الشتاء بستان الطائعين، وربيع المؤمنين، وغنيمة العابدين، وروضة المتقين، وميدان المجتهدين؛ كان ذلك لكونه يتميز بنهاره القصير وليله الطويل، فهو فرصة حقيقية أمام المسلم للتقرب إلى الله تعالى بالصيام والقيام وجميع أنواع العبادات، والمؤمن بحق يحرص على استثمار كل دقيقة من وقته، ويُوظف كل ذرة من عمره وأنفاسه في طاعة ربه، ولا يترك فرصة سانحة أمامه لتحصيل مثوبة من الله تعالى إلا ويغتنمها، ولا يترك باباً من الأبواب الموصلة إلى رضا الله ورضوانه إلا ويلج من خلاله،
والشتاء باب خير من الأبواب التي تعين المسلم على الحصول على مرضات ربه تبارك وتعالى، فالمسلم يقدر فيه على الطاعة
بيُسر الصيام والقيام؛ حيث يقل فيه الجوع والتعب؛ فالنهار قصير والليل طويل.
إلا أنه على الرغم من أن الشتاء له فضل والأعمال الصالحة فيه أيسر من غيره من الفصول؛ لقصر نهاره وطول ليله، إلا أنه عدو ينبغي الحذر منه:
1- روى ابن المبارك عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر قال: " كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا حضر الشتاء تعاهد رعيته وكتب لهم بالوصية: إن الشتاء قد حضر وهو عدو فتأهبوا له أهبته من الصوف والخفاف والجوارب، واتخذوا الصوف شعاراً ودثاراً، فإن البرد عدو سريع دخوله، بعيد روجه".
ومعنى الشعار: الملابس التي تلي البدن (أي الملابس الداخلية)، ومعنى الدثار: ما يلبس فوق الشعار (أي الملابس الخارجية).
وقال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "وإنما كان يكتب عمر إلى أهل الشام لما فتحت في زمنه، فكان يخشى على من بها من الصحابة وغيرهم ممن لم يكن له عهد بالبرد أن يتأذى ببرد الشام، وذلك من تمام نصيحته، وحسن نظره وشفقته وحياطته لرعيته رضي الله عنه ".
2- قيل لأبي حازم الزاهد: إنك لتشدد (يعني في العبادة)؛ فقال: وكيف لا أشدد وقد ترصد لي أربعة عشر عدواً؟ قيل له: لك خاصة؟ قال: بل لجميع مَنْ يعقل، قيل له: وما هذه الأعداء؟ قال: " أما أربعة: فمؤمن يحسدني ومنافق يبغضني وكافر يقتلني وشيطان يغويني ويضلني. وأما العشرة: فالجوع والعطش والحر والبرد والعري والمرض والفاقة والهرم والموت والنار، ولا أطيقهن إلا بسلاح تام ولا أجد لهن سلاحاً أفضل من التقوى". وقد عدّ رحمه الله البرد من جملة أعدائه.
3- جاء في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: احترق بيت بالمدينة على أهله من اللَّيل، حُدِّث
بشأنهم النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال " إِنَّ هذه النَّار إِنَّمَا هِيَ عَدُوٌّ لَكُمْ , فَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوهَا عَنْكُمْ ".
وروى الإمام مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "لاَ تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ".
والعِلَّة من الأمر بإطفاء النار قبل النوم جاءت في حديث جابر رضي الله عنه في رواية البخاري؛ قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: " وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا جَرَّتْ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ " (ومعنى الفويسقة: فأرة البيت).
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: "وحكمة النهي هي خشية الاحتراق، ثم قال: قيده بالنوم لحصول الغفلة به غالباً، ويستنبط منه أنه متى وجدت الغفلة حصل النهي".
ويستفاد من ذلك وجوب الحذر الشديد من إبقاء النار أو المدافئ مشتعلة حال النوم، وقد حصلت كثير من الحوادث أن احترقت بيوت بأهلها بسبب شمعة أو مدفئة؛ فينبغي الحذر من ذلك، نسأل الله العافية والسلامة.
والله الموفق والمستعان ،،،
التدقيق اللغوي: حميد نجاحي