تأملاتٌ في آياتٍ من القرآن الكريم

 (سورة المائدة)

1- "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ" (المائدة:1-2).

      العقود هي العهود ولأن المؤمنين هم المخاطبون فإن العهود هي عهود الإيمان أو العهود التي يقتضيها الإيمان في شؤون العقيدة والمعاملات وغيرها مما أمر الله تعالى به في كتابه الكريم، ومن هذه العهود ما شرّعه سبحانه لعباده بشأن طعامهم وشروط حلّيّته، وهذا هو الرابط بين الأمر في قوله سبحانه " أَوْفُوا بِالْعُقُودِ" والخبر في "أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ". 

 

وقوله تعالى:"لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ" تأكيد على الإيفاء بالعهود وتذكير ببعضها ثم تفصيلٌ للحلال من الطعام في الآيتين الثالثة والرابعة وجزء من الخامسة، ثم ذُكرت في السورة عهود أخرى تتعلق بالوضوء والشهادة والعدْل، وفي الآيات 12 إلى 14 بيانٌ للعهود التي أخذها الله تعالى على اليهود والنصارى ولكنهما نكثا ما تعاهدا عليه؛ فكانت عاقبة اليهود اللعن وقسوة القلب "فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً" (المائدة:13)، وعاقبة النصارى؛ تشتت القلوب والكلمة "وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" (المائدة:14). وفي هذا تحذير خفيٌّ للمؤمنين أن يصيبهم ما أصاب أولئك إن لم يوفوا بعهود الله تعالى.

 

وعلى المسلمين اليوم أن يراجعوا أنفسهم ليستبينوا أخطاءهم وما خالفوا فيه أمر الله تعالى بعد أن فشت فيهم قسوة القلوب وتشتت الأمر لكي يصححوا منهجهم ومسيرهم إليه سبحانه لعله يرفع عنهم البلوى.

2- "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ" (المائدة:6).

 

أي إذا قمتم من النوم وأردتم الصلاة أو إذا أردتم الصلاة وأنتم مُحْدِثون؛ فالوضوء واجب في هاتين الحالتين، ونقل ابن كثير عن أناسٍ لم يسمّهم أن الأمر أعمّ وأن "الآية آمرة بالوضوء عند القيام إلى كل صلاة، ولكنه في حق المحدث واجب وفي حق المتطهر ندْبٌ، وقد قيل إن الأمر بالوضوء لكل صلاة كان واجباً في ابتداء الإسلام ثم نُسخ" (تفسير ابن كثير:2/22).

3- "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (المائدة:15-16).

أ- قد يكون المراد بـ "نُورٌ" في قوله سبحانه: " قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ " هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (تفسير الطبري 10/144)، وقد ذكر غير الطبري ذلك أيضًا؛ أو يراد به القرآن الكريم، ولكنّ "وَكِتَابٌ مُبِينٌ" يعني القرآن أيضًا؛ فيكون المعنى قد جاءكم القرآنُ والقرآنُ! ولأن الشيء لا يُعطف على نفسه فإن هذا يبدو غير سائغ والله أعلم.

ولعل الأقرب هو الجمع بينهما ليكون النبي عليه الصلاة والسلام والقرآن الكريم واحدًا، ويؤيد هذا أن الضمير في "يَهْدِي بِهِ اللَّهُ" للمفرد ولو كان لاثنين لقال: بهما، كما يؤيد ذلك ما رُوي عن أن السيدة عائشة رضي الله عنها سُئلت عن خُلُق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت: "كان خُلُقُه القرآن" (إتحاف المهرة لابن حجر العسقلاني 16/1065، صحيح الجامع للألباني حديث رقم 4811).

ويمكن أن يكون " نُورٌ " مشيرًا إلى ما بيّنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأهل الكتاب، ويكون المعنى إذًا: قد جاءكم من الله بيان وتوضيح، وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ - أي بالكتاب الذي هو القرآن- سُبُلَ السلام.

ب- " اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ " أي تطلّب رضوانه وعمل من أجل نيله، ومن يبذل جهده في هذا السبيل يهده الله "سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"

ج-  "سُبُلَ السَّلَامِ" و"وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ" و"وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ"، كلها شيء واحد ولكن لها تأثيرًا نفسيًّا مختلفًا يتأتى من الجمع بين وسائل الراحة القلبية؛ فهي تحقق الشعور بالأمن بكلمة "السَّلَامِ"؛ والطمأنينة بكلمة "النُّورِ"؛ والاستقرار بـ "صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ".

د- "وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ"، جَمَعَ "الظُّلُمَات" وأفرد "النُّور"؛ لأن طرق الضلال والغواية كثيرة ومتعددة؛ والحق والهِداية واحد لا تعدّد فيه.

4- " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ* لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ* إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ* فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (المائدة:27-30).

 

ونقل الطبري عن مجاهد: "يقول إني أريد أن يكون عليك خطيئتك ودمي تبوء بهما جميعًا" (تفسير الطبري:10/215)، وكذلك قال مفسرون آخرون كابن كثير والقرطبي وغيرهما: وكان وقوفهم عند رجوع قابيل بإثمه وإثم أخيه وتعاملوا مع كلمة "أرِيدُ" بما توحي به ظاهريًّا، ويبدو لي أن إغفال هذه الكلمة أي "أُرِيدُ" يجعل في الحوار شيئًا لا يتوافق مع أخلاق المرتبطين بالله تعالى؛ إذ يُظهَرُ هابيل وكأنه استفز أخاه بأن رغّب له أن يرتكب الخطأ ليصير من أصحاب النار، والنظر إلى الآية التي تسبقها تبين - والله أعلم- أنه كان في صَدَد النصيحة والأمر بالمعروف لأنه ذكّر أخاه بالخوف من الله تعالى وأنه لا يبسط يده بالقتل بسبب ذلك الخوف، ولهذا فإن المناسب للسياق ولخلق المؤمنين أن يكون المراد: ولا أريد لك أن تبوء بإثمي بقتلك إياي؛ وإثمِك بارتكابك فعل القتل لأنك إن بُؤْتَ بهذا فإنكستكون من أصحاب النار التي هي جزاء الظالمين، وهذا يعني أن حرف النفي "لا" أُسقط وله شواهد في العربية كقول ليلى الأخيلية:

فأقسمتُ أبكي بعد توبةَ هالكًا؛ أي لا أبكي.

وقد يكون استعمال "أُرِيدُ" بمعنى أقصد، كقولك مثلًا: أريد بكلامي كذا وكذا؛ أي أقصد، و"إِنِّي أُرِيدُ" في الآية الكريمة تعني في هذه الحال: إني أقصد؛ أي إن هابيل أوضح لأخيه مراده فيكون فهم الآية على هذا النحو: "لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ" إني أقصد "أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ"، أي إن هذا الجزء من الآية توضيح وتفسير لما سبقه وهو عينه التذكير والنصيحة، وتأسيسًا عليه، فقد كان هابيل إلى آخر لحظة يريد أن يصرف أخاه عن الشر وذكّره بأن جزاء الظالم النار؛ ولكن أخاه ما ارتدع ولم ينفع معه النصح ولهذا جاءت كلمة "فَطَوَّعَتْ" متناسبة مع نفسية قابيل الممتلئة بالغيظ المتطلعة إلى التشفّي في قوله: "فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ"؛ ذلك أن نفس قابيل هي التي زينت له قتل أخيه على الرغم من أنه نُبِّه إلى خطورة ما كان ينوي الإقدام عليه؛ ومن ثم كانت العاقبة عدلًا "فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ".

5- "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (المائدة:35).

"وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ"؛ أي اطلبوا القربة منه بالوسيلة أي بالأعمال الصالحة بفعل الطاعات وترك المعاصي، وخصّ الجهاد بالذِّكْر -وهو من الأعمال الصالحة- من باب ما يُعرف في البلاغة بذكْر الخاص بعد العام تنويهًا بشأن الخاص وبيانًا لفضله.

وقد يكون المراد بالوسيلة تلك المنزلة العالية في الجنة والتي تُرجى أن تكون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والأمر بـ "وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ" قد ينطوي على الحث على دعاء الله تعالى ليُؤْتي رسوله صلى الله عليه وآله وسلم الوسيلة، والمسلمون يفعلون ذلك عقب كل أذان امتثالًا لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول؛ ثم صلّوا عليَّ؛ فإنه مَن صلّى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشرًا، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو؛ فمَن سأل لي الوسيلةَ حلّت له الشفاعةُ" (صحيح مسلم: حديث رقم 384)، وكذلك ما روي عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كم يجعل له من صلاته -أي دعائه- فما زال يزيد حتى قال: "أجعل لك صلاتي كلها" فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إذاً تُكفَ همَّك ويُغفرْ لك ذنبُك" (سنن الترمذي حديث رقم 2457)، وحينئذ فإن الآية الكريمة تأخذ بمجامع العمل الصالح: تقوى الله تعالى ومراقبته والعمل بموجب تلك المراقبة؛ والارتباط الروحي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما يترتب عليه من التمسك بما جاء به؛ والجهاد في سبيل الله بنوعيه الأصغر والأكبر؛ وهذه أعمدة الفلاح، الذي خُتمت الآية به في الدنيا والآخرة.

"وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (المائدة:38)

وبدأت الآية بالفاعل الذكَر؛ بينما بدأ بالأنثى في قوله تعالى: "الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ" (النور:2)، ولعل الحكمة في ذلك أن حب المال هو الغالب على الرجال بينما يغلب على النساء شهوة الاستمتاع، فبدأ كلاً من الآيتين بما يتناسب مع هذه الغلبة (تفسير القرطبي: 6/170)، وقد يقال وعلى وجه العموم إن الرجل هو مَن يحرّض المرأة على السرقة وكأنّه الفاعل الأول، أو أن نسبة السارقين من بين الرجال أكثر لحبهم للمال ولدوافع قد تكون معيشية وقد تكون جشعًا، وليس من الضرورة أن تشاركه المرأة في هذه الجريمة فقُدِّم ذِكرُه؛ على حين أن المرأة تتولى عملية الإغواء في الزنا؛ وهي جريمة مشتركة؛ وكأنها هي الفاعلة الأولى فبدأت الآية بها.

7- "إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" (المائدة:69).

 

"وَالصَّابِئُونَ" معطوفٌ على الاسم المنصوب الذي يسبقه ولكنه لا يتبعه في حركته الإعرابية إذ إنه مرفوع، والحركة الإعرابية للنصارى مقدرة والأقرب أنها معطوفة على ما قبلها مباشرة؛ أي على "الصَّابِئُونَ".

وعزا الخليل وسيبويه هذا التباين إلى التقديم والتأخير وقدّراه بـ: إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحًا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون؛ والصابئون والنصارى كذلك (تفسير القرطبي:6/234)، فالصابئون على هذا مبتدأ وخبره محذوف وتقديره: كذلك، وهذا التعليل الذي أورده القرطبي عن سيبويه يقوم على التقديم والتأخير ثم على تقدير الخبر المحذوف، ولكنّ الأَوْلى فيما يبدو هو اعتبار العطف على إن واسمها فإن محلهما المبتدأ أو على محل اسم إن لأنه في الأصل مبتدأ مرفوع.

وأحسب أن قوله: "وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا" جملة اعتراضية تشترك مع "إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا" في الخبر الذي هو "فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"، ولم أجد هذا مذكورًا فيما استطعت الوقوف عليه مما قيل عن الآية الشريفة، ويكون التقدير والحالة هذه: إن الذين آمنوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فالخبر مشترك بين الجملتين ولكن "إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا" لا تحتاج إلى الفاء في الخبر وقد وردت هذه الفاء من أجل "مَنْ" في قوله: "مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ"، و"مَنْ" هذه شرطية يقترن جواب الشرط فيه بالفاء "فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ"، ومن النحاة من يحسب أن "مَنْ" موصولة؛ والفاء حينئذٍ زائدة لمشابهة الموصول بالشرط، ولست أستحسن هذا الرأي لأنه يستتبع اعتبار حرف زائد في القرآن الكريم مع أنه كتاب موزون في آياته وألفاظه وحروفه، وفي ظني أن دلالة "الَّذِينَ آَمَنُوا" في القرآن الكريم واضحة وأن الإيمان لا يُطلق على مَن آمن بلسانه أو على من كان في إيمانه انْحراف، ولهذا فإن قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا"ينصرف إلى أتباع سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ممّن كان مشركًا من قبل وانسلخ من منهجه الذي لا علاقة له بالغيب إلى منهجٍ الإسلام الذي يقوم على اعتقاد الغيب في كل تفاصيله؛ ومن هذه التفاصيل الإيمان بالله تعالى وباليوم الآخر والاجتهاد في العمل الصالح، وأما اليهود والنصارى والصابئون فقد كانت لهم عقائد ذات ارتباط بمنهج السماء الغيبي؛ ولكنها لم تعد صافية وخالصة كما كان شأنها الأول، ولهذا فقد جاء لهم الاشتراط بالإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح لكي يكون هذا الإيمان بحسب المنهج الجديد ولكي يصيروا ممن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومدار هذا الاشتراط أن يخرجوا من منهجهم ذي الصلة بالغيب المشوب بما ليس من أصله إلى المنهج الجديد الذي بُعث به نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنهم إذا ظلوا على معتقداتهم المنسوخة أو المحرفة ولم يعتنقوا الإسلام فلن يُقبل منهم، وإذا ظنّ امرؤٌ أن من الجائز لأتباع المِلل الأخرى أن يدخلوا الجنة وهم على جحودهم لرسالة الإسلام فإنه ينفي الحكمة من بعثته صلى الله عليه وآله وسلم.

ولقد استنبط الزمخشري من فكرة التقديم والتأخير المعزوة إلى الخليل وسيبويه فائدةً هي "التنبيه على أن الصابئين يُتاب عليهم إن صحّ منهم الإيمان والعمل الصالح؛ فما الظن بغيرهم؟ وذلك أن الصابئين أبْيَنُ هؤلاء المعدودين ضلالًا وأشدّهم غيّا، وما سُمّوا صابئين إلا لأنهم صبئوا عن الأديان كلها؛ أي خرجوا" (تفسير الكشاف:1/648)، وهذا الكلام عام وربما مضلّل إذا لم يقيّد الإيمان والعمل الصالح فيه بما حدده الإسلام وشرّعه، فقد يزعم الصابئي أنه يؤمن بالله ويعمل صالحًا ولكنْ تبعًا لما تُمليه عليه عقيدته الصابئية لا كما يريده الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام.

وتبتدئ الآية الشريفة بقوله سبحانه "إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا" ثم جاء بعد ذلك "مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ"، وعقّب الزمخشري بـ "فإن قيل كيف كان ذلك؟ قلتُ: فيه وجهان أحدهما أن يراد الذين آمنوا: الذين آمنوا بألسنتهم وهم المنافقون؛ وأن يراد بمن آمن: مَن ثبت على الإيمان واستقام ولم يخالجه ريبة فيه" (تفسير الكشاف:1/648)، غير أنه لم يذكر الوجه الثاني إلا إذا اعتبرنا الذين آمنوا بألسنتهم الوجهَ الأول؛ ومن ثبت على الإيمان الوجهَ الثاني، ومهما يكن فإن تبيينه لا يتماشى مع معنى الإيمان في القرآن الكريم، فصفة الإيمانعزيزة ولا تُطلق- فيما أظنُّ- على المؤمنين بألسنتهم المنافقين بقلوبهم، ويؤوّل التكرار -والله أعلم- بعائدية "إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا" على الذين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الناس عامة؛ وبعائدية "مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا" على الذين دخلوا الإسلام من أتباع الديانات الأخرى وتخلوا عما كان في دياناتهم الأصلية من زيغ.

 

8- "لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ" (المائدة:70).

وجاء الفعل في "كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ" ماضيًا؛ وفي "بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ" مضارعًا، ولئن ورد هذا الفعل الأخير ماضيًا أيضًا لكان المعنى منصرفًا إلى أنهم لم يهووا ما جاء به الرسل السابقون ولكنهم يقبلون القرآن، ويكون قبولهم له لأنه يساير أهواءهم، وليس هذا المعنى هو المقصود بل المرادهو أنهم لم يهووا ما جاء به الرسل السابقون وكذلك لم يهووا ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا، والفعل المضارع هو المناسب لإنكارهم الدال على جحودهم سابقًا من خلال الفعل الماضي وحاليًا ومستقبلًا من خلال استعمال الفعل المضارع، وكذلك قال "فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ" فجاء "كَذَّبُوا" ماضيًا و"يَقْتُلُونَ" مضارعًا، ومرد استعمالالفعل المضارع إلى حكاية الحال الماضية استفظاعًا للقتل واستحضارًا لتلك الحال ولتمثيله في ذهن السامع؛ ولهذا أمثلة كثيرة في القرآن الكريم كقوله سبحانه: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير" (الحج:63) فعدل عن "أصبحت" إلى "فَتُصْبِحُ" (تفسير الكشاف:1/649، الانتصاف لأحمد بن المنير السكندري على هامش الكشاف:1/649 حاشية رقم 2)، وأما القرطبي فمال إلى أن الفعل المضارع في "يَقْتُلُونَ" كان لمراعاة رأس الآية (تفسير القرطبي:6/235).

9- "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ" (المائدة:72).

لقد عدل عن المضمر في:"حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ" إلى الظاهر وتقرير الحال في:"وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ"، ولم يقل وما له أو وما لهم من أنصار، وكان هذا الإظهار لبيان خطورة الشرك الذي هو الظلم والذي يلحقه المشرك بنفسه.

وقد يكون "إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ" من كلام عيسى عليه السلام فيصير جزءًا من تحذيراته التي وجهها إلى بني إسرائيل، وقد يكون تعقيباً من الله سبحانه وتعالى فيلتقي مع ما ورد في صدر الآية وكأنه بلاغيًا من باب رد الإعجاز على الصدور.

 

10- " لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (المائدة:93)

جاءت هذه الآية بعد آية تحريم الخمر؛ وهي تُفهم في ذلك السياق؛ أي لا جناح على المؤمنين الذين كانوا يشربون الخمر قبل تحريمها وكانوا يتقون الله تعالى ويؤمنون به، وأعاد "ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا" أي اجتنبوا الخمرة وما نُهوا عنه، و "ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا" لتأكيد هذا الاجتناب والثبات عليه، ولربما ألمح هذا التكرار إلى تفاوت الدرجة، فالذين "اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا" هم أعلى مقاماً من الذين "اتَّقَوْا وَآَمَنُوا".

11- "إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (المائدة:112).

قولهم: "هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ" سؤالٌ عن الإرادة والمشيئة لا عن القدرة ذلك أنهم كانوا مؤمنين كما قال تعالى: "وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آَمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آَمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ" ( المائدة:111) وإنهم طلبوا ذلك لزيادة الاطمئنان، وقوله "إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" أي ما دمتم مؤمنين.

 

12- "وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ* مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ" (المائدة:116-117).

أ- وسؤال الله تعالى سيكون في يوم القيامة وإيراده بصيغة الفعل الماضي فلأنه سيقع لا محالة، وخاطب الله تعالى عيسى عليه السلام منسوبًا إلى أمه لا باسمه المجرد "عيسى" تبكيتًا لأتباعه الذين ظنوا فيه النبوة ونسبوه إلى الله سبحانه، ولمزيد من التقريعٍ والخذلان فإنهم سيشهدون الحوار ويُمْنَون بتبرّؤ عيسى عليه السلام منهم.

ب- "وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ".

ذكر القرطبي: أن من الناس مَن يرى في هذا دليلًا على أن الله عز وجل توفى عيسى عليه السلام قبل أن يرفعه؛ غير أنه هوّن من قيمة هذا الاستدلال لتضافر الأخبار عن رفعه عليه السلام وعن كونه حيًّا في السماء ونازلًا لقتل الدجال وإقامة الدين، ولهذا فإنه أوّلَ "تَوَفَّيْتَنِي" بـ "رفعتني"، وعزز رأيه بما قاله الحسن عن أن أنواع الوفاة في كتاب الله عز وجل على ثلاثة أوجه: وفاة الموت؛ وذلك قوله تعالى: "اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا" (الزمر:42)؛ يعني وقت انقضاء أجله، ووفاة النومقال الله تعالى: "وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ" (الأنعام:60)؛ يعني الذي يُنيمكم، ووفاة الرفع قال الله تعالى: "يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ" (آل عمران:55) (تفسير القرطبي:6/353).

ولم يرد المعنى الأخير في كتب اللغة، واشتملت الآية التي استدل الحسن بها على الرفع والوفاة "مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ"، ولئن كانت الوفاة بمعنى الرفع فما مغزى تكرير الرفع؟ ويبدو لي أن هذا يُضعف الرأي ولعل ما قاله الطبري أدعى للقبول حيث أوّل الوفاة بالقبض؛ فقال: "فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي" يقول: "فلما قبضتني إليك" (تفسير الطبري:5/186).

13- "إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (المائدة:118- 120).

ويرى المتأمل للآية الأخيرة أنها جاءت بعد ذكر دعوى النصارى في ألوهية عيسى عليه السلام فأخبر الباري عز وجل أن مُلْك السماوات والأرض له سبحانه دون سائر المخلوقين، ويلاحَظ أن عيسى عليه السلام أشار إلى الظالمين من النصارى فقال: "إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ" فهو يرى أنهم يستحقون العذاب لافترائهم ولكن الله هو الذي يعذبهم أو يغفر لهم ولهذا قال: "وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ"، ولئن كان عيسى عليه السلام إلهًا كما زعم النصارى لكان هو الذي يقرر مصير مَن ادّعى اتّباعه.

ولقد قدّم التعذيب لأنه يعلم أنه الجزاء إذا أخذهم الله تعالى بعدْله فيما زعموا، وأخّر المغفرة التي تكون بمشيئته سبحانه إن شاء أن يعفو عنهم ويصفح، وأما كلام الله تعالى الذي هو جواب على كلام عيسى عليه السلام فيدور على الصادقين "قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ" وفيه إشارة إلى أن الضالين الذين لم يؤتَ على ذكرهم هنا سيؤخذون بالعدل.

وفي كل من السماوات والأرض يوجد العقلاء وغيرهم، ولم يقل الله تعالى "ومن فيهن" جريًا على تغليب العاقل إذا اجتمع بغيره في اللغة العربية بل قال: "وَمَا فِيهِنَّ"، وفي "مَا" إبهامٌ وعمومٌ وإطلاق ٌ للذهن بعد أن تطوى صفحة الوجود والحساب، وإن نوع الحياة فيما بعد الحساب غير معروف بتفصيلاته الدقيقة، و"مَا" هي التي تفي بهذه الخاصية التخيُّلية، وأما "مَن" فإنها وباقتصارها على العاقلين؛ أو بالاستدعاء المحدود لغير العاقلين ستعجز عن استيعاب هذه الخاصية وتُقلّص المدى المنفتح أمام الخيال لتصور المُلْك الذي لا يحيط بعلمه غير الله سبحانه وتعالى.

 

التدقيق اللغوي: ريم المطيري 

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

https://www.nashiri.net/images/nashiri_logo.png

عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

اشترك في القائمة البريدية