لا يمكنُ لأحدٍ مهما كان إن يدعي إنّ المسلمين اليوم في أوجِ عظمتهم أو في أحسن حالاتهم. وهذا الطرح ليس تشاؤماً بقد ر ما هو توصيف لواقع نعيشهُ ونحسه ونراه. وسبب ذلك لايعود فقط لعوامل خارجية لطالما تعكزنا عليها ولانزال وسنبقى، بل أيضا لعوامل داخلية ذاتية كامنة فينا صبغت عقولنا وتفكيرنا وسلوكياتنا وجعلتنا مكبلين وعاجزين حتى عن استيعاب دورنا في الحياة وخصوصيتنا كأصحاب رسالة علاوة ًعن تأثير ذلك كله على أوضاعنا داخل بلداننا التي غدا بعضها -والفضل يعود للساسة والأنظمة- مثل سجون كبيرة ويرادُ منك إن تتعود الحياة فيها وتحاول الإبداع لكن في حدود معينة مرسومة لك سلفا وبغيرها فالمجهول في انتظارك! والمسلم بطبيعة الحال بشرٌ لا يختلف عن غيره بشيءٍ من حيث كينونته ووجوده والفرق الوحيد والعظيم هو ارتباطه ُ بهذه الرسالة الخاتمة الخالدة إن استيعاب هذه الحقيقة كما هي والعمل بمقتضاها سبيل أكيد لإحداث التغيير المنشود. وكلمة التغيير كلمة كبيرة تقالُ وتكتب ولكن تحويلها إلى واقع ليس بالشيء السهل وخاضع دوما لاعتبارات وعوامل متعددة ومتداخلة ومعقدة –ولكن ليست مستحيلة- حتى يمكن إن نلمُس لها أثرا حقيقياً يرى ويسمع ويعاش. والمسلمون إبّان عهودهم الأولى لم يعيشوا هذا الصراع فانطلق الجهد الجماعي والفرديُ معززاً بدور أولي الأمرِ في - أكثر الأحيان – بإتجاه بناء الشخصية الإسلامية للفرد والمجتمع وحتى الإطار العام للدولة تلك الشخصية التي تعيش عالم الواقع مثل ماهو وعينها ترنوا إلى السماء تطلب العون والمدد الروحي والمعنوي والمادي أيضا . إن المسلمين فهموا جيدا إن الإسلام كلٌّ لايتجزأ ولا يمكن إن تطبق َ بعض أحكامه وتترك الأخرى لا لإنَّ ذلك نقيض الإيمانِ فقط بل لأنهم أدركوا إنه ستكون له تبعات دنيوية تنعكس عليهم وسيمتد أثرها إلى أجيالهم المقبلة. وإذا أمعنا النظر في هذا التوجه وجدنا إنهم أصابوا الحق والحقيقة وذلك إن الإسلام منظومةٌ موحدةٌ ومتكاملة من الأحكام التي تخص العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات والتي تتفرع عنها مجموعة كبيرة من التوجيهات والأوامر والنواهي التي تخص كل شأن من شؤون الحياة والتي تحقق بمجموعها معنى العبودية الحقة لله عزوجل ، هذه العبودية بمعناها الرباني الشامل هي أصلُ وظيفة الإنسان على الأرض وعليها سوف يحاسب فيثاب أويعاقب إما في الدنيا أو في الآخرة. ومع مرور الزمن وابتعاد ِ المسلمين عن دينهم وتفشي الفرقة بينهم وانتشار الجهل بأحكام الدين وسنن الكون المضطردة في الأفراد والمجتمعات والدول والتعصب المُفرَط للأفكار والمذاهب والنحل والفرق والأسماء والعناوين والقبائل و شيوع مظاهر الدجل والخرافة التي تلبسُ لبوس الدين –وهو منها براء يضاف إلى ذلك كله العامل الخارجي المرتبط ِ دوما بالعدوِ الخارجيِّ المتربص لهذه الأمة منذ أيامها الأولى ولازال وسيبقى كذلك إلى يوم الدين كل ذلك وغيره كان سببا في تأخر المسلمين عن ركب المدنية والحضارة وأصاب حياتهم بالشلل وجعل العقلية الإسلامية عقلية تابعة ومقلدة ومستكينة واتكالية وفاقدة للثقة وضلت إلى يومنا هذا وبرغم واقع التغيير إلي نعيشه اليوم في شتى الميادين حبيسة تلك الأفكار الضلامية التي أعطت لأعدائنا مبررات كي يتدخلوا في حياتنا وبأساليب ماكرة خادعة شوشت عقول المسلمين وشككتهم بثوابتهم وفتحت الباب واسعة لأولئك الببغاوات من أبناء جلِدتنا والمحسوبين علينا من الذين كانت مطاعنهم في ظهورنا اشد وانكآ من مطاعن العدو نفسه. ولايدعي احدٌ إنَّ المسلمين قديماً أو حديثا و برغم كل ذلك الجهد المنظم من أعدائهم في الداخل والخارج وبرغم كل ما يعانوه قد وقفوا عاجزين أو مكتوفي الأيدي بل على العكس تماما فقد كانت ردة فعلهم تعكس رغبة أكيدة في تغيير الواقع وصد الأذى ودفع عجلة الحياة للإمام والنهوض بأحوال مجتمعاتهم مع الاعتراف إنّ الهجمات المتوالية كانت أحيانا أكبرمن تصورهم وحتى قدراتهم. واليوم تبدو عملية التغيير صعبة لأنها توجه عقبات وموانع لايمكن القفز فوقها أو تجاهلها وخاصة ونحن نعيش بركات عصر العولمة عصر التكتلات الثقافية والسياسية والاقتصادية وعصر ثورة الاتصالات والمعلومات الهائلة التي اخترقت كل حصن ٍوغدت لاتعترف بخصوصية ِ إنسان أو مجتمع أودولة ٍ أوأمُة ومن هنا كان لِزاما ً على المسلمين إن يبرزوا هويتهم الإسلامية الخاصة بهم وبما يعزز وجودهم كأمة ٍ عظيمة رائدة لها الفضلُ على الإنسانية كلها وهذه الهوية التي لن يكون لها أي عنوان غير التمسك بالمنابع الصافية من خلال تخليص العقيدة الإسلامية من شبهاتِ الفِرقْ وأدران ِ التقليد الأعمى والجهل بقوانين الأسباب والمسببات ومظاهر السلوك التواكلي المنحرف وبقايا عقائد الجبر وكل أشكال الخرافة والخزعبلات وطقوس المقابروالاضرحة والمقامات و كلّ صور الكهانة و الغيبيات الزائفة التي لاتقوم على حجة مقنعة أو برهان ساطع.وكذلك تنقية العبادات من البدع المضلة والعادات المُخلة و الأخلاق من كل التصرفات والسلوكيات الوافدة والشاذة والمستحدثة و من تلك الموروثة من الأعراف الباطلة والتقاليد الزائفة.والمعاملات بكلِّ أشكالها من كل ماهو غير إسلامي إلا في حدود المصلحة -وما يتصل بها - المنضبطة بضوابط الشرع والتي يبت فيها علماء الملة الكبار. ولتحقيق هذا الهدف تحتاج الأمة إلى كل جهد مخلص وصادق لعالم متخصص وفقيه وداعية ومصلح ومربي والحمد لله إن الساحة ملأى بهم غير إن بعضهم لم يتخلص بعد من عقدة المذهب والمدرسة وتنقصه الفطنة والعقلية التي تستطيع الموازنة بين متطلبات الواقع وثوابت الشرع. ومن الضروري بل ومن اللازم إن تسخر الدول الإسلامية كل إمكاناتها من اجل تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحسين نضمها السياسية وبما يقترب من توجهات الشرع التي تجعل الحاكم راعيا مسؤولا أمام الله عز وجل وأمام رعيته لاأن يكون سيفاً مسلطا ًعلى رقابهم يهينُ كرامتهم ويحتقرُ أدميتهم و يسلبُ حقوقهم ويستبيح ُ حرماتهم وينهب ُ ثرواتهم ولان ذلك مدعاة لرضا الله تعالى وكذلك من شأنه إن يسحب البساط من أولئك المتاجرين بقضايا الشعوب ومصائرها من الذين تتخفى نواياهم الحقيقية الخبيثة خلف دعاواهم الزائفة التي تنادي بالحرية حقوق الإنسان وغيرها من تلك الدعاوى التي يرددونها على مسامعنا صباح مساء،وهم لايريدون منها غير مسخ هويتنا وتراثنا وجعل أراضينا ومجتمعاتنا امتدادا ً طبيعيا لهم. إن إدراك المسلمين حجم التبعة الملقاة على عاتقهم أفراداً وجماعات أُمماً وشعوباً من شأنه إن يعززَ ثقة المسلمين بأنفسهم ويدفع باتجاه تغيير واقعهم وكذلك الصورة السيئة التي رسخت وبفعل عوامل كثيرة في أذهان غير المسلمين عنهم أو على الأقل التقليل من أثرها. إنّ المسلمين لايعيشون في هذا العالم وحدهم وتعاليم دينهم تعطيهم الحق فقط في إيجاد الزمان والمكان والوسيلة لعرض دعوتهم وبعدها ليس لهم سلطان معنوي على احد مهما كان إلافي حدود بيئتهم الخاصة أومايرتبط بواقعهم الاجتماعي المتصل بأسرهم ومعارفهم .وبغير ذلك لاشيء َ يمنعُ المسلم من الاتصالِ بالناس على اختلاف أجناسهم وصورهم ما دعت إلى ذلك ضرورة كجزء من حالة التعارف بمفهومها الإنساني الشامل و لإنّ ذلك مدعاةٌ للاستفادة من كل جهد إنساني طيب ومثمر ويمكن إن تكون له مضامين دعوية على المدى الأبعد بشرط إن يكون المسلم أهلاً لذلك . إن مجتمعاتنا اليوم نتجاذبها صراعات التجديد المبطن بدعاوى التغريب وصراعات المحافظة والتقليد التي تنقصها وضوح الرؤية و الواقعية وينقصها كذلك الفهم الشامل للإسلام كرسالة خالدة شاملة لكل الناس لالطائفة اوفرقة اوبلد أو لتوجه وبين ذاك وذاك يبقى ذلك النمط الوسط الذي يوازن بين الثوابت الإسلامية و يقف عند ها و يراعي خصوصية الزمان والمكان ليس بمفهومها الجغرافي فقط بل بمفهومها المرتبط بخصوصية العصر الذي نعيشه. وبطبيعة الحال لايمكن إن يحَجُر احدٌ على قناعات الناس أو إن يكمم أفواههم ولا يُتصورُ أبدا إن يحبس الناس في قالب ٍ واحد من الأفكار والتوجهات وحتى السلوكيات وذلك كله خاضع لعوامل ظاهرة يمكن أن تفسر وأخرى باطنه هي جزء من خصوصية الإنسان وله الحق بالتمسك بها بغض النظر عن قناعة الغير بها ومع هذا فهي في كثير من الأحيان خاضعة هي الأخرى لاعتبارات نسبية مرتبطة بخصوصية المجتمع ومنظومته العرفية أو لاعتبارات سياسية تتصل بطبيعة النظام السياسي ومرجعيته الفكرية. إن إدراك هذه الحقائق كما هي من شأنه إن يعطي زخما ً حيويا لعملية التغيير لأنه بطبيعة الحال سيوحد ُ الجهود والأصوات والدعوات ويركزُ الطاقات باتجاه الهدف الأسمى ولا يجعلها مجرد صرخات ٍقي واد ٍ أو زخات ِ مطر فوق صحراء َ قاحلة. وختاما نقول إن ّ الإسلام أمانةٌ ثقيلة في أعناقنا وكلٌّ منا عليه إن لايتردد في حمل جزء ٍ منها وليس عيباً إن يتفاوت المسلمون في مقدار ما يحملوه منها فذاك آمر طبيعي ولكن العيب والشنار إن يتنكر البعض لهاوهم في قرارة أنفسهم المريضة يعرفون إنها الحق{ فمَاذا بَعدَ الحقِّ إلا الضَلال فأنّى تصُرَفون} كما قال تعالى وصدق.

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية