كنت كتبت مقالاً نشر بتاريخ (15/3/2007) وعنوانه (لماذا لا تلعن الملائكةُ الرجالَ !)* ولم أقصد بهذه الصيغةِ الاستفهامَ الحقيقيَّ ، بل جئت به على غير بابه ، فهو استفهامٌ إنكاريٌّ تعجبيٌّ ؛ لذا لم يكن من المفروض أن أضع آخر هذه الصيغة علامة الاستفهام ، وحبذا لو تفضل الإخوة الأفاضل. في الدار فأزالوها ، ووضعوا بدلها علامات تعجب.
كما أني لم أُرِدْ مجرد قضية اللعن ، بل كنت أرمي إلى ما هو أبعد ، وهو أني أُنَزِّلُ على الرجال النصوص التي جاءت موجهةً إلى النساء ، إلا ما كان من النصوص لخصوصية النساء الواضحة.
وقد كان لبعض الإخوة والأخوات تعليقات مختلفة . وإني أشكر لجميع الإخوة والأخوات الذين علقوا على هذا المقال ، وأخص الأخ الفاضل: الأستاذ بشير بساطة الذي توقف قليلاً عند هذا المقال ، وطلب منى أن أزيد الموضوع وضوحاً ، وأيَّدَه على هذا الأخ عبدالله عبدالكريم . وأعتقد أنَّ خير تمحيص لأية فكرة تُطرح هو نقدها : تأييداً ، أو مخالفةً ، أو الإشارة إلى ما اكتنفها من غموض .
أعتذر للأستاذ الفاضل ولغيره عن قصور المقال السابق في إيضاح هذه الفكرة ، وأتقدم إليه بأسفي الشديد عن تأخري في الاستجابة لطلبه ، وسأحاول أن أوضح هذه الفكرة ، وآمل أن أنجح في هذا .
وخلاصة هذه الفكرة : أني أعتقد أنَّ الخطابات الشرعية تعم الرجل والأنثى ، سواء أجاءت مخاطبة الرجل ، أم مخاطبة الأنثى ، إلاَّ ما هو من خصوصية المرأة ، كالأحاديث التي تتحدث عن العدة ونحوها . ولبيان ذلك أقول :
يقول ـ صَلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ : ((لا يَبِعِ الرجلُ على بيع أخيه ، ولا يخطب على خطبة أخيه ، إلا أن يأذن له)) . [أخرجه مسلم] . النهي في هذا الحديث موجه بصيغته إلى الرجلِ ، فهل يجوز للمرأة أن تبيع على بيع الرجل والمرأة ؟ الجواب : لا يجوز. النتيجة أن الخطاب موجه للاثنين.
وفي الحديث أنَّ النبي ـ صَلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ نهى الرجلَ أن يَتَلَمَّسَ عَثَرَاتِِ زوجَتِهِ . [أخرجه مسلم] . النهي في هذا الحديث موجه بصيغته إلى الرجل ، فهل يجوز للمرأة أن تَتَلَمَّسَ عَثَرَاتِِ زوجِها ؟ الجواب: لا يجوز. النتيجة أن الخطاب موجه للاثنين.
يقول رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ ((لا يَفرُكْ [يبغض] مؤمنٌ مؤمنةً ، إن كَرِه منها خلقاً رضِيَ منها آخرَ)) . [أخرجه مسلم] ؛ النهي في هذا الحديث موجه بصيغته إلى المؤمن ، فهل يجوز للمؤمنة أن تبغض زوجها لخلق سيء فيه ؟ الجواب : لا يجوز. النتيجة أن الخطاب موجه للاثنين.
ويقول رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ : ((إنّ مِنْ أشرِّ الناسِ عندَ الله منزلةً يومَ القيامةِ ، الرجلَ يُفضِي إلى امرأتِهِ ، وتُفضِي إليه ، ثُمّ ينشرُ سرَّها)) . [أخرجه مسلم] . الوعيد في هذا الحديث موجه بصيغته إلى الرجل ، فهل يجوز للمرأة أن تنشرَ سرَّ زوجها ؟ الجواب : لا يجوز. النتيجة أن الخطاب موجه للاثنين.
ويقول رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ : ((أيما رجلٍ قال لأخيه : يا كافر ، فقد باء بها أحدهما)) . [أخرجه البخاري] . الوعيد في هذا الحديث موجه بصيغته إلى الرجل أن يقول لرجلٍ آخر : يا كافر .
فهل يختلف الحكم فيما لو قال رجل لامرأة : يا كافرة ؟ وهل يختلف الحكم فيما لو قالت امرأة لرجلٍ : يا كافر ؟ الجواب : لا يختلف الحكم. النتيجة أن الخطاب موجه للاثنين.
ويقول رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ : ((أيما رجلٍ أعتق امرأً مسلماً ، استنقذ الله بكل عضوٍ منه عضواً منه من النار)) . [أخرجه البخاري] . هذا الحديث يبين بصيغته ثواب الرجل إذا أعتق امرأ (رجلاً).
فهل إذا أعتق الرجلٌ امرأةً ، لا يستنقذ الله بكل عضوٍ منها عضواً منه من النار ؟
وهل إذا أعتقت المرأةُ رجلاً ، لا يستنقذ الله بكل عضوٍ منه عضواً منها من النار ؟
الجواب : ثواب العتق سواء ، سواء أكان الذي أعتق رجلٌ ، أم امرأة. النتيجة أن الخطاب موجه للاثنين.
ويقول رسول الله ـ صَلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ : ((أيما رجلٍ مات أو أفلس ، فصاحب المتاع أحق بمتاعه ، إذا وجده بعينه)) . [أخرجه الشافعي] . هذا الحديث يتحدث بصيغته عن حكم الرجل إذا اشترى شيئا ، ثم مات قبل أن يدفع الثمن ، فهل لو اشترت المرأةُ متاعاً ولم تدفع ثمنه ، ثم ماتت ، أو أفلَسَتْ يختلف حكمها عن الرجل ؟ الجواب : المرأة كالرجل في هذا. النتيجة أن الخطاب موجه للاثنين.
فهذه النصوص وكثير مثلها تخاطب الرجل ، وهي ـ في الوقت نفسه ـ خطاب للمرأة .
وكما كانت هذه النصوصُ الواردةُ باسم (الرجل) موجهةً إلى المرأة ـ أيضاً ـ فكذلك النصوصُ الواردةُ باسم (المرأة) موجهةٌ إلى الرجل ـ أيضاً ـ اللهم إلاَّ إذا كانت تلك النصوصُ تتحدث عن أمرٍ خاصٍّ بالمرأة ، مثل : الأحاديث التي تتحدث العدة ، والإحداد ، والحيض .
بناء عليه :
فحديثُ أبي هريرة ، عن النبي ـ صَلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ أنه قال : ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت ، فبات غضبانَ عليها ، لعنتها الملائكةُ حتى تُصبِحَ)) . وفي رواية : ((إذا باتت المرأةُ مهاجرةً فراشَ زوجِها لعنتْها الملائكةُ حتى تَرجِعَ)) . [متفق عليه] خطابٌ للمرأة بصيغته ، وهو خطابٌ للرجل ـ أيضاً ـ إذا دعته زوجته إلى الفراش ، فأبى دون عذر شرعيٍّ ، أو نفسيٍّ .
إذْ ، لماذا تلعنُ الملائكة المرأة التي أرادها زوجُها إلى الفراش فأبت ، ولا تلعن الملائكة الرجل الذي أرادته زوجتُهُ إلى الفراش فأبى ؟ مع أنَّ المرأة عندها ما عند الرجل من الرغبة في الفراش ؟؟
إذْ ، لماذا على الزوجة أن تستجيب للزوج إذا دعاها لحاجة الفراش ، ولا يجب على الزوج أن يستجيب لزوجتِهِ إذا دعتْهُ لحاجة الفراش ، مع أنَّ المرأة عندها ما عند الرجل من الرغبة في الفراش ؟؟؟
وقولُهُ ـ صَلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ : ((أيُّما امرأةٍ سألتْ زوجَها طلاقَها من غير بأسٍ ، فحرامٌ عليها رائحةُ الجنَّة)) . [الحديث حسن ، أو صحيح] خطابُ تحذيرٍ للمرأة بصيغته ، وهو خطابُ تحذيرٍ للرجل ـ أيضاً ـ إذا طلَّق زوجتَهُ دون سبب.
إذْ ، لماذا حرامٌ على المرأة أن تطلبَ ـ مجرد طلبٍ ـ الطلاقَ من زوجِها ، وحلالٌ على الرجل أن يُطَلِّقَ زوجتَه دون سببٍ ، وأكثر ما ورد من تهديدٍ للرجل الذي يطلق حديث مزعوم ، هو : ((أبغض الحلال إلى الله الطلاق)) . وهو حديث ليس بصحيح!! ، مع أنَّ الأذى الذي يلحق المرأةَ بالطلاق أشد من الأذى الذي يلحق الرجلَ ؟؟؟ فالأذى الذي يلحق الرجلَ ماديٌّ . والمعنويُ قليلٌ ، ومن السهل عليه أن يعوض هذه الزوجةَ بزوجةٍ أخرى ، بينما الأذى الذي يلحق المرأةَ المطلقةَ : قدحٌ في السمعة ، وتضييقٌ في الحركة ، وإسلامٌ إلى المجهول . واحتمالات التعويض لديها أقلُّ من الرجل بكثير.
لكن قد يسألُ سائلٌ : إذا كان الأمر كما تزعمُ ، فلماذا يأتي الخطاب موجهاً إلى أحد الجنسين ؟
الجواب : أننا نعلم أنَّ النبي ـ صَلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ يجيب كل سائلٍ بما يتناسب مع حاله ، فقد يكون المقام الذي قيل فيه هذا الحديث ، أو ذاك ـ هو الذي اقتضى ذكر المرأة ، أو الرجل .
فمثلاً : ربما يكون هناك رجل شكا زوجته لرسول الله ـ صَلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ أنها لا تستجيب له إذا دعاها إلى الفراش ، فقال ـ صَلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ : ((إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت ، فبات غضبانَ عليها ، لعنتها الملائكةُ حتى تُصبِحَ)) . أو أنه ـ صَلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ جرى على الغالب ، وهو أنه غالباً ما تكون المبادرة بالطلب ـ لأسباب متعددة ـ من الرجل ، فكانت المناسب أن تكون الدعوة للمرأة أن تستجيب . وليس المراد به خصوص المرأة ، لكن الذي اقتضى ذكر المرأة هو المقام .
وربما جاءته ـ صَلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ زوجةٌ تطلب فراقَ زوجِها ، دون أيِّ مسوِّغٍ لهذا الطلب ، فقال لها ـ صَلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وَسَلَّمَ ـ : ((أيُّما امرأةٍ سألتْ زوجَها طلاقَها من غير بأسٍ...)) . وليس المراد به خصوص المرأة ، لكن الذي اقتضى ذكر المرأة هو المقام .
وربما شكا زوج زوجته بنشوزها عليه ، وعدم طاعتها له ـ لا سيما في مجتمع الأنصار في المدينة الذي كان تغلب فيه نساؤُه رجالَه ، كما يقول عمر عن الأنصار ـ فلمَّا كانت عدم الطاعة من المرأة ناسب أن يتوجه الخطاب للمرأة.
مع ملاحظة أنه لا يجب على المرأة أن تستجيب إذا كان لديها عذر حسي أو معنوي، كما لا يجب على الرجل ذلك؛ لأن الإنسان ـ رجلا أو امرأة ـ ليس آلة يشغلها صاحبها متى يريد.
وبعد :
أخي الكريم، بشير بساطة، وجيع الإخوة الأكارم ، آمل أن أكون قد وفقت فأوضحت، وأعتذر إن كنت قد فسرت الماءَ ـ بعد الجهد ـ بالماءِ.
لكن ـ على كلِّ حالٍ ـ مــــــــــا رأيُكُـــــــمْ؟
هــــل تلعـــــنُ الملائكــــــةُ الرجـالَ؟
____________________________________________________
* رابط الموضوع الأصلي: http://www.nashiri.net/articles/religious-articles/3036---.html