعية ، وإنما بالأخذ بالأسباب التي جعلها الله ـ عَزَّ وجلَّ ـ وسائل للحضارة ، ولم تهوِِ في قاع الأمم إلا يوم تخلت عن الأخذ بأسباب الحضارة : {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ، وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:53] .
ولن ترتفع هذه الأمة من هذا القاع ، وتتزحزح من مكانها ـ ولو اجتمعت عن آخرها : رجالُها ونساؤُها ، شيبُها وشبانُها ، شيوخُها وأطفالُها ، وكذا بهائمُها ـ في صعيدٍ واحدٍ ، وواصلوا الليل بالنهار رافعين أكفهم يدعون ، لن تتزحزح من مكانها ، إلاَّ إذا تغيرت من داخلها : {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11] . هذا قانون ربِّنا ، لم يغيره لرسوله الكريم ، ولن يغيره لنا : {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) [الفتح:23] .
يوم نجد مراكز البحث العلمي مزدهرة في بلادنا ـ هذا إن وجدت مراكز ـ ويوم نصرف على البحوث العلمية مثل ما نصرف على الرياضة ، وقنوات الغناء ، ويوم نخصب اليورانيوم ، ونأخذ بتقنية الصناعة ـ لا الصناعة وحدها ـ ويوم يكون لدينا ثروة في المعلومات ، ويوم ...، يوم ...، ويوم ...، في سلسلة طويلة من الطلبات ـ يومها سيسمع الله ـ عَزَّ وجلَّ ـ طلبنا ، ويؤخذ للنظر فيه ، فإذا استوفت أوراقنا شروطَ قيادةِ العالم ، وَتَصَدُّرِهِ ، فإنه ـ حينئذٍ ، وليس قبله ـ سنكون في الصدارة . {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} . {سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) [الفتح:23] .
أخيراً ـ أخي الكريم القارئ لهذا المقال ـ لي رجـــــــــاء هو :
أن تدعو الله ـ عَزَّ وجلَّ ـ بكل أسمائه الحسنى ـ بل وباسمه الأعظم ـ ليلك كلَّه ، إلى أن يبح صوتك بالدعاء : أن يتحرك مكتبك من مكانه الذي هو فيه الآن إلى مكان آخر هو خير من المكان الأول ، وأنت جالس على كرسيك!!!! جَرِّبْ ، رجاء ، رجاء ، رجاء !!!
هل جَرَّبْتَ ؟ آمل أن يكون قد استجاب الله ـ عَزَّ وجلَّ ـ دعاءك وحصلت على ما تريد ...
وأخيراً نرجو من جميع الإخوة الأفاضل ... الذين يأمُّون الناسَ ويدعون ، نتمنى عليهم :
أن يقدروا هذه العبادة الجليلة ،
وأن يحترموا مقامهم ومقامنا بين يدي ربهم ،
وأن يعطوا هذه المناجاة حقَّها من السكينةِ ، والوقارِ ، والخشوعِ ،
وألاَّ يجعلوا من الأدعية ميداناً للمسابقات فيما بينهم .
وأن يتخيروا للمسلمين الذين أمنوهم على أن يكونوا أئمتهم في الدعاء ـ يتخيروا لهم من أدعية القرآن الكريم ، وأدعية الرسول ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وعباد الله الصالحين ، فإنَّ فيها الخيرَ كلَّ الخير ، وهي الجامعة لكل ما يحتاجه المسلم ، وتحتاجه الأمة ، دون إسفاف ، أو مبالغة ، أو تكلف ، والله من وراء القصد .