بداية ، لا بد لي من تقديم التهاني والمباركات، لجميع المسلمين في بقاع الأرض، بحلول شهر رمضان، شهر الخير والبركات، شهر الصوم والدعوات، شهر العزة والانتصارات، سائلاً المولى – عزّ وجلّ – أن يلهم المسلمين، حكاماً ومحكومين، حسن التوبة والإنابة إليه – سبحانه- ، والعودة إلى العمل بشرعه الحكيم، وأن يستفيدوا من مدرسة الصيام، بالوحدة والنظام، والصبر والرحمة والإحسان. وبهذه المناسبة الطيبة، أحببت أن أهدي إخواني المسلمين خلاصة لأحكام الصوم وآدابه، وأموراً أخرى ذات صلة، كزكاة الفطر ، وصلاة العيدين، وصلاة الجمعة.
والخلاصة منتقاة من كتاب (منهاج المسلم، للشيخ أبي بكر الجزائري)، وقد جعلتها في فقرات، أسميتها (فوائد رمضانية)، وقسمتها إلى أربع حلقات( )، لتمتد على أسابيع الشهر الكريم. نفع الله بها كاتبها وقارئها، آمين.
الفائدة الأولى : في تعريف الصوم وتاريخ فَرْضه
1) تعريف الصوم : هو الإمساك بنية التعبد عن الأكل والشرب والجماع وسائر المفطِّرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
2) تاريخ فَرْضيَّة الصوم : فرض الله عز وجل على أمة محمد – صلى الله عليه وسلم – الصيامَ كما فرضه على الأمم التي سبقتها، بقوله تعالى : (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ 185 )) [ البقرة ] . وكان ذلك في يوم الإثنين من شهر شعبان سنة اثنتين من الهجرة المباركة.
الفائدة الثانية : في فوائد الصيام
للصيام فوائد روحية واجتماعية وصحية ؛ أهمها ما يأتي :
1- من الفوائد الروحية للصوم أنه يعوّد على الصبر ويقوّي عليه ، ويعلم ضبط النفس ويساعد عليه ، ويوجِد في النفس ملكة التقوى ويربّيها ، وبخاصة التقوى التي هي الحكمة البارزة من الصوم ، في قوله تعالى : " كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " .
2- ومن الفوائد الاجتماعية للصوم أنه يعوّد الأمة النظام والاتحاد ، وحبَّ العدل والمساواة ، ويكوّن في المؤمنين عاطفة الرحمة وخلق الإحسان ، كما يصون المجتمع من الشرور والمفاسد.
3- ومن الفوائد الصحية للصيام أنه يطهّر الأمعاء ويُصلِح المعدة ، وينظّف البدن من الفضلات والرواسب ، ويخفّف من وطأة السِّمَن وثقل البطن بالشحم .
ومن الحديث الشريف قوله - صلى الله عليه وسلم - : " صوموا تصحوا" .
الفائدة الثالثة : في فضلِ البِرِّ والإحسان في رمضان
لفضل رمضان ، فقد فضل كلُُّ ما يقع فيه من أفعال الخير ، وأُضرُِِبِ البر والإحسان ، ومن ذلك :
1- الصدقة : إذْ قال (صلى الله عليه وسلم): " أفضلُ الصدقةِ صدقةُ رمضان "، وقال : " من فطّر صائماً فله أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء"، وكان عليه الصلاة والسلام أجودَ الناس بالخير، وكان أجودَ ما يكونُ في رمضان، حين يلقاه جبريل .
2- قيام الليل : إذْ قال صلى الله عليه وسلم : " من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ ما تقدمَ من ذنبه " ، وكان صلى الله عليه وسلم يُحْيي لياليَ رمضان ، وإذا كان العشرُ الأواخرُ أيقظَ أهلَه وكلَّ صغير وكبير يُطيق الصلاة .
3- تلاوة القرآن الكريم : إذْ كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُكثرُ من تلاوة القرآن الكريم في رمضان ، وكان جبريلُ - عليه السلام - يدارسه القرآن في رمضان وقد ثبت في الصحيح أن الصيام والقرآن يشفعان لصاحبهما .
الفائدة الرابعة : في أركان الصوم ، وهي ثلاثة :
أحدها : النِّيَّة ، وهي عزمُ القلبِ على الصومِ امتثالا لأمرِ اللهِ عزَّ وجل ، أو تَقَرُّباً إليه . لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : " إنَّما الأعمالُ بالنيات " . فإذا كان الصومُ فرضاً فالنِّيَّةٌ تجبُ في الليلِ قبل الفجرِ ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " منْ لم يُبَيِّتِ الصيامَ من اللَّيلِ فلا صيامَ لهُ " . وإنْ كانَ الصومُ تطوُّعاً ، صحَّتْ النِّيةُ ولوْ بعدَ طلوعِ الفجرِ، وارتفاعِ النهارِ، إنْ لم يَكُنْ قدْ أكلَ أوشربَ شيئاً. لقول عائشةَ ( رضي الله عنها ) : " دخلَ عليَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ ، فقالَ : هل عندكمْ شيء ؟ ( يعني للأكلِ ) قُلْنا : لا. قال : " فإني صائم " .
ثانيها : الإمساكُ ، وهو الكفُّ عن المُفَّطِّرَاتِ من أكلٍ وشربٍ وجماعٍ .
ثالثها : الزَّمانُ ، والمرادُ به النهار ، وهو مِن طلوعِ الفجرِ إلى غروبِ الشمسِ فلو صامَ شخصٌ ليلاً وأفطرَ نهاراً ؛ لما صحَّ صومُهُ أبداً ، لقولِه تعالى : " وأتمِوا الصيامَ إلى الليلِ " .
الفائدة الخامسة : في سُنَنِ الصومِ ، وهي :
1- تعجيلُ الفِطْرِ ، وهو الإفطارُ عَقِبَ تحقٌّقِ غروبِ الشمسِ لقوله (صلى الله عليه وسلم):"لا يزالُ الناسُ بخيرٍ ما عجَّلوا الفِطْرَ"
2- الفِطْرُ على رُطَبٍ أو تمرٍ أو ماءٍ، لقولِ أنسِ بن مالكٍ –رضي الله عنه-: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُفْطرُ على رُطباتٍ قبلَ أن يصليَ ، فإن لم تكنْ فعلى تمراتٍ ، فإن لم تكن حَسَا حَسواتٍ من ماء " .
3- الدعاءُ عندَ الإفطارِ ؛ إذْ كان النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) يقولُ عندَ فِطره : " اللهمَّ لكَ صٌمنا وعلى رِزْقِكَ أفطرنا ، فتقبَّل منَّا؛ إنَّك أنت السميعٌ العليمٌ " .
4- السٌّحور ، وهو الأكلُ والشربُ في السَّحرِ آخِرَ الليلِ ، بِنيَّةِ الصومِ .
5- تأخيرُ السُّحورِ إلى الجزْءِ الأخيرِ من الليلِ لقوله (صلى الله عليه وسلم):"لا تزالُ أمتي بخيرٍ ما عجَّلوا الفِطْرَ وأخَّروا السَّحر"
الفائدة السادسة : فيما يُبطِلُ الصومَ ، وهي أمورٌ :
1- وصولُ مائعٍ إلى الجوفِ بواسطةِ الأنْف كالسُّعُوط ، أو العين والأُذن كالتقطيِر ، أو الدُّبُر كالحقنة .
2- ما وصل إلى الجوفِ بالمبالغةِ في المضمضة والاستنشاقِ في الوضوءِ وغيره .
3- خروج المَنيِّ بمداومةِ النَّظر أو إدامة الفِكْرِ .
4- القيءُ العمدُ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من استقاء فليقْضِ ) أمَّا من غَلَبه القيءُ بدون اختيارهِ فلا يَفْسدُ صومُه .
5- الأكلُ أو الشربُ ، أو الوَطْءُ في حالِ الإكراه على ذلك .
6- من أكل وشرب ناسياً ثمَّ لَمْ يُمسِك ظاناً أنَّ الإمساكَ غيرُ واجبٍ عليه ما دام قد أكل وَشَرِبَ فواصل الفطر إلى الليل .
7- وصولُ ما ليس بطعام إلى الجوف بواسطة الفم كابتلاع جوهرة أو خيطٍ .
وهذه الأموركلها: تفسد الصوم وتوجب قضاء اليوم الذي فسد بها ،غير أنها لا كفارة فيها .
الفائدةُ السابعة : فيما يُباحُ للصائم
يُباح للصائم أمورٌ هي :
1- السِّواكُ طولَ النهارِ ، ويُكرَهُ بعدَ الظهرِ إلى الإفطار ، عند الشافعي وأحمد .
2- التَّبرّدُ بالماءِ من شدةِ الحرِ .
3 - الأكلُ والشربُ والجماعُ ليلاً ، حتى تحقُّقِ طلوع الفجر .
4- السفرُ لحاجة مباحة ، وإنْ كانَ يعلمُ أنَّ سفَرَه سيُلْجِئُه إلى الإفطار .
5- التَّداوي بأيِّ دواءٍ حلال ، لا يَصِلُ منه إلى جوفه شيءٌ . ومن ذلك استعمال الإبرة ، إن لم تكن للتغذية .
6- مَضْغُ الطعام لطفلٍ صغير لا يجدُ من يمضغُ له طعَامَه الذي لا غِنى له عنه ، بشرطِ ألاَّ يصلَ إلى جوف الماضغِ منه شيءٌ.
7- التَّطيُّب .
وذلك لعدم ورودِ النهيِ في كلِّ هذه الأمورِ في القرآن والسنة .
الفائـدة الثامنة : فيما يُعفى عنه للصائم
يُعفى للصائم عن أمور هي :
1- بَلْعُ الريقِ ولو كَثُرَ. أي ريقَ نَفّسِهِ .
2- غَلَبَةُ القيْء ، إن لم يَرجع منه شيء إلى جوفه ، بعد أنْ يكونَ قد وصل إلى طرفِ لسانِه .
3- ابتلاعُ الذبابِ ونحوه ، بدون اختيار .
4- غُبارُ الطريقِ والمصانعِ ، ودُخانُ الحطبِ ، وسائرُ الأبخرةِ التي لا يُمكنُ التَّحَرُّزُ منها .
5- الإصباح جنُباً ، ولو طالَ الوقتُ .
6- الاحتلامُ ، فلا شيءَ على من احتلمَ وهو صائم ، ما دام ليس بفعلِهِ .
7- الأكلُ أو الشرْبُ خطأً أو نسياناً . لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نسيَ، وهو صائم، فأكلَ أو شرِبَ فليُتَمِّمْ صومَهُ، فإنما أطعمَهُ الله وسقاهُ ) . وقوله (صلى الله عليه وسلم) : " من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارةَ " .
الفائدة التاسعة : في حكم صوم المسافر
إذا سافر المسلم مسافةَ قَصْر -وهي أربعون ميلاً- رخَّصَ له الشارعُ في الفطر، على أن يقضي ما أفطر فيه عند حضوره، لقوله تعالى : " فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعِدَّةٌ من أيامٍ أُخَر " ثم هو : إنْ كان الصوم في السفر لا يشُقُّ عليه، فصام كان أحسن، وإن كان يَشُقُّ عليه فأفطر كان أحسن . لقوله أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : " كُنا نغزو مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في رمضان فمنا الصائم ، ومنا المفطر ، فلا يَجِدُ الصائمُ على المفطر ، ولا المفطر على الصائم ، ثم يرونَ أنَّ من وجد قوةً فصام فذلك حسن ، ويرونَ أن من وجد ضعفاً فأفطر ، فإنَّ ذلك حسن " .
- مسافة الفطر بالكيلومترات حوالي / 85 كم / .
- وقوله : فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم؛ أي: لا ينـزعج أحدُهما من فعل الآخر .
الفائدة العاشرة : في حكمِ صيامِ المريضِ والشيخِ الكبيرِ
1- إذا مرِضَ المسلمُ في رمضانَ، ننظرُ : فإنْ كانَ يقدرُ على الصومِ بِلا مشقةٍ شديدةٍ صامَ ، وإنْ لم يقدِرْ أفطرَ ، ثم إن كان يرجو الشفاءَ من مرضهِ ، فإنه ينتظرُ حتى الشفاءِ ، ثم يقضي ما أفطرَ فيه . وإن كان لا يُرجى شفاؤُهُ أفطر ، وتصدقَ عن كلِّ يومٍ يُفْطِرُهُ بِمُدٍ منَ الطعامِ ، ( أي طعامِ مسكين ).
2- وإذا بلغَ المسلمُ أو المسلمةُ سِنّاً من الشيخوخةِ ، لا يقوى مَعَهُ على الصومِ أفطرَ وتصدَّقَ عن كلِّ يومٍ يُفْطِرُهُ بِمُدٍ من الطعام ، لقولِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنه : " رُخِّصَ للشيخِ الكبيِر أن يُطعم عن كلِّ يومٍ مسكيناً ، ولا قضاءَ عليه " .
[ملاحظة: طعام المسكين، يُقدّر بحسب متوسط حال الناس، في بلد الإخراج، ويجوز إخراج مقداره نقداً، والمُدُّ ربع صاع، والصاع يساوي حوالي 2.5 كغ تقريباً].
هذا ، وبالله التوفيق، وإلى اللقاء مع الحلقة القادمة، وطائفة أخرى من الفوائد الرمضانية المهمة.