بينما كانت إحدى الفتيات تسير مع أفراد أسرتها في السوق، قذف عليها شخص فجأة شيئا ارتطم بها وسقط على الأرض، رغم أن ذلك آلمها إلا أنه أثار فضولها في التقاطه، رفعته فإذا هو شريط عن المواصفات المثلى للعباءة الإسلامية! وفي حادثة أخرى كانت فتاة تسير في الحرم المكي فجذبت إحدى النساء حجابها ورمت طرفه على وجهها لتغطيته قائلة لها أن النقاب فرض على كل امرأة مسلمة! والقصص كثيرة عن الأسلوب غير اللطيف الذي يتعامل به بعض أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمملكة العربية السعودية مع الناس.

 

رغم عظم الرسالة ونبل الهدف الذي تعمل من أجله الهيئة إلا أنه من المؤسف أن تطغى مثل هذه السلوكيات الفَضّة والمواقف السلبية من بعض أعضائها على الأعمال الجليلة التي تقوم بها لتطبيق شرع الله عز وجل وحفظ المجتمع من الفساد والمنكرات، حتى أصبح المقيمون بالمملكة وزوار الأراضي المقدسة يضيقون ذرعا بتصرفات المنتسبين إليها.

 

إن الثقة كبيرة بأعضاء الهيئة وبحسن نيتهم وحرصهم على محاربة المفاسد، إلا أنه من الضروري أن نؤكد على أنه من الواجب أن يكون كل عضو من أعضاء الهيئة هو القدوة الطيبة للآخرين في تطبيق التعاليم الإسلامية السمحاء وآداب النصيحة والحوار وحسن الظن والتثبت من الأمور لتحبيب الناس بالإسلام بدل تنفيرهم من الفرائض والفضائل، ويا حبذا لو كان أحد أهدافهم هو الإقناع والتأثير بعيد المدى بالناس وليس إجبارهم على الالتزام بالشرع والقانون بأسلوب عنيف يجعلهم يعودون لما كانوا يفعلونه من أخطاء فور مغادرة منتسبي الهيئة للمكان.

 

 

 

وكم أسعدني إعلان الهيئة عن نيتها أن تبدأ "عهدا جديدا" لإبراز الجانب الإيجابي لعملها ولعلاج سلبياتها، حيث ستقوم بتنظيم دورات تخصصية لتدريب أعضائها على مهارات التعامل مع الناس بعد أن أنشأت إدارة للأنظمة القانونية لرصد ومحاسبة المخطئين والمقصرين من أفرادها، واعترفت بوجود تجاوزات من قبل رجالها، وعينت متحدثين رسميين باسمها للتواصل مع وسائل الإعلام المختلفة، وأكدت على أنها تمنع استخدام العنف ضد المتهمين مهما كانت جرائمهم وتحرص على الستر على المذنبين في معظم القضايا، وأتوقع أن تحسّن هذه الخطوات التصحيحية العلاقة بين الهيئة من جهة وبين الجمهور والصحافة من جهة ثانية، وأن تساهم بمشيئة الله تعالى في التزام الناس بالتعاليم الإسلامية لأنه يبلغ بالرفق ما لا يبلغ بغيره.

 

 

 

نعم أقول بأن الهيئة بحاجة لتطوير أدائها إلا أن ذلك لا يعني أبدا أنني أؤيد الأصوات الداعية إلى إلغاء الهيئة بحجة تضييقها على الحريات، فوجودها مهم ومن مهامها التي لا يعلم عنها الكثيرون مراقبة الأسواق العامة والطرقات والحدائق وغيرها من الأماكن العامة والحيلولة دون وقوع المنكرات فيها، مثل إظهار غير المسلمين لشعائر مِللهم أو شعاراتها كالصليب أو نجمة داود أو صور بوذا أو إظهار عدم الاحترام للإسلام، وكذلك عرض أو بيع الصور والكتب والتسجيلات المرئية والصوتية المنافية للآداب الشرعية والمخالفة للعقيدة الإسلامية، وعرض الصور الخليعة والاحتفال بالأعياد والمناسبات غير الإسلامية، والقيام بأعمال السحر والشعوذة والدجل.

 

 

 

أما في مجال العبادات فيقوم رجال الهيئة الذين يجوبون الشوارع والأسواق بحثّ الناس على المسارعة إلى الصلاة عند سماع النداء وعلى الصلاة جماعة بالمسجد، كما يقومون بالتأكد من إغلاق المحلات وتوقف البيع والشراء أثناء إقامة الصلوات، وفي شهر رمضان المبارك تنشط الهيئة بضبط المتلبسين بالإفطار ومراقبة غير المسلمين وإلزامهم بمراعاة مشاعر المسلمين وواقع المجتمع الإسلامي في هذا الشهر الفضيل، واللافت للنظر أن عقوبة الوافد المجاهر بالإفطار هي التعزير والترحيل وهي عقوبة أراها مناسبة وذلك لعظم الجرم المرتكب والمتمثل بإهانة المسلمين وعدم توقير الشهر الفضيل.

 

 

 

وفي مجال الآداب العامة تقوم الهيئة بالكثير من المهام للمحافظة على الأخلاق والقيم الإسلامية والآداب العامة، من خلال دعوة المرأة المسلمة للالتزام بالزي الإسلامي الشرعي لتطبيق أمر الله ولحمايتها من ذوي النفوس الضعيفة، ومنع الرجال من الاختلاط بالنساء أو مضايقتهن في الأماكن العامة.

 

تجربة الهيئة المميزة – رغم بعض الأخطاء التي رافقتها - تشهد بالدور الكبير للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في صيانة المجتمعات، وتجعلني أتمنى أن تكون لدينا جهة مشابهة أو شرطة للآداب، فما أجمل أن يكون في الأسواق والشوارع والمستشفيات وغيرها من ينصح وينبّه ويوجه ويحاسب المخطئ ويطبق الأوامر الإلهية والتشريعات الدستورية بأسلوب هادئ ومحبب.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية